النساء والبيئة وتوحش الحقيقة



نوال السعداوي
2020 / 11 / 27

قالوا: أنت كاتبة متوحشة خطيرة قالت: لأن الحقيقة تبدو متوحشة خطيرة ووسط الأكاذيب التحرش أو التوحش ضد الطبيعة جزء من التحرش أو التوحش ضد المرأة. هذه فكرة بديهية طمسها العلم الطبقي الأبوي الحديث.
مخاطر الفحم فى الصناعة جزء من مخاطر التجارة بأجساد النساء والأطفال هذه الحقيقة تختفي تحت وابل الإعلام والمعلومات العلمية المراوغة التى تروجها مصانع الفحم، وشركات التجارة بالبشر.
البلاد الغنية بالفحم تصدره الى الخارج وتستورد الشمس، والبلاد الغنية بالشمس (مثل بلادنا) تستورد الفحم وتصادر الشمس. وقد دار النقاش عام 1988 فى المؤتمر الدولي للبيئة بالهند، عن النظم الحاكمة وتوحشها ضد النساء والطبيعة لا يخلو العلم من تناقضات مثل غيره من منتجات البشر، فالضغوط السياسية لأصحاب المال والسلاح والإعلام تحكم رجال العلم كغيرهم من رجال الفن والدين والأخلاق. ألم تروج فنون الجنس الخليع والعنف والجريمة لزيادة شبق الاستهلاك وترويج البضائع ومساحيق الزينة؟ الم تروج علوم الطب لفوائد عمليات الختان (للذكور والإناث) حتى مات الأطفال نزفا وألما؟ الم تنتشر الدعاية لسلامة استخدام الفحم (وغيره من المواد) فى الصناعات حتى انفجرت مخاطر تلوث البيئة المادية وغير المادية، وظهرت التغيرات الخطيرة على المناخ وطبقة الأوزون، مما فرض على العلماء البدء فى دراسة مشكلات البيئة فى الثمانينيات من القرن الماضي؟ من الرواد فى علم البيئة "فانداما شيفا" من الهند "ومارى ميز" من ألمانيا وقد نشرت فانداما شيفا كتابها الأول (1988) بعنوان: لنبقى أحياء النساء والبيئة والتنمية"، وبعدها بعامين (1990) نشر جان مارى بيلت كتابه "الإنسان والطبيعة" وبعد بثلاثة أعوام نشرت "فانداما شيفا ومارى ميز" كتابهما المشترك: البيئة والمرأة" "أيكوفيمينيزم" (1993). وكان علم المرأة وعلم البيئة من العلوم الحديثة التى ربطت بين تخصصات متعددة: السياسة والاقتصاد والاجتماع والقانون والتعليم والصحة والفلسفة والدين، والتاريخ، والتقيت بهما (فانداما شيفا ومارى ميز) عدة مرات فى المؤتمرات النسائية الدولية ومؤتمرات البيئة، التى عقدت فى بلاد العالم، من الهند الى البرازيل والمكسيك وجنوب إفريقيا وأمريكا الشمالية والجنوبية وكندا وأستراليا.
فانداما شيفا امرأة تتجسد فيها قوة "شيفا" والإلهتين "كالى" و"برافاتي". وقد عرفت الكثير من النساء فى قارة الهند (قارة لأنها ضخمة) تجولت فى كل أنحائها خلال الثمانيات من القرن العشرين، عشقت فلسفتها وطبيعتها، وحتى خصصت لها "نصف كتابي" رحلاتي فى العالم (1986) عشقت فى مدنها وقراها من دلهي الى أجرا وما دراس وكونور وأناند وغيرها. وكانت الكاتبة المتمردة المبدعة "كاملا داس" من أعز صديقاتي، وكذلك الشاعرة الروائية "أمرتنا بريتام" وشخصيات أخرى لا تنسى منهن أنديرا غاندي، تبادلنا الأفكار المتمردة فى السياسة والثقافة والأدب، وكان مكتبها غير بعيد عن بيتى فى راشترابا هى بافان، مقر الرئاسة فى دلهي، قبل أن تغتالها جماعة دينية سلفية استأجرها الاستعمار الخارجي، للتخلص من القيادات الوطنية الرافضة للتبعية، وعاشت أنديرا غاندي بعد مقتلها عن طريق تناسخ الأرواح (كما يؤمن الهنود) فى شخصية شيفا التى أصبحت مرجعا لكل من يدرس علوم البيئة فى العالم، ومن كلماتها المسجلة فى كتابها الأول: العلم الحديث يقوم على انتهاك الطبيعة والنساء وينظر الى الطبيعة كأنها امرأة حاضرة للاغتصاب وقد ألهمت "فانداما شيفا" كثيرا من الشباب لدراسة علم البيئة، منهم الكاتبة الشاعرة المصرية "منى حلمي" التى قامت ببحث ميداني عن مشكلات البيئة والمرأة فى مصر، نالت عنه درجه دكتوراه الفلسفة فى العلوم البيئية عام 1999، من معهد العلوم بقسم الدراسات الإنسانية بجامعة عين شمس، تحت إشراف الأستاذ الدكتور قدري حفني وجاء فى مقدمة بحثها الآتي: منذ السبعينيات من هذا القرن العشرين يزيد الاهتمام بمشكلات البيئة وقضاياها التى تشعبت خطورتها لتشمل بلاد العالم، وكل من يعيش على كوكب الأرض، لقد كان لممارسات الإنسان وأنشطته المختلفة، وفى مقدمتها النشاط الصناعي، أكبر الأثر فى اختلال التوازن والنظام البيئي غلى الأرض، هذا البحث العلمي رقد فى مخازن الجامعة يتغذى بالتراب مثل غيره من البحوث.
أما مخاطر استخدام الفحم على الصحة والبيئة فهى حقيقة لا تقبل الجدل الاعلامى ويتم تصدير الفحم من البلاد الواعية بمخاطره الى بلاد تقبل استيراده وليس لديها الوعي ولا الأجهزة التى تقيس بها انبعاثاته الضارة، وقد يكون لديها وزيرة للبيئة واعية (كما عندنا) لكنها لا تستطيع إيقاف القرار لأعلى ولا الاستقالة.