يوميات مثقف عراقي .. الجزء الثاني .. المرأة العراقية والوهم الكبير



عماد البابلي
2005 / 7 / 20

في البداية أرحب بكم في حلقة أخرى من يوميات مثقف عراقي .. هذا اليوم ستناول واقع المرأة في العراق ، على الرغم من تشابه واقعها مع أخواتها في الدول العربية ولكنها الأسوأ حالا على حد ما أعتقد .. كيف ؟؟
لن أتحث بالنظريات كما يفعل المئات من المفكرين حولي الذي لم يقدموا حل عملي لمشكلة تاريخية عمرها مئات السنين ، مشكلة تتعلق بتخلف المرأة العربية والعراقية طبعاً .. المفكرين المدافعين عن حقوق المرأة ينتمون لأعشاش اليسار العلماني .. اليسار العلماني تناول قضية المرأة كورقة مناورة ضد اليمين الإسلامي والعشائري ، ورقة كانت مفيدة جدا في التلاعب بأعصاب الكتلة المعاكسة لارتباط هذه القضية بواقع اجتماعي - ديني معقد جعل من رؤوس العشيرة ورجال الدين يتحالفون في هذه القضية ضد اليسار العلماني .. على الرغم من كل الخلافات بين شيوخ العشائر ورجال الدين في العراق وخصوصا فيما يتعلق في بعض لأحكام التشريعية التي تتعلق بالدية ومرجعية شيخ العشيرة مثلا ..
لن أتحدث عن قضية المرأة من جانب تنظيري مجرد ولكن سأتناول شواهد واقعية عملية مررت بها هنا وهناك وخصوصا وأنا أعيش في جنوب العراق .. جنوب العراق الذي يمثل عينة رائعة لحقوق المرأة !!
الشاهد الأول :
السيدة ( A ) متزوجة من خمس سنين لم تنجب أطفال منذ ذلك الوقت وكل الأطباء أكدوا على سلامتها وفعالية جهازها التناسلي ولكن صاحب الجلالة الزوج المحترم لم يذهب إلى أي طبيب ، من باب هو الرجل .. بقت تلك السيدة محتارة وخصوصا من كلام الناس وكلام أم زوجها ، وبصراحة أكثر قبل أسبوعين سمعت بأن السيدة ( A ) انتحرت بحرق نفسها في الحمام وذلك لأن زوجها قرر الزواج بأخرى !!؟؟؟
الشاهد الثاني :
السيد ( F ) أب لثلاث بنات وهو أرستقراطي ميسور الحال ، هذا السيد رفض في أن تكمل بناته للدراسة وبقن فقط على الابتدائية .. بعد سقوط بغداد بدأت الأحزاب الدينية ممارسة أنشطتها بحرية ، ومن تلك الأنشطة إنشاء مؤسسات دينية نسوية تهتم بتثقيف المرأة دينيا ، إحدى بنات السيد ( F ) دخلت لتلك الحوزة الدينية بمباركة من الأب الفاضل ، وبعد حوالي أربعة أشهر تورطت تلك المرأة في علاقات مشبوهة بما يعرف بــ ( زواج المتعة ) مع أحد رجال الدين بمباركة الرسول محمد وكل ملائكة السماء..هذه الحكاية روتها لي الأخت الصغرى ذات يوم عن .زواج المتعة وكيف يستغل جسد المرأة فيه أبشع استغلال !!
الشاهد الثالث :
هذه المرة شاهدنا من عمق الريف العراقي ، ذات صباح وأنا أمارس عملي في المستشفى جاءت ثلاث نساء إحداهن تبدوا قصيرة القامة بشكل ملحوظ مع تشوهات خلقية أخرى وعند اقترابها أكثر عرفت أنها خرساء أيضاً .. بعد خروجهن من غرفة السونار جاء السيد ( G ) الذي يعمل في الطبابة العدلية لكي يستقبل النسوة بابتسامة رائعة .. عرفت بعدها القصة : المرأة المعاقة كانت حامل بعد فحص السونار بصورة غير شرعية والفاعل معروف في القرية وهو رجل عجوز ، لا أحد طالب بأي حق قانوني أو حتى عشائري لتلك الفتاة لأنها بهذا الشكل ؟؟ وكأنها غير محسوبة على الجنس البشري !!!
الشاهد الرابع :
حكاية بسيطة جدا ومكررة في كل البيوت تقريبا ، المرأة التي تنجب فتاة وأخرى تنجب ولد ؟؟ نظرة المجتمع لتلك المرأة أم البنت !! التهاني قليلة جدا وحتى المرأة تعاني من الإحباط لأنها لم تنجب فارس الفرسان حامل لواء العشيرة !!؟؟
الشاهد الخامس :
يوم الجمعة بالذات ينزل أهل الريف للمدينة وأغلب السيارات التي يستعملونها هي عربات الحمل ، الرجل يصعد في المقدمة بجانب السائق والمرأة تجلس في الفناء الخلفي للعربة مع الحيوانات وبقية الأحمال .. سئلت إحداهن ذات يوم عن تلك الحالة وقالت لي أنها حالة صحية جدا ومن أخلاق المرأة لعربية !!؟؟
الشاهد السادس :
السيدة (SS ) أم لتسعة أطفال وهي في الوقت الحاضر أرملة بلا معيل ، تزوجت وكان عمرها أربعة عشر سنة من رجل عمره ثلاث وخمسين عاما ، حالة المرأة في الوقت الحاضر يرثى لها فهي تعيش على الصدقات من أهل الخير والإحسان ، أعتقد أن الحالة لا تحتاج للمزيد من البحث في الأسباب في انهيار عائلة بالكامل ، فالصورة واضحة جدا أعزائي مشاهدين قناة حقيقة العرب ؟؟!!
الشاهد السابع :
في التراث الشعبي العراقي هناك أمثال شعبية لاذعة تتناول المرأة وتعكس رأي المجتمع فيها :
# ( أهينك مثل ما أهين مرتي ) مثل يقال في مشاجرة أثنين من الرجال فيقول أحدهما للأخر ما معناه سأحتقرك مثل ما أحتقر زوجتي !!
# ( تكرم من طاريها مره ) معنى المثل حين يأتي ذكر امرأة في سياق حديث بين الرجال فيقول الشخص ( أن أم فلان - حاشاك من ذكرها - ) !!
خلاصة ..
لم نستطيع اختصار واقع المرأة العراقية بالكامل لكون المشكلة أكبر بكثير مما يتصور أحد ، ليست القضية في حقوق مسلوبة ولكن القضية أعمق بكثير في حالة من التخلف الحضاري والاجتماعي الذي تعانيه المرأة العراقية والشرقية عموما والمطلوب منا أعاده تأهيل المرأة فكريا حتى تستطيع مواكبة الحضارة وحمايتها من مخالب قوانين الدين والعشيرة ..