كلهم في -العار-عبد القادر!



عماد فواز
2014 / 4 / 24

تستغل القوى المتصارعة على الحكم في مصر النساء بشكل وضيع لتحقيق انتصارات وهمية، ظنا منهم أنهم بهذا الاستغلال يحققون بطولات او مكاسب سياسية، وسريعا ما ينكشف للجميع أنهم لم يجنوا سوى العار، فلا الذين استغلوا النساء للرقص أمام لجان الاستفتاء انتصروا بإظهار الشعب فرح منتشي بالدستور، ولا الذين استغلوا النساء كدروع بشرية في النهضة ورابعة حققوا النصر، وإنما جنوا المزيد من العار، فلا استولوا على السلطة ولا حافظوا على شرفهم.

والتاريخ يؤكد على أن استغلال المرأة في الصراع السياسي غاية وضيعة لهدف دنيء، وعلى مر تاريخ مصر استغل بعض السياسيين الشبان المرأة لارتكاب أعمال اغتيالات ضد الانجليز او الموالين لهم، فبدلا من ان يحققوا بطولات تسطر فى سجلات البطولة، لحقهم العار وخسروا أمام العالم وأمام أنفسهم شر خسارة.

ويذكر الأستاذ مصطفي أمين فى كتابة "الكتاب الممنوع" أن الجهاز السري التابع لثورة 1919م ، كان يطارد الوزراء الذين يتعاونون مع سلطات الاحتلال البريطاني ويطعنون الثورة في ظهرها.. ويحطمون إرادة الأمة التي اختارت سعد زغلول وكلا وزعيما ومتحدثا وحيدا باسمها في مواجهة الانجليز، وكان محمد شفيق باشا، وزير الأشغال في وزارة إبراهيم سعيد باشا قد ارتكب جريمة نكراء، حين وافق على إطلاق يد الانجليز في تغيير نظام الري في السودان، خدمة للمصالح الاستعمارية، وإلحاقا للضرر بالمصالح الوطنية.. وقررت قيادات الثورة قتله.

وفي يوم 19 فبراير 1920 ذهب فهمي أمين عضو التنظيم السري إلى الشاب عبد القادر محمد شحاتة - طالب بالمدرسة الإلهامية الثانوية- وابلغه أن الاختيار وقع عليه لاغتيال شفيق باشا.. ولقنه تفاصيل الخطة المرسومة.. وقام الشاب بالعملية كما طلب منه، والقي القنبلة على سيارة الوزير إثناء مروره في العباسية، وانفجرت القنبلة ولكن الوزير افلت من الموت، وقبض على الشاب المنفذ، وبدأت سلطات التحقيق تمارس أفظع ألوان التعذيب لتعرف منه أسماء قيادات الجهاز السري، وهنا حدثت واقعة العار التي يرويها عبد القادر نفسه في مذكراته التي نشرها مصطفى أمين في كتابه قائلا " وإذا بي أتلقي داخل السجن رسالة من الجهاز السري من خارج السجن بأن سيدة اسمها "دولت فهمي" ناظرة مدرسة الهلال الأحمر سابقا ستتقدم للشهادة وتقول أنى كنت في تلك الأيام أبيت عندها.. وانه يجب أن اعترف بهذا، ورغم أن هذا الاعتراف عار ويسيء إلى سمعتي وسمعتها ولكنها قبلت أن تقوم بهذه التضحية لإنقاذ رقبتي من حبل المشنقة.

واستدعاني النائب العام توفيق رفعت باشا للتحقيق من جديد ليسألني أين كنت أبيت؟ فقلت وأنا اظهر الخجل " أنى كنت أبيت عند السيدة دولت فهمي ناظرة مدرسة الهلال سابقا، واصدر النائب العام على الفور أمرا بالقبض عليها، فجاءت مكبلة بالحديد.. ودخلت سيدة حسناء إلى غرفة النائب العام.. وإذا بدولت هذه تهجم على وتقبلني وتناديني " يا حبيبي يا حبيبي!"، واعترفت بأنني أبيت في بيتها، وصدر الحكم بالشغال الشاقة المؤبدة بدلا من الإعدام.

ويكمل عبد القادر " قضيت أيام وليالي أفكر في هذه السيدة التي ضحت بسمعتها وشرفها من اجل إنقاذي، وكانت تملأ خيالي، ويناجيني طيفها النبيل عبر قضبان السجن الكئيب.. حتى أحسست أنى أحبها فعلا.. ومضت أربع سنوات تعيسة قضيتها في ليمان طره، حتى جاءت حكومة الشعب الأولى برئاسة سعد زغلول، فأفرج عني ضمن مجموعة الفدائيين الذين سجنتهم سلطات الاحتلال.. وكان أول ما فكرت فيه بعد عودتي إلى الحرية هو البحث عن دولت لأتزوجها.. ولكن الجميع كانوا يتهربون منى ويطلبون منى ان اكف عن السؤال عنها.

لم اكف عن السؤال حتى وجدت نفسي أمام الحقيقة المفجعة.. فقد قتلها أهلها ليغسلوا العار الذي لحق بهم أثناء التحقيق!!!!!..فأحسست بالعار الشديد.. فقد أنقذت رقبتي محتميا بشرف سيدة وعرضها ثم حياتها.. اى عار هذا الذي جنيت؟".


هذه قصة شاب قام بعمل بطولي حقا عندما شرع في قتل خائن للوطن، لكن سريعا ما تحولت البطولة إلى قمة العار عندما وافق على استغلال امرأة ليتهرب من عمله البطولي.. والأمر نفسه يفعله كل المتصارعين على السلطة اليوم، يزجون بالنساء كدروع بشرية وكصيد ليورطوا الأمن في جرائم الاعتداء عليهم وتعريتهم، وغيرها من الأساليب التي لا تعود عليهم إلا بالعار.

وفرق شاسع بين مشاركة المرأة في التظاهر وهو عمل بطولي اعتادت عليه النساء المصريات منذ مظاهرات عام 1919م، وفى جميع الثورات اللاحقة، ويفخر تاريخ مصر الحديث بدور المرأة في العمل السياسي والاحتجاجات ضد المحتل وضد الظلم الاجتماعي، وبين الزج بهم للهروب من الأمن أو لتوريط القوى المضادة في جريمة ما، أو للتخلص من السجن او حتى الإعدام متسترا بشرفهم أو جسدهم أو ما شابه، وهو للأسف أصبح عملا منهجيا يمارسه المتصارعون على السلطة.