فلينزع الحجاب... هل حقا الحجاب مرارة؟!



حسين محمود التلاوي
2014 / 5 / 9

لو كانت هناك 5 نقاط اتفاق بين المعارضين للإسلام، لكان الحجاب من بين نقاط الاتفاق بين هذه النقاط. ولو كانت هناك 3 نقاط فقط، لكان الحجاب أيضًا من بينها. ولو كانت هناك نقطة واحدة، فهناك احتمال كبير أن تكون هذه النقطة هي الحجاب!
لا أقول مثل هذا الكلام افتراءً أو افتئاتًا، ولكنه انطلاقًا من معطيات حقيقية ملموسة على أرض الواقع. ويأتي كتاب "فلينزع الحجاب" للإيرانية "شاهدورت جافان" شاهدًا على تلك النظرة للحجاب باعتباره وسيلة من وسائل استعباد المرأة واعتبارها كائنًا حيويًّا قذرًا، إلى جانب كونه دلالة على الانغلاق والجمود اللذين يطبعان عالم النساء في العالم العربي والعالم الإسلامي بشكل عام.
ولكي لا يكون الحديث مطلقا بدون أدلة، سوف ألقي الضوء في الأسطر القادمة على هذا الكتاب باعتباره نموذجًا على النظرة المعارضة للحجاب والإسلام بشكل عام، وإن كان لا يمثل كل ألوان الطيف في الاتجاه الرافض للإسلام والمعارض له والذي يصل ببعض مكوناته إلى اعتبار الإسلام تهديدًا للحضارة الإنسانية!!
ولكنني قبل أن أبدأ، أود أن أنبه إلى أن هذا المقال ليس دفاعًا عن الإسلام بقدر ما هو محاولة لتوضيح تهافت منطق الكتاب وصاحبة الكتاب. هذا المقال ليس دفاعًا عن الإسلام؛ ففي هذا الدين ما يكفيه للدفاع عن نفسه بنفسه، وأعلم أن الكثير من الانتقادات سوف تأتي باعتباري أروج لتعاليم جاهلية وما إلى ذلك. ولكن، ليقل ما يريد أن يقول كل ما يريد أن يقول... ففي هذا المقال ما يرد عن كل ما سيقال، من قبل أن يقال!! لذا، من يريد أن يقول شيئًا، لينتظر إلى نهاية المقال، وبعدها ليقرر ما إذا كان بالفعل لا يزال يريد أن يقول ما يريد أم لا.

فلينزع الحجاب...!
أقل من 50 صفحة هو عدد صفحات متن الطبعة العربية من كتاب "فلينزع الحجاب" للناشطة الإيرانية المقيمة في فرنسا "شاهدورت جافان"، وهذا العدد يأتي استنادًا إلى النسخة الصادرة عن دار بترا في سوريا طبعة عام 2003 والتي جاءت برعاية وإشراف رابطة العقلانيين العرب، كما توضح الصفحات الداخلية لهذه الطبعة. والكتاب على قلة عدد صفحاته يتناول العديد من النقاط التي سوف أسردها في البداية من دون تدخل، ثم أحاول بعد ذلك تقديم ما يشبه النقد لها قدر المستطاع. فما هي تلك النقاط؟!
في البداية، تنقل لنا الكاتبة الأجواء التي أحاطت بالثورة الإيرانية التي قامت عام 1979، وينقل لنا قلم الكاتبة إحساسها الصريح بأن الثورة جاءت وبالًا على الإيرانيين بخاصة لرفعها الإسلام شعارًا لها، وتوضح بعد ذلك الحالة المأسوية التي تعيشها الإيرانيات في ظل الحجاب، وتنتقد المفكرين الفرنسيين الذين يدافعون عن الحق في ارتداء الحجاب؛ حيث تقول إنهم يدافعون عما يكرس تخلف المرأة.
بعد ذلك، تنتقل الكاتبة لنقطة شديدة الأهمية في تفكيرها وهي رؤية الحجاب باعتباره دليلًا على أن الإسلام ينظر إلى المرأة نظرة الكائن الممتلئ بالشهوة الدافع للخطيئة، وبالتالي يجب ستره وحجبه عن الأنظار من خلال الحجاب، وهي تؤكد أن هذه النظرة دونية للغاية، وتعتبر المرأة مجرد كائن مخصص للمتاع فقط، وبالتالي يجب حجبه عن غير صاحب الملكية وهو الزوج.
من هذا تقفز الكاتبة بعد ذلك إلى تعداد المشكلات التي تتعرض لها المرأة في العالم الإسلامي ككل بسبب رفع الإسلام شعارًا محملة إياه كل المسئولية عن أية مفاسد أو أزمات تعيشها المرأة في تلك الأصقاع. وتختتم الكاتبة هجومها المباشر على الإسلام والحجاب بالدعوة الصريحة إلى عدم السماح بالحجاب في فرنسا، وكذلك إلى العمل على حماية المرأة من الوقوع ضحية ما أسمته "التبشير الإسلامي".
إلى هنا ينتهي عرض ما ذكرته الكاتبة عن الإسلام والحجاب والمأساة التي تعيشها المرأة في المجتمعات الإسلامية. فما تعقيبي على الأمر؟

أخطاء ومناورات!!
وقعت الكاتبة في العديد من الأخطاء فيما يتعلق بتعاليم الإسلام بشكل عام، وفيما يخص رؤية الإسلام للمرأة بشكل خاص. كما أنها وقعت في خطأ عند التعامل مع وضعية المرأة في العالم الإسلامي، إلى جانب رؤيتها التي يمكن وصفها بـ"المشوشة" للمثقفين المسلمين. ما كل هذه الاتهامات؟ لنتابع فيما يلي.
في الصفحة الخامسة من الطبعة المذكورة تقول الكاتبة: "كنت تلميذة مجتهدة. مَرَّ عليّ زمن كان باستطاعتي أن أصبح إمامًا أو آية الله، لو وجد مكان للنساء في هذه الأمور". حسنًا، لكن هذا يتناقض مع ما ذكرته الكاتبة في الصفحة العشرين من أن "الجنة تحت أقدام الأمهات" هي من القرآن الكريم!! كيف يتفق أنها كانت تلميذة مجتهدة مع هذا الخلط الفادح باعتبار أحد الأحاديث النبوية آية قرآنية؟! هذا يثير الشكوك حول مدى حقيقية — أو لنقل بأخف الألفاظ "عمق" — دراسة مؤلفة الكتاب لدين الإسلام بعيدًا عن ممارسات وتطبيقات الأفراد له.
يمكن للبعض التقليل من هذه النقطة بالقول إن فترة طويلة مرت على الكاتبة منذ تركها الإسلام وبالتالي يمكن أن تتداخل الحقائق لديها. حسنًا، الرد بسيط وهو أن الراغب في انتقاد شيء بهذا العنف، لا بد أن يكون قد درسه جيدًا حتى يتوصل إلى أنه دين فاسد لا يصح اعتناقه. فهل تتفق هذه الدراسة الجيدة المفترضة مع اعتبار حديث نبوي شريف آيةً قرآنية؟! لا أعتقد أن المرء يمكن أن يجيب بنعم على هذا السؤال بقلب مطمئن!
ونبقى في الجزئية نفسها؛ حيث لا تحاول الكاتب بأية طريقة من الطرق أن تسير وراء دلالة هذا الحديث (الذي اعتبرته آية قرآنية بمعنى أنها وضعته في منزلة أعلى بكثير من منزلة الحديث)، ولا تشير إلى القدر الكبير للمرأة في الإسلام، ولكنها تنطلق لاتهام الإسلام بأنه يعامل المرأة مثل الرجل في مسألة الممارسة الجنسية في الجنة؛ حيث لم جعل للرجال حورا عينا، بينما لم يجعل للنساء ما يوازي. وهذا مردود عليه بالقول إن هناك الكثير من الأحاديث النبوية الصحيحة التي تشير إلى أن المرأة لها من المتع مثلما للرجل، فعلى سبيل المثال، هناك من الأحاديث ما يشير إلى أن الجنة لا يدخلها أعزب؛ واللفظ هنا شامل المذكر والمؤنث؛ أي أن المرأة غير المتزوجة سوف يكون لها زوج، وغير ذلك من الأحاديث التي توضح موقف المرأة من هذه الجزئية كالمرأة التي مات عنها زوجها أو تلك التي لم يدخل زوجها الجنة ودخلت هي.
إذن، تغفل الكاتبة كل ذلك... عن جهل؟! إذن، هي ليست بالعلم الذي يمكنها من أن تنتقد الإسلام بطريقة موضوعية. أم أنها تغفله عن علم؟! وهو ما يعني أنها مأجورة، أو لا تهدف فقط لمصلحة المرأة!! أود تفسيرًا منها وعلى استعداد لمراسلتها للتحري عن هذه النقطة!!

المثقفون المسلمون
بالإضافة إلى الأخطاء التي وقعت فيها المؤلفة، والتي ذكرنا بعضها في الفقرة السابقة، قامت الكاتبة أيضًا ببعض المناورات، ومن بينها كما قلنا عدم ذكرها للمكافئ للحور العين لدى المرأة. كذلك وقعت الكاتبة في مناورة أخرى عندما رفضت الاعتراف بما أطلقت عليه "المثقفين المسلمين"!
تقول الكاتبة إن المثقفين المسلمين يدعون الآخرين إلى فهم الإسلام كما يفهمه المسلمون لا كما يفهمه غير المسلمين؛ بالنظر إلى أن من يعتنق الإسلام يفهمه بشكل أفضل وأكثر اتساقًا ممن لا يتعنقه؛ تقول الكاتبة إن هذا الطرح غير صحيح، وإن الإسلام من الخارج كما هو من الداخل. بالتالي، يمكن نقد الإسلام من الخارج أيضًا، وتطلب عدم الاستجابة لدعوة المثقفين المسلمين للتعرف على الإسلام، في مصادرة صريحة للفكر ورفض تام للنقاش الحر. هي نفسها الكاتبة تقدم نموذجًا معارضًا لما تقول بعدم إدراكها الفارق بين الحديث النبوي والآية القرآنية، وكذلك بعدم إدراكها للأحاديث التي تنص على ما يكافئ الحور العين للمرأة. هذه الأمور يعرفها المسلم، ولا يعرفها غير المسلم. إذن، سيكون من الجيد أن يتاح المجال للمثقفين المسلمين لكي يعبروا عن الإسلام كما هو حقيقةً لا كما يراه الآخرون من الخارج.
كذلك تقع الكاتبة في فخ التعميم، عندما تشير إلى أن حال المرأة الإيرانية هو تمامًا حال المرأة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي. هل اطلعت الكاتبة على أوضاع المرأة في مختلف بلدان العالم الإسلامي؟ لا أحد ينكر أن المرأة تعاني الكثير من الإذلال والممارسات الدونية في مختلف دول العالم الإسلامي، ولكن هذه الممارسات تتعلق بأوضاع اجتماعية أكثر مما تعلق بتعاليم الدين الإسلامي نفسه. ما يؤكد ذلك أن هناك اكثير من المجتمعات غير المسلمة تتبع الممارسات القمعية نفسها إزاء النساء، مما يعني أن هذه الممارسات هي مجتمعية بالأساس وغير مرتبطة بدين دون آخر.
كذلك لم تشر المؤلفة إلى المكتسبات التي حققتها المرأة في العديد من الدول الإسلامية، بخاصة في مصر وبنجلاديش، التي تتنافس على زعامتها امرأتان هما خالدة ضياء وحسينة واجد منذ عقدين من الزمن. لم تشر المؤلفة إلى أن المرأة المصرية قدمت الكثير من الإبداعات في عالم الأدب والمجالات العملية في إطار المظلة الإسلامية.

اختصارًا، هو كتاب صادر عن نفسية مشوشة جراء الممارسات القمعية للدولة الإيرانية التي تستخدم الإسلام الشيعي غطاءً لحشد القومية الفارسية في مواجهة العرب السنة، وبالتالي تمارس الكثير من القمع والتشدد لحشد كافة قوى الشعب الإيراني وعدم السماح لأية معارضة بكسر سيطرتها عليه في سبيل السعي لإحياء الامبراطورية الفارسية التي انهارت على يد المسلمين، والوسيلة التي يتبعها الإيرانيون في ذلك هي نشر المذهب الشيعي في مواجهة العرب السنة. وهناك الكثير من التصريحات على ألسنة مسئولين إيرانيين توضح ذلك ومن بينهم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، الذي صرح ذات مرة بأن الإيرانيين الذين التفوا حول الإمام الراحل الخميني هم أفضل من الصحابة الذين التفوا حول الرسول عليه الصلاة والسلام عند بناء الدولة الإسلامية!!
هناك الكثير مما يمكن قوله انتقادًا لهذا الكتاب، ولكن المقام أضيق من أن يتحملها. ولكن ككلمة للختام، أقول إن هذا الكتاب صادر عن تشوش النفسية الناجم عن هذه الممارسات السياسية الفاشية التي تتغطى فقط بالدين الإسلامي لإحياء نعرات قومية. ولكن هل صادر عن علم حقيقي؟! أترك لكم الحكم على ذلك من خلال تفنيد الانتقادات التي وجهتها إلى الجانب العلمي في كتاب "جافان" التي نزعت الحجاب، من دون أن تدرك مفهوم الحجاب!!