برنامج عقيدة الحياة المعاصرة للاصلاح والتغيير 3 إصلاح النظام الأسري الجزء الاول



رياض العصري
2014 / 5 / 2

في البداية ينبغي تعريف المفاهيم والمصطلحات الرئيسية في برنامج عقيدتنا لاصلاح النظام الاسري :
ـ الأسرة : هي مؤسسة اجتماعية صغيرة يؤسسها رجل وامرأة تجمعهما المصالح المشتركة للعيش المشترك في اطار من الحب والمودة وتحت غطاء قانوني اجتماعي ممثلا بعقد الزواج الموثق من قبل السلطات المحلية ، ويمكن ان نشبّه الاسرة بخلية حيوية في نسيج الكيان الاجتماعي وبالتالي هي وحدة بناء المجتمع ويجب ان تخضع لمجموعة من القوانين والقواعد لتنظيم شؤونها .
ـ المجتمع: هو الكيان البشري الذي يتشكل من مجموع الأسر التي تقيم على ارض محددة متصلة غير منفصلة ، وتربطها مصالح مشتركة وتاريخ مشترك ، وتميزها ثقافة محلية مشتركة ، ويخضع كل مجتمع لمجموعة من القوانين او القواعد السلوكية التي تعكس نمط النظام الاجتماعي العام ، ومن مجموع الكيانات الاجتماعية التي تقيم على اراض ممتدة منفصلة غير متصلة ، والتي تتميز بثقافة موحدة مشتركة وتربطها مصالح مشتركة سياسية واقتصادية يتشكل كيان اجتماعي اكبر واوسع يسمى الامة .
ـ النظام الأسري : هو مجموعة القوانين والقواعد الخاصة بتشكيل وتنظيم البيئة الاسرية التي يحيا فيها الانسان ، ويشمل هذا النظام شؤون الاسرة مثل قضايا الزواج والانفصال ( الطلاق ) والوفاة والميراث والعلاقات بين افراد الاسرة بعضهم تجاه بعض وكل ما يتعلق بشؤونهم ضمن اطار الاسرة الواحدة ، وان النظام الاسري هو الجزء الاساسي من النظام الاجتماعي العام .
ـ النظام السكني : هو مجموعة القواعد الخاصة بتشكيل وتنظيم البيئة السكانية الحيوية التي يحيا فيها البشر ، وتشمل هذه البيئة الوحدات السكنية والاحياء السكنية بمبانيها وطرقها واسواقها وحدائقها وكل ما يتعلق باحتياجات الانسان وشؤون التجمعات السكانية ، ان فلسفة عقيدتنا في ما يتعلق بالنظام السكني تتلخص بان البيئة التي يحيا فيها الانسان لها تأثير بالغ على نمط تشكيل مزاج الانسان وطباعه وطريقة تفكيره واسلوب تعامله مع محيطه وفي تشكيل الثقافة العامة ، والمسكن هو بيئة الانسان الاولى ، وهو مكان راحته واستقراره ، وهو المدرسة الاولى التي يتلقى بداخلها الثقافة والمعلومات التي تهيئه لدخول البيئة الاوسع او المدرسة الاوسع اي المجتمع ، وان نمط تشكيل الوحدات السكنية التي يحيا فيها البشر ونمط تشكيل التجمعات السكنية او الاحياء السكنية من النواحي البنائية والتصميمية والصحية هي العوامل الفعالة في تشكيل نمط البيئة السكانية ، البيئة الايجابية تخلق بشرا ايجابيون والبيئة السلبية تخلق بشرا سلبيون ، ولذا يجب ان تعد التجمعات السكنية اعدادا صحيحا ليكون سكان هذه التجمعات مواطنون صالحون في مجتمع صالح .
ـ النظام الاجتماعي العام : هو الاطار العام لمجموعة القوانين والقواعد الخاصة بتنظيم المجتمع أسرا او أفرادا بمختلف انتماءاتهم العرقية او الثقافية لتعكس هذه القوانين نمط منظومة القيم العامة او الثقافة العامة ومستوى الرقي الاجتماعي في المجتمع ، وهو يشمل بالاضافة الى منظومة القيم العامة كل من النظامين الاسري والسكني ، اذ تعتبر هذه المنظومات الثلاثة اعمدة النظام الاجتماعي العام ، ان نمط النظام الاجتماعي السائد له تأثير حتى على تشكيل الاوضاع الاقتصادية والسياسية في المجتمع ، حيث ان حالة الوضع الاجتماعي ونوع الثقافة العامة السائدة بين افراد بيئة اجتماعية معينة تسهم الى حد كبير في تشكيل اساليب العيش في بيئتهم ونمط ادارتهم لمواردهم وادارة مصالحهم وتنظيم شؤونهم ، وهناك تأثير متبادل بين الوضع الاجتماعي وبين الاوضاع الاقتصادية والسياسية ، ولكن في جميع الاحوال لا يمكن اقامة نظام اقتصادي ونظام سياسي ناجحين ما لم يتوفر نظام اجتماعي صالح مهما كانت كفاءة النظريات الاقتصادية او السياسية .
السؤال المطروح لماذا نريد اصلاح النظام الاسري ؟ وماهي علاقة النظام الاجتماعي بالسلوك الاجتماعي ؟ من المعلوم في علم سلوك الانسان ان هناك انماط سلوكيات مكتسبة وهناك انماط سلوكيات موروثة ، وان الانماط السلوكية للانسان التي يكتسبها من مجتمعه من خلال تأثيرات البيئة الاجتماعية ، وكذلك الانماط السلوكية التي يرثها الانسان من والديه وفقا لقوانين الوراثة يشكلان معا ملامح شخصيته ان كانت ايجابية أم سلبية ، والفرد عادة يخضع لهذه الانماط بطريقة لا إرادية ، وحيث ان كل بيئة اجتماعية تخضع لنظام اجتماعي يحكم العلاقات بين البشر القاطنين في هذه البيئة وانماط افعالهم و ردود افعالهم ، بالتالي فان النظام الاجتماعي الصانع للبيئة الاجتماعية هو العامل الرئيسي في صنع السلوك الاجتماعي العام او ما يسمى بالسلوك الجمعي وفي تشكيل الثقافة العامة ، وبناءا على ما تقدم فان انتشار حالات الظلم الاجتماعي في اي مجتمع دليل على فساد البيئة الاجتماعية وسوء النظام الاجتماعي وعدم صلاحيته ، ومعلوم ان الظلم المتفشي في اي مجتمع ينتج مجرمين بكثافة عالية وهذه قاعدة عامة ، ليس بالضرورة ان يكون كل مظلوم مجرما ولا ان يكون كل مجرم مظلوما ، ولكن ما نعنيه ان الظلم عندما يتفشى في مجتمع ما ليصبح ظاهرة عامة فان ذلك سيؤدي بشكل مباشر او غير مباشر الى خلق بيئة مناسبة لنمو الصفات العدوانية والسلبية لدى افراد المجتمع ، ونفس السبب بالنسبة لظاهرة الغش والتزوير في النشاط الاقتصادي والتي هي تعبير عن تفشي الفساد وأكل المال بالباطل في المجتمع ، كما ان الحاكم الطاغية في اي مجتمع انما هو انعكاس لتفشي ظواهر العنف والارهاب والقسوة والكراهية في ذلك المجتمع وهذه كلها نتاجات اوضاع خاطئة لنظام اجتماعي خاطيء ، وهذا ما يجعلنا نعتقد بان الخارجين عن القانون انما هم وفقا لقواعد الحق والمنطق ضحايا مجتمع تسوده علاقات غير صالحة ، هذا بالاضافة الى توفر الاستعداد الوراثي لدى هؤلاء الافراد للخروج عن القانون من جراء مورثات او جينات رديئة ورثوها عن آباء سابقين عاشوا في هذه البيئة الاجتماعية الفاسدة وتطبعوا بطباعها ، فالبيئة تصبغ الجينات بصبغتها وتطبعها بطابعها مع تعاقب الاجيال ، وبناءا على هذه الحقائق فاننا عندما نحاسب ونعاقب المخطئين والخارجين عن القانون فانما نحن نعاقب أفرادا هم في الاساس ضحايا للظروف التي صنعتهم بحكم الوراثة او بحكم البيئة ، فكل انسان نتاج البذرة التي نشأ منها ، ونتاج التربة التي نبت فيها ، ونتاج البيئة التي ترعرع فيها بضغوطها وتحدياتها ، ونتاج الظروف المحيطة به من حيث الزمان والمكان ، وهذا الكلام ليس دفاعا عن الخاطئين ومنحهم البراءة والشرعية ، وانما تعبيرا عن رغبة صادقة في معالجة المشكلة من جذورها لكي لا ينتقل الخطأ بالوراثة ولا بالاكتساب من جيل الى جيل ، وكما قال شاعر قديم ( متى يستقيم الظل والعود أعوجُ وهلْ ذهبٌ صرفٌ يساويهِ بهرجُ ) وبالتالي اذا اردنا تقويم سلوك الانسان الخاطيء ينبغي علينا تقويم بيئته الاجتماعية ، وتقويم النظام الاجتماعي العام في المجتمع ، فاذا صلح النظام الاجتماعي صلحت احوال الناس اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا ، وان اصلاح النظام الاسري هو الاساس وهو نقطة البداية في اصلاح النظام الاجتماعي ، النظام الاجتماعي غير الصالح ينتج أوضاعا غير صالحة وبالتالي افرادا غير صالحين هذه قاعدة عامة تنطبق على المجتمعات في كل مكان وزمان ولا يشذ عنها إلا الأشخاص الذي تمنحهم الطبيعة وفقا لظروف الصدفة او العشوائية وبنسب متباينة صفات الحس المرهف والذكاء الفطري والرؤية الشمولية والارادة القوية فيتميزوا عن القاعدة العامة بقدرتهم على التحرر والانعتاق من سلطة النظام الاجتماعي غير الصالح وعدم خضوعهم لقوانينه ، وكنا قد بينا في مقال سابق ان السبب الحقيقي وراء انحطاط الحياة الاجتماعية في بلداننا العربية والمتمثلة بتفشي المظاهر السلبية من ظلم وقهر وكراهية وفساد اخلاقي ومالي وغش وتزوير وفوضى سياسية وغيرها من المظاهر السلبية وعلى مدى قرون عديدة انما هو في طبيعة النظام الاجتماعي ذاته القائم على أسس غير صحيحة ، وبما ان نظامنا الاجتماعي الحالي قائم على اسس خاطئة فانه سيظل نظاما منتجا للمظاهر السلبية المتمثلة بالمظالم والمفاسد واشكال الارهاب ، وسوف تبقى هذه المظاهر السلبية متفشية في مجتمعاتنا ، وستبقى شعوبنا جيلا بعد جيل تدفع ثمنا باهضا عن هذه الاخطاء الجسيمة التي تكتنف نظامنا الاجتماعي ، و سنظل نعاني من سوء الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ولن تتحسن احوالنا ولن تستقر اوضاعنا حتى يتم تصحيح هذا النظام واعادة كتابة قوانينه بطريقة علمية وعصرية . ولو بحثنا عن مصدر هذه الاسس غير الصحيحة في نظامنا الاجتماعي وسبب عدم صلاحية منظومة القيم والثقافة السائدة في مجتمعاتنا لوجدنا ان السبب يكمن في مرجعيته القديمة التي يستمد منها قوانينه ، فالبناء العقائدي لنظامنا الاجتماعي الحالي بكل ما يحتويه من اعراف وقيم وثقافة انما هو مستمد بشكل رئيسي من المعتقدات الدينية التي تتحكم بحياتنا الاجتماعية ، وبشكل عام فان صناعة السلوك الاجتماعي العام تسير وفق الآلية الاتية : البيئة الطبيعية تصنع معتقدات البشر ، المعتقدات ترسم نظام اجتماعي معين ، النظام الاجتماعي يصنع بيئة اجتماعية ، البيئة الاجتماعية تشكل الانماط السلوكية للافراد وتصنع الثقافة العامة ، فاذا كانت هذه الآلية حتمية تاريخية بأطرها فان مضمونها يخضع لارادة الانسان ، ومعلوم ان معالم البيئة الطبيعية تتغير مع الزمن ومع تطور حضارة الانسان ، وبالتالي اذا كنا عازمون على اصلاح نظامنا الاجتماعي اصلاحا شاملا وليس ترقيعيا فانه ينبغي ابعاد المعتقدات الدينية عن صياغة نظامنا الاجتماعي وفك الارتباط بين العقيدة الدينية والقوانين المنظمة للحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في بلداننا ، لانه من المستحيل اجراء اصلاح للنظام الاجتماعي في مجتمعنا في ظل هيمنة الشريعة الدينية على الدستور والقوانين ، ونحن كعقيدة معاصرة اخذنا بعين الاعتبار هذه الرؤية عند وضعنا لخارطة طريق لنظام اجتماعي سليم انطلاقا من اقامة نظام اسري صحيح وسليم ، ان اصلاح النظام الاسري هو من اهم خطوات اصلاح النظام الاجتماعي ، وان سعينا هذا وجهدنا لاصلاح اوضاع مجتمعاتنا العربية انما هو تلبية لنداء الضمير من اجل نشر مباديء الحق والعدالة والمحبة واحترام الكرامة الانسانية في هذه المجتمعات المنكوبة بثقافة الظلم والكراهية وانتهاك الكرامة . اننا عندما نقول اصلاح النظام الاسري فاننا نقصد بالتحديد اصلاح اوضاع المرأة ، لانه اذا كانت الاسرة هي وحدة بناء الكيان الاجتماعي فان المرأة بالذات هي عماد الاسرة وليس الرجل ، المرأة لها دور كبير في كيان الاسرة ، بوجود المرأة يكون هناك معنى للاسرة وبغياب المرأة لن يبقى للاسرة معنى ، ولا نجافي الحقيقة اذا قلنا انما الامم تنهض وتتقدم بنسائها ، بصلاح المرأة صلاح الاسرة وصلاح المجتمع ، وبفسادها فساد الاسرة وفساد المجتمع ، المرأة هي التي تربي الاطفال وهي التي تنشأ الاجيال، يتلقى الانسان منذ طفولته أولى الدروس في التربية والسلوك والاخلاق من أسرته وبالتحديد من الام التي تربي ابنائها وفقا للقيم الاخلاقية التي نشأت عليها ، وتغرس في نفوسهم المفاهيم والسلوكيات التي تتعاطاها ان كانت ايجابية هذه المفاهيم أم كانت سلبية ، وان سوء تربية الابناء لا ينعكس تأثيره السلبي على كيان الاسرة فقط وانما يتعدى تأثيره الى المجتمع ، ومن هنا فان حالة المجتمع من حيث تقدمه ونهضته وعمرانه انما هو انعكاس لوضع المرأة ولثقافة المرأة في ذلك المجتمع ، ومن هذا المنطلق فان اصلاح النظام الاسري في اي مجتمع ينبغي ان يبدأ باصلاح اوضاع المرأة في ذلك المجتمع وتغيير قوانين الاحوال المدنية بما يسمح لان تأخذ المرأة دورها في بناء المجتمع وتحمل المسؤولية ، من المعلوم ان الثقافة السائدة في مجتمعاتنا العربية تجاه المرأة ثقافة خاطئة ذات جذور قديمة كرستها الشريعة الدينية والتي تقوم على مبدأ الحد من حرية المرأة مقابل اعفائها من المسؤولية حفاظا على عفتها الذي هو مصدر شرف الرجل ، بالتالي فان الرجل ملزم بحمل كل ما ينجم عن هذه المبدأ من نتائج وأعباء ، فمثلا المرأة البالغة في مجتمعاتنا اذا كانت غير متزوجة فان المسؤول عن اعالتها وتدبير شؤونها هو اما ابيها او اخيها ، ويكون مقابل ذلك الوصاية عليها والتدخل في شؤونها ومصيرها وما يترتب على ذلك من امتهان لكرامتها ومسخ لشخصيتها ، واذا كانت متزوجة فان المسؤول عن اعالتها هو زوجها ويكون مقابل ذلك انه هو الذي يكون القائم بشؤونها وهو الذي يتحكم بحياتها ويقرر مستقبلها ، ووفقا لهذا المنطق فان المرأة تتحول الى جزء من ممتلكات الرجل يتصرف بها كيفما يشاء ، وهذا ما يتنافى مع مباديء الحق والعدالة والانسانية ، ان هدفنا في برنامجنا لاصلاح النظام الاسري يتجه صوب تحرير المرأة من هيمنة الرجل على شخصيتها وعلى كرامتها ومساواتها بالرجل في الحقوق والواجبات لكي تتولى هي شخصيا تدبير شؤونها واعالة نفسها دون وصاية من احد ، ان الغاء مبدأ ( حرمان المرأة من الحرية مقابل اعفائها من المسؤولية ) يؤدي في الوقت نفسه الى تحرير الرجل من تحمل الأعباء المترتبة عن ذلك المبدأ ، وهي أعباء مالية واخلاقية ، ألأعباء المالية تتمثل في الانفاق على المرأة ان كانت هذه المرأة زوجته او ابنته البالغة غير المتزوجة او اخته البالغة غير المتزوجة ، والاعباء الاخلاقية تتمثل في اعتبار المرأة رمزا للشرف وان شرف الرجل مرهون في صونه لنسائه من الناحية الاخلاقية ، ونحن نعتقد بان هذه المفاهيم وهذه الثقافة لم تعد تصلح في عصرنا الحالي ويجب ان تتغير ،اننا نؤمن بان اخلاق الانسان هي شرف له وحده ولا يمكن ان يرتهن شرف الرجل باخلاق نسائه ، فكل انسان بالغ مسؤول عن اخلاقه هو وعن شرفه هو ويتحمل هو شخصيا مسؤولية اعماله ، كما ان القاء مسؤولية الانفاق على المرأة البالغة على كاهل الرجل ان كان اب او اخ او زوج انما هو عبأ يجب ان يتحرر منه الرجل وتتحرر منه المرأة ايضا ، هكذا نفهم حرية المرأة ، يجب ان تكون المرأة حرة الارادة لا تستجدي الشفقة والعطف من الرجل لكي يطعمها ويسكنها في مسكنه ، وهذا يحتم عليها ان تعمل لكي تتحمل نفقات معيشتها وبالتالي تكون مؤهلة لممارسة حريتها وممارسة دور ايجابي في المجتمع ، اننا نريد للمرأة ان تتحرر من هيمنة الرجل فلا تتكل عليه في معيشتها وفي تقرير حياتها ومستقبلها وبالتالي تكون لها شخصية قوية وهذا سوف ينعكس في اسلوب تربيتها لاطفالها ، اننا اذ نطالب للمرأة بالحرية والمساواة فاننا نؤكد ان لا حرية من غير مسؤولية ولا مساواة من غير واجبات ، وبالتالي عندما تُمنح المرأة الحرية فان ذلك يترتب عليه تحملها للمسؤولية كما ان مساواتها بالرجل في الحقوق يترتب عليه تحمل الواجبات ، المرأة البالغة ان كانت متزوجة او غير متزوجة عليها ان تعمل لتعيل نفسها ، ومن هذا المنطلق اعتبرنا المرأة المتزوجة والتي تحمل صفة ربة بيت اعتبرناها عاطلة عن العمل ويجب توفير فرصة عمل لها لكي تنفق على نفسها فتشعر بانسانيتها ولا يستعبدها زوجها او ابيها او اخيها ، المرأة مطالبة بالعمل وفي حالة عدم توفر فرصة عمل لها فان الدولة تصرف لها اعانة بطالة من صندوق رزق العاطلين باعتبارها عاطلة عن العمل حتى وان كانت متزوجة ، الزواج لا يسقط حق المرأة كمواطنة لها حق في الرزق من المال العام ، الزواج حسب مفهومنا شراكة بين الرجل والمرأة للعيش المشترك من اجل تكوين اسرة في ظل ارتباط المصالح والاهداف ، ولكن لا يعني للمرأة المتزوجة ان تكون عالة على زوجها في معيشتها فتضطر الى التنازل عن حقوقها الانسانية في سبيل عيشها ،الإعالة مهانة وإذلال للنفس ونحن نرفض ذلك للمرأة كما نرفضها للرجل ، لا ينبغي للمرأة ان تصبح عبء على الرجل في المعيشة وفي الانفاق وانما هي انسان مكافيء للرجل في الحقوق والواجبات ، تعمل لتنفق على نفسها وعلى اسرتها كما هو حال الرجل ، الاعباء الاسرية يجب ان يتحملها كل من الرجل والمرأة مشاركة ، ليس مهمة الرجل في ان يحمل لوحده عبأ إعالة كل من زوجته وابنائه القاصرين ، بل ان الزوج والزوجة كلاهما يشتركان في حمل عبأ إعالة ابنائهما القاصرين ، الزوجة شريك وليس عائل ، الزواج ليس مشروع إعالة وانما شراكة حياة ، الزوجة لها الحق كما للزوج في تقرير الاستمرار في الشراكة او الانفصال وفصم عرى الشراكة متى ما شاءت ، وعندما ينفصم عرى هذه الشراكة في أي وقت من الاوقات ويذهب كل طرف في طريق فان كل طرف يجب ان تكون له القدرة على اعالة نفسه والاستمرار في العيش بكرامة ، ومن هذا المنطلق ينبغي اعادة النظر في مفهوم النفقة في قضايا الطلاق ، واعادة النظر في قواعد الميراث المتبعة حاليا والتي هي مستمدة وفقا للشريعة الدينية ، واعادة النظر في بعض المفاهيم ذات الصلة بقوانين الاسرة مثل مفاهيم الابوة والامومة ، ومفاهيم الجنس .
بالنسبة لمفاهيم الابوة والامومة فاننا نرى بان هذه المفاهيم لها معاني تختلف عن معاني الزواج ، فاذا كان من حق كل امرأة ان تتزوج ومن حق كل رجل ان يتزوج ، وكذلك من حق كل الانسان ذكرا كان ام انثى ان يحيا حياته بدون زواج ، فالحقيقة هي ان ليس كل امرأة تصلح ان تكون زوجة وليس كل رجل يصلح ان يكون زوجا ، كما انه ليس كل امرأة متزوجة تصلح ان تكون أما وليس كل رجل متزوج يصلح ان يكون أبا ، ومن هذا المنطلق نحن نرى ان وجود الابناء في الاسرة ليس شرطا واجب الوجود رغم اننا نؤكد على اهميته وضرورته في كيان الاسرة ، ولكن هذا يتوقف على مدى استعداد الزوج للقيام بدور الاب ومدى استعداد الزوجة للقيام بدور الام , ان تربية الابناء مسؤولية عظيمة تستلزم معرفة وثقافة في اساليب التربية والتعامل مع الاطفال والمراهقين وتتطلب بذل مجهود ضخم وصبر طويل ، التربية ليست عملية سهلة وانما هي علم وادارة وفن ، اذ ليس فخرا للمرأة ان تنجب طفلا وانما الفخر ان تصنع من الطفل إنسانا صالحا .
اما ما يتعلق بمفاهيم الجنس ، فان الثقافة السائدة في المجتمع تنظر الى الزواج على انه السبيل الوحيد الشرعي لممارس الجنس وان أي ممارسة جنسية خارج دائرة الزواج تعتبر زنا وفقا للشريعة الدينية ، ونحن ننظر الى هذه القضية من زاوية اخرى مختلفة ، اننا نفرق بين الجنس وبين الزواج ، فالجنس غريزة طبيعية ليس بوسع الانسان كبتها لذا ليس من المعقول ان نحصر ممارسة الجنس بمؤسسة الزواج فقط وكأن الغرض من الزواج هو الجنس ، الجنس ضرورة طبيعية لكل انسان ويتحتم على كل انسان بالغ ذكرا كان ام انثى ان يمارسها بشكل معقول لكي ينسجم مع متطلبات جسده وفقا لقوانين الطبيعة فيحيا حياته بشكل متوازن وطبيعي والا نجم عن الامتناع عنه ضرر على الانسان ذاته ، بينما الزواج ضرورة اجتماعية فيه مصلحة للمجتمع الا انه ليس فرضا على كل انسان ولا يترتب عليها ضرر في حالة امتناع الفرد عنه ، والانسان حر في ان يختار حياة العزوبية او الحياة الزوجية ، وان خيار العزوبية لا يسقط حق الانسان الطبيعي في ممارسة العملية الجنسية ، ومن هذا المنطلق فان ممارسة الانسان للجنس مع الجنس الاخر الذي لا يرتبط معه بعقد زواج لا يعتبر مخالفة قانونية ولكن توضع شروط لغرض منع ممارسي هذا الحق من الانحراف عن الهدف ، وهذه الشروط تتمثل في ان تكون الممارسة بالتوافق وليس بالاكراه ، وان يكون الشخصين بالغين من حيث العمر ، وان لا يكون احد الشخصين يحمل صفة متزوج لان المتزوج لا يحق له ممارسة الجنس الا مع شريكه في عقد الزواج وبخلاف ذلك يعتبر منتهكا لعقد الزواج وللنظام الاسري ، ان عقد الزواج هو وثيقة مهمة لحفظ حقوق الطرفين المتزوجين وبيان واجبات كل طرف تجاه الاخر حفاظا على النظام الاسري .
القضية الاخرى التي يشملها برنامجنا للاصلاح الاسري هو قضية تنظيم الكثافة السكانية ، ان من اهم القضايا التي تقع في صلب اهتمام الدولة ويترتب عليها مسؤوليات جسيمة هو قضية السيطرة على الكثافة السكانية لان الزيادة غير المسيطر عليها في عدد السكان يترتب عليها زيادة في الاحتياجات والمطالب بشكل كبير وخارج نطاق السيطرة مما يصيب الدولة بالعجز عن تلبية هذه الاحتياجات والمتطلبات ، فتفشل الدولة وينهار النظام الاجتماعي ، ولكي تتمكن الدولة بصفتها رب الشعب من الايفاء بالتزاماتها تجاه الشعب وتصون النظام الاجتماعي فانها مطالبة بسن القوانين التي تنظم الكثافة السكانية للمجتمع حفاظا على الاستقرار الاجتماعي ، وان ترك قضية الكثافة السكانية من غير تنظيم وتخطيط يؤدي الى ضياع جهد الدولة في عملية تنمية المجتمع وجعلها عاجزة عن الايفاء بالتزاماتها ، اننا نعلم ان الدعوة الى وضع قوانين لتنظيم الاسرة وتنظيم الكثافة السكانية ستواجه اعتراضا من الكثيرين لانها تعني ايقاف الزيادة في السكان او ابطاء نموها من خلال تحديد النسل ، ويترتب على تنظيم الكثافة السكانية اجراءات مثل استخدام موانع الحمل والسماح بالاجهاض ، وان مثل هذه الاجراءات تصطدم بالمعتقدات الدينية وتصطدم بالمفاهيم العشائرية والاعراف ، وكذلك تصطدم برغبات السياسيين في المجتمعات التي تعتمد مبدأ المحاصصة الدينية والطائفية والقومية والعشائرية في السلطة السياسية ، حيث ان مبدأ (الاغلبية هي التي تقرر ) والتي تعني المزيد من الاصوات اي المزيد من البشر ، مثل هذه الامور تخلق المصاعب امام تنفيذ قوانين تنظيم الكثافة السكانية ، وهذا ما يجعلنا نؤمن بان المحاصصة السياسية وفقا للانتماءات الدينية والمذهبية وكذلك المفاهيم العشائرية وقيمها هي من العوامل الضارة بالنظام الاجتماعي .
انتهى الجزء الاول ، ويتبع الجزء الثاني والاخير