في نفي دونية المرأة – 3 – وراثة معامل الطاقة في الخلية البشرية



نضال الربضي
2014 / 5 / 8

في نفي دونية المرأة – 3 – وراثة معامل الطاقة في الخلية البشرية

قدمت ُ حلقتين سابقتين في الحديث عن المرأة بيولوجياً لإبراز الحقائق العلمية المتعلقة بتكوينها و تطابقه مع التكوين البيولوجي للذكر و الارتباط بينهما كجندرين يحددان النوع البشري المصنف تحت Homo Sapiens و يمكن العودة لهما من خلال الرابطين في أسفل هذا المقال. و أودُ أن أستكمل الحديث لأستفيض في تقديم ِ ما يؤكد حيوية دورها في التكوين البيولوجي و ما يستتبعه من وظائفَ يستحيل أن يستمر النوع بدونها، من خلال الحديث عن معامل الطاقة في الجسم البشري و المعروفة باسم الميتوكندريا.

الميتوكندريا كلمة من الأصل اليوناني الجامع لكلمتي 1. ميتوس أي خيط، و 2. كوندريون بمعنى جُزيئ صغير، للتبسيط يكون اسمها (بترجمتي غير الرسمية) "الجُزيئ الخيطي"، و لو قمتم بجوجلة اسمها (أي استخدام Google) لمشاهدة صورتها سيظهر أمامكم لم تم تسميتها بهذا الاسم. تعمل الميتوكندريا في الخلية على إنتاج الطاقة المطلوبة للقيام بالعمليات الحيوية، بالإضافة إلى دورها الرئيسي في تنظيم الأيض و علاقتها بحيوية (بالتالي شيخوخة و موت) الخلية و دورة حياتها.

وجود الميتوكندريا في الخلية فريد، فهي تحتوي المادة الورائية DNA الخاصة بها، و المُنفصلة عن DNA الخلية نفسه، و التي يُعتقد أنها تعود لأصول بكتيرية قد تم في الأزمنة التطورية السحيقة استيعابها داخل الخلية البشرية، كما أنها تستخدم طريقة الانقسام الثنائي Binary Fission و المشابهة لتلك المُستخدمة بواسطة البكتيريا. و هي بالإضافة إلى كل وظائفها السابقة لها خاصية فريدة تُعدُّ العامل الرئيسي في عملية تتبــّـُع الأصول الجينية للتجمعات البشرية و السكان.

ما هي هذه الخاصية الفريدة؟

إن الميتوكندريا في الإنسان تُورَّث عن طريق الأم فقط، فكل واحد ٍ فينا يرث الميتوكندريا من أمه لا من أبيه، حيث لا يستطيع الأب توريثها، فالميتوكندريا في الحيوان المنوي الذكري تتواجد عند نهاية الذيل، و الذي في مرات ٍ كثيرة يخسره الحيوان المنوي قبل دخوله البويضة لتلقيحها، و الأغرب من هذا أنه حتى حينما يدخل البويضة حاملا ً الميتوكندريا الذكرية يتم وضع علامة بروتينية عليه بواسطة البروتين التنظيمي المعروف باسم Ubiquitin ليتم تدمير هذه الميتوكندريا الذكرية فيما بعد. أي أن الطبيعة َ طورت هذه العملية َ ليرث الإنسان معامل الطاقة و التنظيم من أمّـِه ليبقى مدينا ً لها طول الحياة بكل عمل ٍ يصنعه!

تفيد الأبحاث اليوم أن كل البشر الحالين يحملون ميتوكندريا أم واحدة تم تسميتها بـ Mitochondrial Eve و هي الأنثى التي استطاعت توريث الميتوكندريا الخاصة بها لأجيال ٍ نجحت في البقاء ِ حسب قانون الانتخاب الطبيعي لتتكاثر و تعمــّـِر الكوكب حتى يومنا هذا. و قد سميت بـ Eve أي حواء تيمنا ً بالقصة التوراتية دون أن يعني هذا إطلاقا ً صحة هذه القصة أو يكون للتسمية شأن ٌ في تأكيد قناعات ٍ دينية، فالأبحاث تخبرنا عن وجود إناث أخريات كثيرات قبل هذه الحواء، و إناث معاصرات لها، و عن وجود أجيال من سلالات هذه الإناث لكنها لم تستطع أن تحافظ على إنجاب إناث ٍ بدون انقطاع في السلالة، بمعنى أن جيلاً على الأقل أو أكثر من أجيالها كانت كلها ذكورا ً مما عنى فقدان هذه الأجيال لقدرتها على توريث ميتوكندريا الأم، بينما كانت أجيال حوائنا هذه متصلة ً بتنوع في الذكور و الإناث، و هذه كلها تفاعلات ضمن التطور البيولوجي و قوانين الانتخاب الطبيعي و التوريث، و هذه في الحقيقة مادة لمقال ٍ آخر، حتى لا نتشعب، لكني أورده للأمانة العلمية لا أكثر و لا أقل.

عاشت حواء الطاقة هذه في زمن ٍ يعودُ إلى ما قبل مئة ٍ إلى مئة و خمسين ألف عام، ووجودها يدعم ُ نظرية نشوء الجنس البشري الحالي و انتشاره من قارة إفريقيا، دون أن ينفي وجود نظريات ٍ أخرى، مثل نظرية الخروج من آسيا، أو نظرية النشوء المتوازي، مع بقاء نظرية الخروج من إفريقيا الأكثر قبولا ً اليوم. كما أن حواءنا هذه هي القاسم المشترك الأموي لجميع البشر، و لكنها ليست القاسم البشري المشترك، فنحن نشترك في قواسم أخرى مثل وجود آدم الكروموسوي، و الذي بالمناسبة لم يكن آدم الوحيد و لم يعش مع حوائنا، أي بعبارة ٍ أخرى، كان تطورنا قصة ً رائعة ً من تدفق أنهار الجينات و تفاعلها بقوانين البيولوجيا.

ماذا يجب أن نقول حسبما نرى علميا ً؟

لم يكن الرجل يوما ً من الأيام بأفضل من المرأة أو أكثر تطورا ً، و لم تكن المرأة ُ كذلك. إن الرجل و المرأة هما جنس ٌ واحد ٌ يتبع تصنيفا ً علميا ً واحداً، و يتكامل جسد الواحد منهما من عملية ِ تكوين ٍ مشتركة تقدم فيها الأم 23 كروموسوم، و يقدم فيها الأب 23 مثلها بالضبط، و تتحكم الأنثى في توريث الميتوكندريا بشكل ٍ حصري، بينما يتحكم الذكر بتوريث الجندر، و تتفعل جينات ٌ من الأم و يتم تحيد أخرى، و تتفعل ُ جينات ٌ من الأب و تتحيد أخرى، لكن الأم هي التي تحمل الطفل و تعطيه من جسدها، و من نفسها و من حنانها، و ترتبط به لا جسديا ً فقط مثل الأب، لكن نفسيا ً و روحياً فينبض قلبها بحبه مجانا ً دون مصلحة، و تحمله طوال أيام حياتها حتى بعد ولادته.

تستحق المرأة احتراما ً خاصا ً نابعا ً من طبيعتها الأمومية و من رقة طباعها المجبولة على العدالة و المرتبطة بالنوع البشري خارج معاير المنافسة و العنف و الاقتتال الذكوري، و هي اليوم تُظلم ُ في جسدها من جهلاء يخطؤون فهم العلم و يبحثون فيه عن فتافيت يجردونه من معناه و محتواه ليقذفوا بقشرته الفارغة في وجه المرأة حتى تقتنتع بدونية ٍ كاذبة، ظالمة، غير حقيقية، من كائنات ٍ لا تريد أن تفهم أن العلم قد قال كلمته، أن العقل قد قال كلمته، و أن الإنسانية قد قالت كلمتها، و أنهم ما زالوا يجترون تفاهات ٍ مُقزِّزة يستخسر ٌ فيها كل ُّ ذي عقل ٍ أو قلب نقرات لوحة المفاتيح التي أتت بحروفها و التي لولا معامل الطاقة ِ في خلاياهم و التي ورثوها من أمهاتهم ما كانوا ليستطيعوا نقرها، فواعجبي!

ندين ُ للمرأة أننا نرى فيها الحب، و نتعلم منها الحب، و قد قال العملاق الراحل نزار قباني: علمني حبك، أسوأ عادة! أما أنا فأقول بل شربنا حبها أحلى شراب ٍ فصار أروع عادة!

أترككم مع كاظم الساهر من شعر نزار قباني
http://www.youtube.com/watch?v=S_XdS5I1QyM


____________________________
لمزيد من القراءة:

في نفي دونية المرأة – بين داروين و العلم الحديث
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=401448

في نفي دونية المرأة – التكاثر الجنسي كخيار الطبيعة
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=401929