حول تمثيل المرأة في الجمعية الوطنية العراقية



قيس قره داغي
2005 / 7 / 20

دعى الشاعر الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي في بدايات القرن المنصرم الى رفع الحجاب وهو في هذا الميدان يعتبر من رواد السفور في شرق الكرة الارضية مع زميله الكاتب المصري قاسم امين وآخرين ، دعوة الزهاوي تلك اثارت حفيظة المتزمتين من رجال الدين وعلى رأسهم العلامة محمد بهجت الاثري فأفتوا بوجوب رجم الزهاوي ما جعله ان يختفي عن الانظار لحين ركود زوبعة المتزمتين ، حدث هذا في زمن كان العراق قد نفظ لتوه غبار القرون من حكم آل عثمان والقرون التي سبقتها من الحكم الاسلامي المتمثل بالفترة العباسية والاموية ولهذا السبب كانت دعوة الزهاوي تثير غرابة اكثر لدى الناس الذين جبلوا على نظام اسلامي محافظ من فتوى رجال الدين ، ساق العالم السوسيولوجي العراقي الدكتور على الوردي هذه الحادثة التأريخية كنموذج لتطور المجتمع وقبول مواكبة المجتمع للتغيرات التي تحصل في المجتمعات البشرية الاخرى كأمر واقع وهو بصدد تحليل شخصية الفرد العراقي معلقا على محمد بهجت الاثري الذي قاد حملة رجال الدين ضد الزهاوي فيقول شاء القدر ان يكون الاثري معمرا فشهد عصر المينيجوب الذي غزى العراق اسوة ببلدان العالم فكان يرى بناته يخرجن من المنزل الى دوائر عملهن وهن يرتدن المينبجوب ولا حول له ولا قوة عليهن .
بعد عقد آخر يمر قرن كامل على دعوة الزهاوي ، وقد مر العراق بفترات عصيبة خلاله ولكن المرأة العراقية رغم العراقيل شقت طريقها نحو اللحاق بالانفتاح الذي شهده العالم حيال المرأة وتفعيل دورها في المجتمع فتركت بصمات ابداعها الخلاق في مختلف مجالات الحياة وبرزت عشرات النسوة من الاكاديميات والشاعرات وداعيات حقوق المرأة الانسانة وكذلك ناشطات سياسيات عملن مع الاحزاب العراقية من اقصى يمينها الى اقصى يسارها ، وبعد تحرير العراق من النظام الدكتاتوري الذي حول كل شئ وحتى المرأة الى مادة يستخدمها في انعاش نزعاتها المجنونة ، اصبح بالامكان تحسين وضع المرأة لتكون في خدمة المجتمع العراقي الذي يحتاج الى تفعيل كافة الطاقات من اجل تعويض خسارة الماضي من عدم الاستفادة من طاقات نصف المجتمع الذي اريد له ان يبقى جامدا في سبات القرون , وقد استبشرنا خيرا منذ بداية تشكيل مؤسسات الدولة ووضع قانون ادارة الدولة عندما علمنا ان نسبة تمثيل المرأة في البرلمان العراقي ستخطو نسبة التمثيل النسوي في برلمانات ارقى دول العالم ومن ضمنها الولايات المتحدة الامريكية ، وعندما اطلعنا على القوائم المختلفة المشاركة في انتخابات الجمعية الوطنية وجدنا اسماء مؤنثة في تلك القوائم بقدر النسبة الموعودة وان كانت الاسماء تلك موضع انتقاد الكثيرين حيث ضمت اسماء ذوي القربى واهل المحسوبية المنسوبية ، ولكن عندما شاهدنا عبر الشاشة الصغيرة اجتماعات الجمعية الوطنية لاحظنا نسبة عالية جدا من عضوات الجمعية موشحات بالحجاب ويتكلمن وكأنهن ( نساء دين ) على غرار رجال الدين الذين يركزون على الانشاء والبيان والصرف والبلاغة والبديع في كلامهم اكثر من الكلام عن لب المواضيع المطروحة للنقاش .
هذا التمثيل ليس تمثيلا نسويا بقدر ما هو تمثيل للايدلوجيات المتمثلة في الجمعية ، فمن الاجدر ان تكون المرأة في البرلمان تمثل بنات جنسها الى جانب تمثيلها لرأي الناس بشكل عام ، نتسائل مع الآخرين اين اسماء الناشطات اللواتي يجب ان يكون موقعهن في هذه الجمعية التي سوف يطرح دستور البلاد الدائم للتصويت ، ذلك الدستور الذي لا نريده دستورا يهمش نصف المجتمع العراقي ، وعصرنا هذا ليس عصر الزهاوي وقاسم امين لكي يتكلف الرجل عناء الدفاع عن المرأة ، فمتى ما كان الرجل مختصا بالدفاع عن المراة في مجتمع ما والمرأة متفرجة اعلم ان ذلك المجتمع مجتمع مشلول و متخلف يبقى راكدا وقطار التطور يفوته في محطة الانتظار الممل .
اكبر ضربة ستلحقها هذه الجمعية بحقوق المرأة فيما اذا قدمت للشعب دستورا اسلاميا او يكون الاسلام المصدر الاساسي له ، فقد جربت المنطقة الحكم الاسلامي من خلال الحكم العثماني والعباسى والاموي والخلفاء الراشدون ولم نجد من النساء سوى الجاريات والقينات في الواجهة فارحموا عراقا ذل في كل العصور ودعوا طاقة النساء الكامنة تنفجر فنحن كالغريق الذي يتشبث بريشة نحتاج الى كل الطاقات ليتسنى لنا العيش كالآخرين .