الحجاب هو حجاب على العقل !!!



رمضان عيسى
2014 / 5 / 10

أنا أعمل في الجهاز الصحي ومن خلال تجربتي أرى أن الحجاب الذي يغطي الوجه عند التي تعمل كمعلمة أوممرضة أو طبيبة أو مساعدة صحية أو فنية أشعة يعيق عملها المهني ، ويشوه علاقاتها العادية والاٍنسانية بالمرضى وزملائها ، فالبسمة لها مدلولاتها على المرضى وتعبيرات الوجه لها مدلولاتها في التعبير سواء بالرفض أو بالاٍيجاب أو الاٍستنكار ، وغطاء الوجه يولد الاْنعزالية ويدفع الفتاة الى عدم المشاركة في حفلات وداع الزملاء المغادرين أو استقبال الزملاء الجدد ، مما يؤدي الى عدم اكتساب الخبرات المهنية والاٍجتماعية وإرساء علاقات اجتماعية راقية حتى بين زملاء المهنة الواحدة .
ان حجاب المرأة يحمل بين ثنايا مؤثراته تعميق السلوك الانعزالي وتكريس عدم تنمية التفكير بطريقة طبيعية ومتوازنة اجتماعيا ومهنيا ويبقى العقل محصورا في التحجب وهذا حلال وهذا حرام ، وبهذا يصبح الحجاب بهذا الفهم والتطبيق ، حجابا على العقل والتفكير السليم وتصبح المرأة كائنا سلبيا في المجتمع ولا تستطيع أن تقوم بواجبها كمعلمة أو مربية و تعليم النشء الجديد التعليم الذي يدفعه اٍلى التفاعل الاٍيجابي مع المجتمع ، وذلك لأن المجتمع ينظر اليها ككائن سلبي وغير متفاعل فكيف تعلم الجيل التفاعل والاٍيجابية .
وبالحجاب فاٍن الفتاة تزيد من عزلتها النفسية والاجتماعية والمعرفية ، والفائدة من النقاب ضعيفة إن لم تكن معدومة ، والنقاب يعدم امكانية تنمية شخصية المرأة ويساعد على تقزيم تفاعلها الاجتماعي واستيعابها العلمي ، بل ويجعلها ذات بُعد واحد ومشوه للحياة والعصر والمجتمع . ولو تصورنا حياة جميع النساء ، أي نصف المجتمع بالحجاب ، بالقناع ، كأن المجتمع يقتل نصف المواليد تحت دعاوي لا تخص الحياة على الأرض بل بسبب خوف من عقابات نابعة من ميثولوجيا شعبية قديمة ارتدت صفة القداسة ، بأن المرأة هي الخطيئة ، وهي مركز الغواية ومصدر الخطيئة .
إن الدعوة الى تحجيب المرأة تحمل في طياتها تأنيث المؤسسات التي من الممكن أن تعمل بها المرأة ، وبهذا لا يتم فقط العزل الاجتماعي بين الجنسين بل النفسي والفكري ، ونشوء تصور مغلوط لكل جنس عن الآخر ، ليس في الشارع ، بل وفي المعايشة الأسرية أيضا .
وبهذا تكون مقولة المرأة نصف المجتمع مقولة كاذبة في التطبيق ، أُنظر وضع المرأة في ليبيا وموريتانيا واليمن والصومال وعُمان وأفغانستان وباكستان والسعودية ودول الخليج والسودان ، انها لن تزيد عن وعاء لإنتاج الوَرَثه ، وأداة للمتعة ، وإذا لم تستطع القيام بهذه المهمة بسبب جسدي فممكن التخلي عنها بالطلاق وقذفها بلا حقوق الى مصيرها المجهول .
فالحجاب عادة وليست عبادة ، فلم نرى أي نص قرآني على ضرورة حجاب المرأة بهذا الشكل ، ولو طرحنا فكرة ما المقصود بالحجاب على عشرة من دعاة الاسلام لوجدنا صعوبة في التوفيق بينهم في فهمهم لمعنى الحجاب ، فمنهم من يربط فكرة الحجاب بالحرائر ، ويرفضه على غيرهن من النساء – وهذا المفهوم غير موجود في زماننا ، فليس هناك حرائر ولا إماء – ومنهم من يقصد بالحجاب غطاء الصدر ، ومنهم من يرى فيه غطاء للصدر والرأس ، ومنهم من يزيد ليشمل الوجه ، أي البرقع – ومنهم من يزيد ليشمل اليدين والقدمين ، ومنهم من يقصد اختفاء المرأة تحت عباءة فضفاضة وبعين واحدة . وكل داعية يتهم الآخر بعدم التعمق بفهم معنى الحجاب ، وقد يصل الاتهام الى التكفير .
ماذا يعني هذا ؟ ان هذا يعني أن الاسلام " حمال أوجه " ، وليس لديه مقياس موحد للحقيقة ، فنرى التميع الشديد في تعريف الحجاب ليس بين الدعاة ، بل في الأسرة الواحدة .
إن الدعوة الى حجاب المرأة تحمل في ثناياها تجاهل التطور الاجتماعي والاقتصادي والمعيشي الذي يتطلب مشاركة جميع أفراد المجتمع – بما فيها المرأة - في العمل والانتاج الاجتماعي .
وما دامت المرأة أُم و"مدرسة إذا أعددتها ، أعددت شعباً طيب الأعراق " ، فلنهيء لها المجال لتتعلم كيف تربي الجيل الجديد معنى الحياة معنى التفاعل ، معنى الابداع .
هناك من يقول أن الاسلام لم يقصد بالحجاب ، حجب المرأة عن العمل والمشاركة في بناء الوطن وممارسة حقها في القول والفعل ، وكي نرد عليه نقول : انظر ماذا يقول بعض دعاة الاسلام ، وعليك أن تستنتج ماذا سيكون أثر هذا في التطبيق :
إليك ما يقوله ممثلو الاسلام السياسي عن حرمان المرأة حقها في الانتخاب ، فقد جاء في ( مجلة الإخوان المسلمين – 5 يوليو 1947) : " يعتبر منح المرأة حق الانتخاب ثورة - أي خطأ وتمرد - علي الإسلام وثورة علي الإنسانية، وكذلك يعتبر انتخاب المرأة ثورة علي الإنسانية بنوعيها لمناقضته ما يجب أن تكون عليه المرأة بحسب تكوينها ومرتبتها في الوجود، فانتخاب المرأة سبة في النساء ونقص ترمي به المرأة ".
أما رأي الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 فهو مدون في " حديث الثلاثاء "، يقول : " ما يريده دعاة التفرنج وأصحاب الهوي من حقوق الانتخاب والاشتغال بالمحاماة مردود عليهم بأن الرجال، وهم أكمل عقلا من النساء، لم يحسنوا أداء هذا الحق، فكيف بالنساء وهن ناقصات عقل ودين؟!"
إن هذا لا يعني ارتداء حجاب بل يعني عزل المرأة عن كامل النشاط الاجتماعي والانتاجي ، وأنها لا تملك الأهلية العقلية ، فقط هي مؤهلة لتكون وعاء لتكثير العشيرة ، ومن يملئون البيت ولا مستقبل لهم ، ففي المجتمعات الاسلامية كل دقيقة يولد جاهل .
ان هذه الآراء تغلق المنافذ أمام كل الدعوات لتحرير المرأة لكي تحصل على حقوقها كإنسانه .
وما يثير العجب أحيانا من أننا نرى قبول للمرأة المسلمة بوضعها العبودي وذلك يعود ليس الى العادات والتقاليد الصحراوية ، بل أيضا الى الميراث المقدس والمعتقد الديني الذي تتشربه الفتاة من الأسرة والمجتمع الذي يرسم لها طريق الحياة منذ ولادتها الى مماتها حيث يجري تزييف ممنهج لوعيها ، فنجدها تسخر من مفاهيم مثل الحرية وحقوق الانسان والوعي والتعليم . ذلك لأن ممثلي التراث المقدس ينشرون هذه المفاهيم للأجيال الجديدة بطريقة مشوهة .
لهذا نجد المرأة المسلمة تنظر الى نفسها ليس كإنسانة مثل باقي نساء العالم ، بل تضع نفسها في موقع وكأنها يجب أن تختلف عن باقي نساء العالم ولا تتشبه بهن ، ويجري التركيز في الاختلافات على الشكل ، والمظهر ، واظهار الحرية على أنها التقليد الشكلي للمرأة في الغرب .
ان هذا الفهم شكلي للتحرر وتشويه للجوهر والسلوك الواعي الهادف للحرية ، وهي بهذا نراها ترفض شكل المرأة المتبرجة ، المسترجلة ، فهي لا تطمح للتحرر بهذا الشكل ، وبهذا لا يمكن للمرأة في الاسلام أن تعي معنى الحرية بالمعنى الاقتصادي والاجتماعي والنفسي .
فهي بمستواها الفكري والنفسي تقبل أن تكون ربع انسانة ، أي لها ثلاثة ضراير، وتقبل أن تكون وعاء للولادة ، وتقبل أن تكون ناقصة عقل ودين ، وتقبل أن تبقى في قفص الرجل والمجتمع دنيا وآخرة ، وتقبل أن تكون نكرة وعاجزة عن أن تدبر شئونها بنفسها ، فهي بهذا كالعصفور الذي ولد في القفص ، ويقدم له الطعام والشراب في القفص ، وكل حركته وعالمه لا يخرج عن أسوار القفص . فاذا ما أخرجته من القفص عاد اليه وأصر على العودة ، وذلك لأن ليس لديه فكرة عن الحياة والحرية خارج القفص .
ان السبب الأساسي في وضع المرأة المسلمة هذا يعود الى أن تفكيرها لا زال لم ينفصل عن المجتمعات الصحراوية والزراعية ومستوى الوعي في هذه المجتمعات الذي لا يسمح للمرأة الخروج من قفص التراث والميراث المقدس .
أما في المجتمعات الصناعية فهناك قيمة للزمن وللانسان وحقه في العمل ، فإن الحاجة الى عمل جميع أفراد المجتمع تستدعي نشر التعليم وفتح المدارس والجامعات ، لأن التطوير والتنمية تحتاج لجهد الجميع ، جميع أفراد المجتمع من الجنسين ، فالجميع يجب أن يتعلم ، وأن يعمل ويشارك في الانتاج وزيادة الدخل الوطني .
وبهذا فان المرأة في المجتمعات الصناعية تأخذ حظها من التعليم والحق في العمل وفق مستواها الأكاديمي ، ووفق مواهبها وإبداعاتها في كل المجالات الانتاجية أو الأكاديمية أو الفنية .
ان هذا يمنحها الشعور بمكانتها كإنسانة ايجابية منتجة لها دورها في البناء الاقتصادي والاجتماعي . كما أن وعيها لهذه المكانة تجعلها تشارك في صنع القرار الاجتماعي والسياسي . وقد أثبتت المرأة أنها تستطيع أن تتبوأ أعلى المناصب سواء في الجامعات أو في السلك الدبلوماسي أو الدولة .
إن وضع المرأة وعملها ومشاركتها والطريقة التي يتم التعامل معها بها هي من العلائم الأساسية التي تدل على رقي المجتمع وتحضره .
أخيرا لو عرفت المرأة المسلمة معنى الحرية الحقيقي وتهيء لها هذا الوعي لناضلت بأسنانها وأظافرها من أجل حريتها وأهليتها أن تكون مسئولة عن نفسها ، وأن لا تكون ربع انسانة وناقصة عقل ودين .