أسواق جديدة للجواري



سناء المصري
2001 / 12 / 9


الجارية والخوف من المجهول الذى ينتظرها… والنخاس بصوته الغليظ ينادي على جمالها … والسيد المشترى بعيونه الجاحظة وجيوبه المنتفخة بالمال يقلب المرأة البضاعة ويلوي شفتيه تعبيرا عن الرفض أو يبتسم نصف إبتسامة ليداري إعجابه متى لا يبذل الكثير من المال، ولكن حيلته الساذجة تنكشف أمام خبرة ودهاء النخاس الذي يطالب جاريته دائما بإبراز المزيد من المفاتن … وتظل المساومات دائرة على جسدها للبحث عمن يدفع أكثر !!
تلك الصورة القديمة القميئة التي إنقرضت من تاريخ العالم منذ أكثر من مائة عام ، هل يمكن أن تعود مرة أخرى ؟
هل يمكن أن تتحول المرأة التي عاشت الاستقلال أو فكرت فيه … المرأة التي خرجت للحياة فتعلمت وحصلت على الشهادات وتقلدت الوظائف… المرأة التي لمست بعقلها وروحها ويديها حقيقة إنسانيتها …
هل يمكن أن تتحول إلى سلعة في سوق الرقيق مرة أخرى ؟؟؟
أكاد لا أصدق أن هذا الحديث يدور ولو سراً في نهاية القرن العشرين _ وبعد مرور زمن طويل على صدور وثيقة حقوق الإنسان _ فكيف ومناقشته علنا على صفحات الكتب وأمام القضاء !!
وليس المقصود هنا الرق بمعناه النفسي أو المعنوي ، والذى يكاد أن يكون حقيقة لا تقبل النقاش وتحكم العلاقة بين الرجل والمرأة ..
ليس المقصود هنا المعنى التبعي الذي يجعل الزوجة جارية لزوجها .. والذي عبرت عنه الجماعات الاسلامية بإلحاحها في إستخدام الحديث القائل : ( يا أيها الناس إتقوا الله في النساء وإستوصوا بهن خيرا فإنهن عندكم عوانٍ "أسيرات" لا يملكن لأنفسهن شيئاً ) .
لكن المقصود هو الجانب التشريعي والحقوقي الذي يدور حول مبدأ " وما ملكت أيمانكم " المقصود هو الرق الجسدي الذي يتعامل مع صدور وارداف النساء كمادة للبيع والشراء …
الرق الذي يبغي الاستيلاء على نساء الجانب المهزوم في الحرب ..
الرق الذي يحفظ لنا التاريخ الثير من صورة المخزية بخطف النساء وسرقتهن بالإكراه وإذلالهن وسوقهن كما تساق الماشية لعرضهن في أسواق النخاسة ..
إن أفكارا غريبة تثيرها الجماعات الاسلامية بين ثنايا كتاباتها ومواقفها وتحاول أن تقدمها في شكل دعائي طنان وديماجوجي .. ليس من أجل تبرير التاريخ القديم بكل ما حمله من سلبيات ونوازع عدوانية فقط ، بل ولتمرير تلك الافكار الشاذة الى عقل الجمهور الآن.
يقول أبو الاعلى المودودي الذي تقدمه الجماعات الاسلامية بأنه " زعيم شعبي وخطيب مفوه يستثير عزائم الجماهير ويستنهض هممهم ويستجيش مشاعرهم .." يقول بصدد الحديث عن موضوع الرق: (( إن إباحة التمتع بناء على حق الملكية واردة في غير واحدة من آى القرآن الحكيم بصراحة متناهية .. وإستعباد أسرى الحرب وبيعهم وشراؤهم كان ومازال رائجا في الدنيا منذ قديم الزمان إلى أوائل القرن الثامن عشر الميلادي ، وارجعوا بنظركم قليلا الى ما قبل بضعة قرون وافرضوا أن الحرب قائمة بين المسلمين وأمة أجنبية ، ويصيب المسلمون فيها لآلافاً من نساء هذه الأمة وفيهن عدد كبير من النساء الجميلات والشابات … أما العدو فلا يستنقذهن بدفع الفدية ، ولا يبادلهن بما قد يصيب من نساء المسلمين ، فلا يستطيعون أن يسرحوهن منا عليهن ..
فقولوا لى الآن ماذا ينبي ان نصنع بهذا العدد العظيم من نساء العدو الداخلات في دار الاسلام ؟ أما حبسهن بصفة داءمة فهو ظلم ، وأما تخلية سبيلهن في دار الاسلام فكأنه نشر لجراثيم الخلاعة والمجون والفسق والفجور في الدولة ، لأن الأضرار الخلقية لابد أن تنشأ من حيثما وضعن في الدولة فيفسد المجتمع من جانب وتوصم جباههن بالعار والذل الى الابد ..
من جانب أخر فهي مشكلة شائكة يعالجها الاسلام بتوزيعهن بين أفراد الأمة - جعل التمتع بناء على ملك اليمين من حق الرجال وما جعله من حق النساء )) أبو الاعلى المودودي - الإسلام في مواجهة التحديات المعاصرة - دار القلم ص 81 . فيالها من زاوية مثيرة للخيال التي يبرز بها المودودي بشاعة الرق .. زاوية تخاطب لدي الجمهور المهزوم كل نوازع الانتقام الشرس …. إنه يستثير في عقول سامعيه صورة الآلاف من نساء العدو ..ثم يركز أكثر على النساء الجميلات الشابات وسط هذه الآلاف من اللحم الأبيض ..
وحينما يسيل لعاب الرجال المستمعين - بعد أن سال لعاب الخطيب- فإنه يستخدم منطقا متهافتا للوصول الى هدفه ، وهو تحبيذ فكرة الرق وإبرازها على أنها منتهى العدل والحكمة .. فحبس هؤلاء النساء ظلم من وجهة نظره .. لأن تلك الأجساد الجميلة الشابة حرام أن تحبس ، وإنما يجب أن يستمتع بها الرجال ، بما يؤكد التصور السائد لدى الجماعات الاسلامية الذي لا يرى في المرأة إنسانا كامل الانسانية ويقف على قدم المساواة مع الرجل ، بل على أنها كتلة من اللحم تثير المشاعر الجنسية ويجب أن تصب فيها الشهوة الجنسية.
واذا كانت تخلية سبيل الاسيرات نشرا لجراثيم الخلاعة والمجون والفسق والفجور في الدولة ، فإن الشيخ يقترح حلا أعجب ، فهو يقترح توزيع هؤلاء الجميلات على أفراد الأمة ، فكأنه يخشى على الشوارع مثلا من وجودهن فيها ، لكنه في نفس الوقت يمكنهن من الوجود والانتشار والتمركز في عصب تلك الامة .. في بيوتها .! ولكن على الجماهير ألا تدع خيالها يذهب بعيدا فأجمل الحسان والبيض الغزلان سوف يكون من نصيب شيوخ الأمة وزعمائها المفوهين ، والاقل جمالا سوف يكن من نصيب رجال الصف الثاني وهكذا ، فالأمر ليس مباحا للجميع في هذا النسق الايدلوجي ، والتاريخ لا يذكر أن فردا من جمهور الفقراء إمتلك جارية من نساء العدو أو غيرهن ، ولكنه يذكر دائما أن جمهور الفقراء هذا كان جسم الجيش وأداة الحرب التي حققت رغبات السادة الزعماء .
إن المودودي يقاتل في القضية السابقة أي محاولة لتحريم الرق ، ويتصدى لأي محاولة تجميل لهذا الحكم ، فيوجه نقدا قاسيا لكاتب حاول أن ينفي شبهة الرق عن الاسلام بقوله(( فهل بإمكان الكاتب الفاضل أن يشير الى حكم من أحكام القرآن قد ألغى كل أنواع الرق إلغاء قاطعا بالنسبة للمستقبل؟ والإجابة بالتأكيد لا )) أبو الأعلى المودودى المصدر السابق ص64 .
إذا فطالما أنه ليس هناك نص يلغي هذا الحكم فهو يطالب بإستمراره الآن وفي المستقبل ..!!!
أما وثيقة حقوق الإنسان وغيرها من المواثيق فلا تعني للمودودي وغيره من زعماء الجماعات الاسلامية ومنظريهم لأنها و ببساطة تتعارض مع مصالحهم وأمانيهم في إمتلاك الجواري الحسان اللاتي سيعاملن على أنهن أجساد للهو ومستفرغات للشهوة الجنسية بصرف النظر عن أي قيمه إنسانية .
وهذا رمز أخر من رموز الجماعات الاسلامية وهو الشيخ صلاح أبو إسماعيل يدافع عن عودة الرق في شهادته امام القضاء بقوله : ((جعلت مدخلي الى الحديث عن الرق وحكم الاسلام فيه بأن ذكرت "الانبا شنوده" والحاضرين بالمرأة الاسرائيلية التي ضربت بقذائف طائرتها مدرسة بحر البقر وقتلت أطفالنا وأصابت هدفا مدنيا ثم أسقطتها المدفعية الصرية فهبطت بالبراشوت ووقعت أسيرة في ايدينا ، فما حكم الإسلام فيها وهل هو عدل أم ظلم ؟ إن الاسلام يبيح لجماعة المسلمين أن يروا رايهم في مصير هذه الاسيرة على مفترق طرق أربع على ضوء مصلحة الاسلام والمسلمين :
1- فلهم أن يطلقوا سراحها بلا مقابل .
2- أو بمقابل كتبادل الأسرى .
3- ولهم أن يضربوا عنقها وهي بلا شك تستحق ذلك .
4- ولهم أن يتخذوها رقيقة - وهي بلا شك - تستحق ذلك . )) صلاح أبو إسماعيل -الشهادة- شهادة الشيخ صلاح أبو إسماعيل في قضية تنظيم الجهاد ن دار الاعتصام ص78 .
ونلاحظ أن تفضيلات الشيخ اتضحت في ضرب العنق أو في كونها تصبح أمة رقيقة بعد أن تقرر جماعة المسلمين من الرجال أصحاب المصلحة أي الحليّن يختارون ! وصلاح ابو اسماعيل يستخدم في حديثه السابق نفس طريقة ومنطق المودودي العنصري الذي يتكشف هنا في رده على "الانبا شنوده" - وهو رمز مسيحي- يجسد صراع الجماعات الاسلامية مع الاقليات في المجتمع المصري ، ثم يكشف عن الطريقة الديماجوجية التسي تستخدمها الجماعات الاسلامية عند الحديث عن أي قضية حساسة ، وخصوصا قضية المرأة والرق . ولكن الطريقة أو مهارة الخطيب اللفظية لا تستطيع غخفاء عيوب كثيرة ناتجة عن ضحالة الافكار نفسها …
ويذهب الشيخ صلاح أبو اسماعيل مع فكرة رق النساء الى حد الاستفاضة في شرح آليات كيفية تحول المرأة الى جارية - كل هذا أمام هيئة محكمة عصرية ، وبحجة الدفاع عن مشروعية القتل والذبح والامتلاك فيقول : (( فإذا صارت أمه رقيقة فإنها تؤول إلى ملك رجل بعينه بحكم الشرع الشريف ولمالكها أن يستبرئها بحيضة ليتيقن براءة رحمها من أن يكون مشغولا بحمل غيره ، فإن لم تكن حاملا يعاشرها معاشرة الأزواج بملك اليمين فإن حملت منه ووضعت فقد صارت أم الولد وهو أبوه ، فإن مات سيدها ورثه ولدها منه ، ولما كانت أم هذا الولد من ممتلكات أبيه فسوف تؤول ملكيتها إلى الوارث الجديد وهو ولدها ، والإنسان لا يملك أصله ولا فرعه . وبذلك تتحرر بحكم الشرع حيث يرث ملكيتها ولدها )) صلاح ابو اسماعيل- الشهادة - المصدر السابق ص 78 فأي منطق هذا الذى يدور حول الأفكار ويلوي عنقها لتثبت عكس ماتعنيه ..؟
أي منطق هذا الذي يتحدث في البداية عن عدالة تحويل هذه المرأة إلى رقيق يمتلكه الرجال ..؟
ثم عدالة وضعها وهي جارية ..؟
ثم عدالة تحويلها إلى إرث يتركه السيد بعد وفاته ..؟
ثم عدالة أن يصير أمرها إلى الورثة ..؟
ثم عدالة حصولها على الحرية عد هذا المشوار الطويل ..؟
أكل ذلك من أجل تحليل طرق إستمتاع الرجل بأكبر كمية ممكنة من النساء وتغذية روح الملكية لديه ..؟
لنعود ونسمع عن فلان الذي يمتلك عشرات الجواري ، وفلان الذي يتسابق مع الأخرين على ملكية الأجمل من النساء إلى أخر تلك المهال التاريخية .
والغريب أن هؤلاء الدعاة الإسلاميين يتعاملون مع فكرة الرق وكأنها حق لا يقبل النقاش .. فهم يذهبون في تفسير فروعه كتفسير مظهر الجارية وملابسها ووضعها في العلاقة الجنسية مع مالكها ، وتحديد الفرق بينها وبين الحرة في تلك الاوضاع كما في كتاب حجاب المرأة ولباسها في الصلاة - وهو من كتب التراث التي أعادت الجماعات طباعتها من جديد : (( والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء ، كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي "ص" وخلفائه ، أن الحرة تحتجب والأمة تبرز ، وكان عمر رضي الله عنه إذا رأي أمة مخترمة ضربها وقال أتتشبهبن بالحرائر أي لكاع ! فيظهر من الأمة رأسها ويداها ووجهها )) شيخ الإسلام ابن تيمية - حجاب المرأة ولباسها في الصلاة - تحقيق محمد ناصر الدين الألباني - المكتب الاسلامي ص 37
ويؤكد على نفس المعني في موضع أخر (( وقد كانت الإماء على عهد الصحابة يمشين متكشفات الرءوس ويخدمن الرجال مع سلامة القلوب )) ثم يقول في الهامش (( كأنه يشير الى مارواه البيهقي عن أنس قال (( كن إماء عمر رضى الله عنه يخدمننا كاشفات عن شعورهن ، تضطرب ثديهن ، وسنده جيد )) ابن تيمية -المصدر السابق- ص 43
ومع التمييز بين الحرة والأمة في المظهر ، فإن متن النصوص يكشف عن حقيقة إستغلال أجساد الإماء نفسها ،، حيث نجد الكثير من الفروق في المعاملات ، فعلى سبيل المثال نجد فكر الجماعات الاسلامية يهاجم تحديد النسل ويهاجم كل طرقه ووسائله ومنها العزل التي يعترف أبو الأعلى المودودي أنها وسيلة غير إنسانية وتحدث الكثير من الأضرار السيئة في نفسية المرأة وتكوينها ، إلا أنه لا يرى ضررا في إستخدامه مع الجواري : (( فلابد أن تكون النتيجة لاتخاذ تدابيره الصناعية أن ينشأ التوتر في نظام المراة الجسماني ويلازمها -شيئا فشيئا - القلق والاضطراب والتبرم والضجر ن لأنها عندما لاتشبع غريزتها الجنسية ، فإن علاقتها بزوجها يعتريها- ولابد- الشذوذ والانزعاج، وقد شوهدت هذه النتائج بصفة خاصة في الذين يختارون طريق العزل لمنع الحمل )) أبو الاعلى المودودي -حركة تحديد النسل- مؤسسة الرسالة 1975م ص 81
وهكذا فهو يهاجم بوضوح أسلوب العزل لما له من أثار خطيرة على المرأة ، وبرغم ذلك يحلل إستخدامه في وضع الجواري فهو يقول (( إن العزل وهو إحدى الوسائل المستخدمة في تحديد النسل كان يستخدم في حالات بعينها وهي :
1- خشية أن تحمل الأمة " الجارية " .
2- خشية أن تستحق الأمة إقامة دائمة إذا صارت أم ولد . )) المصدر السابق ص 141 ولكن أليس استخدام أجساد هؤلاء النسوة في الاغراض الجنسية مع حرمانهن من كل الحقوق حتى حق المرأة في أن تصبح أماً ، أو حقها في الاستمتاع في العلاقة مع الرجل ، هو أشد أنواع الدعارة والعهر وأشدها رخصاً وإبتذالاً وأشدها إذلالاً لإنسانية المرأة ..!! إن الجماعات الاسلامية التي تدعي في مواضيع أخرى أنها تبغي القضاء على الدعارة قضاء تاما .. تفتح لها بابا واسعاً لكنه باب خاص بالسادة أصحاب النفوذ في دولتهم ..
إن حديثهم عن الرق في النصوص السابقة وفي مواضع أخرى الى جانب أنه يشحذ الروح العنصرية لدى جمهورهم الساخط حتى يسهل توجيهها بعد ذلك الوجهة التي يريدون ، فهو يحمل أيضاً إمكانية إحداث أنواع ودرجات من التفريق بين الناس ، يكون تحقيقها مرهونا بمدى قوة الجماعات الاسلامية وصعودها الى السلطة .. وبمدى وعي الجمهور أو غياب وعيه .. إن سيناريو العبودية التاريخي السابق يمكن أن يأخذ أشكالا جديدة ترتكن على قاعدة قبول المبدأ .. قبول التفرقة .. قبول الاستبداد وخصوصا ضد النساء ، فهل ننتبه إلى حقيقة هذا الخطر الصاعد .. أم نتركه حتي نفاجأ به يطبق علينا نحن النساء المعاصرات كل تصوراته السابقة ؟
من كتاب
خلف الحجاب
الكاتبة : سناء المصري
دار سينا للنشر