..!المرأة وحقوقها عند مؤسسة شهيد المحراب



هادي فريد التكريتي
2005 / 7 / 20

..عن طريق الصدفة وأنا أتنقل بين المواقع العراقية على الأنترنيت ، لفت انتباهي موضوع تحت عنوان ، نساء المجلس الأعلى للثورة الإسلامية يطالبن بدستور ينص على أن الشيعة هم أكثرية سكان العراق ، اعتقدت أول الأمر أن الأمر لا يخلو من مزحة ، أو أن هناك خلطا بين موضوعين حدثا نتيجة سهو طباعي ، وهذا ما حفزني لمتابعة القراءة ولمعرفة حقيقة الخبر .. وحقيقته هو أن" نساء منظمة المحراب التابع للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية " قد عقدن مؤتمرا نسويا في مدينة النجف أواسط هذا الشهر وقد اتخذن فيه عدة قرارات ومن ضمنها ليس فقط مطالبة الدستور على النص على أكثرية الشيعة في المجتمع العراقي ، بل طالبن بأمور أخرى من منظور نسوي طائفي ، وضرورة أن يتضمن الدستور الجديد وجهة نظرهن هذه ، وقد أشارت ديباجة الوثيقة الصادرة عن هذا المؤتمر الموسع بأن " شخصيات علمية وثقافية وسياسية ومجموعة من السيدات أعضاء لجنة كتابة الدستور، وألفين شخصية من الكوادر النسوية العاملة في مجال التوعية والإرشاد الديني من كافة أنحاء العراق، ومجموعة من السيدات أعضاء الجمعية الوطنية ومجالس المحافظات، وكذلك العديد من النساء القياديات من مؤسسات المجتمع المدني والنخب النسوية لبحث الملفات السياسية ذات الصلة بالدستور ، وبالخصوص حقوق المرأة ومكانتها في الدستور الجديد .." كل هذا العدد قد ساهم في صياغة هذه الوثيقة ، وبناء على هذه المقدمة وعلى حضور هذا العدد المكثف من الشخصيات التي تمت تسميتها ب " شخصيات علمية وثقافية وسياسية " ومن سيدات صياغة الدستور وغيرهن من سيدات الجمعية الوطنية وسيدات المجتمع المدني ، اعتقدت للوهلة الأولى أن هذه الوثيقة ستكون كافية ووافية ليس في تبيان المطالبة والتشديد على حقوق المرأة التي أهدرها نظام القمع الفاشي فقط بل كوثيقة تعالج حقوق مختلف طوائف وقوميات وانتماءات المجتمع ، من منطلق أن هذا المؤتمر هو مؤتمر نسوي يهمه بالدرجة الأولى بناء مجتمع متحرر تشكل المرأة أكثر من نصفه ، وعليها يقع العبء الأكبر في تنشئة وبناء أجيال خالية من كل المظاهر التي تعيق تحررها وتقدمها ، فمعالجة حقوق ومشاكل المرأة في المجتمع العراقي المعاصر والوضع الذي هي فيه هو حجر الزاوية ، والظرف الراهن ، الموسوم بالعنف والفقر والجهل والتخلف وسيادة الفكر الديني الطائفي والغيبي ، كل هذا يتطلب من المرأة النضال لصياغة دستور تقدمي يقر بكامل الحقوق التي تبنتها الشرعة الدولية ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان ، يمتد فعله لعشرات السنين ، لكون من يساهم بهذه الوثيقة نسوة ينخرطن في العمل النسوي والسياسي والجماهيري مع أخريات سياسيات ومثقفات وأعضاء في الجمعية الوطنية ولجنة صياغة الدستور، وغيرهن وغيرهم الكثير من العاملات والعاملين في مؤسسات المجتمع المدني ، هذا العدد بهذه التشكيلة المختلفة في توصيفها واختصاصاتها جديرة لأن تنجز، ليس مقترحات أو توصيات تقدم للجنة تعد دستورا ، بل هي نفسها قادرة لأن تشرع دستورا ينظم حياة مجتمع لبلد مثل العراق ، متعدد القوميات والمذاهب الفكرية والسياسية والدينية ، دون أن يمر على خبراء في القانون ودون أن يناقش بنوده سياسيون أو مختصون من المنظمات المدنية وحقوق الإنسان ، ولكن ، ومع الأسف الشديد ، وجدت من القراءة الأولى أن هذه التوصيات هي ليس لم تلب مطالب المرأة العراقية المناضلة التي قاومت الفاشية لعشرات السنين من أجل نيل حقوقها الكاملة في كل المجالات ، بل حتى لم تلب طلب المرأة العادية ، المضطهدة في بيتها من قبل الرجل ، بوقف المعاملة المهينة لكرامتها وإنسانيتها ، ومن احتقاره لها وهو يتقدمها ثلاث خطوات ، إن اضطر للخروج معها في أمر قاهر !..وإذ نمعن النظر فيما سطره هذا المؤتمر من تناقض في دعواه ينسف فيه كل ادعاءات الحرص على الوحدة الوطنية ، ففي ديباجته يقول "... .دستور دائم تتحد فيه حقوق الجميع بصورة عادلة بعيدا عن الطائفية والعنصرية يتعايش في ظله جميع مكونات الشعب العراقي .." عندما تتحدث هذه الفقرة عن دستور دائم وبصورة عادلة وبعيد عن الطائفية والعنصرية ، ولجميع مكونات الشعب العراقي المتكون من ديانات متعددة ومختلفة ، فلا بد من تجنب الخوض في متاهات الدين وما يحتويه من مفارقات ونقائض للأحكام والحقوق ، هذا لأصحاب الدين الواحد المتعدد الطوائف ، فكيف بنا إذا كانت لدينا أديان ومراكز لديانات مختلفة ؟ كما أن المنظور المستقبلي لمجتمع يأخذ بالمناهج العلمية أسلوبا لتطوير قدراته وإمكانياته لبناء المجتمع الديموقراطي والتعددي ومواكبة العالم في عصر المعلوماتية ، يتناقض مع مبدأ إلزام الدين بالدولة ، ناهيك عن كونه مصدرا أساسيا للتشريع، وعدم جواز تقنين أي قانون يتعارض مع الأحكام الإسلامية ، كما جاء بالفقرة رقم 3 من هذه التوصيات ، فعلى سبيل المثال هل يعترف الإسلام بحقوق القوميات؟ وكيف ؟ ومتى ؟ وضمن التعددية والحرية لكل المواطنين ، هل يعترف الإسلام بحرية الرأي والفكر المخالف ؟ والحريات الديموقراطية بمختلف أشكالها وتوصيفاتها هل يعترف بها الإسلام ؟ وأي إسلام تريد التوصيات ؟ هل هو الإسلام الشيعي ؟ أم السني ؟ أم السلفي ؟ أم إسلام الطوائف الأخرى ؟ على دعاة العودة إلى الدين وتكبيل المجتمع فيه وفرض قيودهم المعيقة للتطور ومسايرة العصر الذي نحن فيه ، عليهم، أن يعلموا أن من بعد النبي محمد ومرورا بحكم الإمام علي بن أبي طالب وحتى اللحظة لم يكن هناك حكم إسلامي بالمفهوم الدقيق لكلمة "إسلام " ، فعليهم أن يتوحدوا أولا ثم ليطرحوا إسلامهم لمناقشته ، فمثل هذه النصوص تتناقض مع واقع التنوع الديني ومع الطوائف الإسلامية التي تريد كل منها أن يكون شرعها الإسلامي وفق مفهومها ومنطلقاتها ، وهذا ما يؤسس على بعث خلافات وإشعال نيران طائفية ، تسعى الوثيقة الى تأجيجها من جديد ، فلو قرأنا البند رقم 7 لوجدنا أن المفهوم الطائفي يتجسد في صريح الفقرة " أن اغلبية ابناء الشعب العراقي ومن كافة القوميات عربا وكردا وتركمانا وشبكا ينتمون إلى جماعة أهل البيت وقد ذاقت هذه الغالبية الساحقة انواع الظلم والإمتهان والتمييز الطائفي والإقصاء والقتل على الهوية لذا فإن من الضروري التأكيد والنص على الأكثرية الشيعية ضمن الدستور " هذا ما قالته الفقرة السابعة بالتمام والكمال دون زيادة أو نقصان ! السؤال أوجهه للقارئ هل قرأ أو سمع في يوم ما أن الأكثرية تحتاج إلى نص يعينها لنيل أكثريتها في وضع ديموقراطي تكون صناديق الاقتراع هي الحكم والفاصل بين الأكثرية والأقلية ؟ المفروض أن الأقليات هي التي تطالب بنصوص في الدستور لحمايتها من ظلم وتعديات الأكثرية ، وليست الأكثرية ، أم أن هذا المطلب الطائفي ، والمشبع في طائفيته ، هو محاولة لتثبيت حق وهمي ، لا يمكن تحقيقه ، إلا من خلال نص في دستور تتعكز عليه لتحقيق حلم آخر تكون أساسا له الطائفية وليست المواطنة ، وهذا ما تنطق به الفقرة رقم 8 من هذه التوصيات حيث تنص :" نطالب بأن يكون الفرات الوسط والجنوب إقليما واحدا في النظام الفدرالي المرتقب وذلك لطبيعة الظروف التاريخية والجغرافية والخصوصيات والهموم المشتركة والتطلعات فلا يمكن تفتيته وتمزيقه " السؤال هو من يحاول أن يمزق ويفتت ؟! لو دققنا النظر في هذه الفقرة لوجدنا أنها مكملة للفقرة رقم 7 ، من حيث أن الطائفة وليست المواطنة هي التي تربط بين العراقيين ، وهذا منتهى التضليل والتزييف ، وبالتنسيق مع هذا الطرح يجري العمل على تهيئة أجواء إنفصالية مستقبلا ، من خلال إثارة المشاعر العاطفية وتوظيفها على أساس أنها هي طريق الخلاص من القهر والظلم ، متجنبين تبيان الأسباب الحقيقة للظلم والقهر الذي تعرض له الشعب العراقي على مر العهود ، فكل ما عددته الوثيقة من المظاهر لتكوين إقليم وسط الفرات هي مظاهر مشتركة لعموم الشعب العراقي ، إلا أنها قلبت المعادلة ، فبدلا من أن تكون الوحدة تنبني على أساس المواطنة والقواسم المشتركة بين المواطنيين ، بغض النظر عن الدين والقومية والطائفية، جعلتها ترتكز على المبدأ الطائفي المفرق لوحدة الشعب العراقي ، تمهيدا وتسهيلا لخطوة لاحقة للإلتحاق بالجمهورية الإيرانية ، وهذه الخطوة مقتبسة من التجربة السوفيتية عندما انفرط عقد الإتحاد السوفيتي ، آنئذ أُلغيت الحكومة الفدرالية المركزية ، واستقلت الدول فتمزق الاتحاد ، وهذا بالضبط ما يسعى له النهج الطائفي من تكوين أقاليم للشيعة وأخرى للسنة ، أسوة بما هو للكورد ، ومن هنا تكمن ضرورة التصدي لكل نهج طائفي ، ومحاربة الطائفية ونهجها الجديد الذي تريد فرضه على الدستور الجديد ليكون سندا شرعيا لكل التوجهات اللاحقة التي تسعى لتحقيقها الطائفية ، والتي أرادت أن تحشر المرجعية وتجعلها طرفا مقدسا ، مطلق التحكم في الشأن العراقي دون أن أي تحديد لمسؤوليتها في هذا الشان ، وبعيدا عن أي مسائلة قانونية أو شرعية نتيجة لتدخلها هذا ( باعتبارها المشرف الكامل على العتبات المقدسة وإدارتها الفقرة رقم 5) وإطلاق يدها في التصرف بكل الأموال التي تردها ، دون أي إشراف من الدولة ومؤسساتها ، وهذا ما يتنافى مع مبدأ سيادة الدولة وإشرافها على كل المدن العراقية دون استثناء ، المقدسة وغير المقدسة ، وبعكسه تصبح لدينا دويلات محرم دخولها دون إذن من أشخاص لا ولاية للدولة عليها ، كما هي الأموال الواردة لهذه المدن غير خاضعة للمراقبة وعدم معرفة حجم ما يدخلها وأسلوب صرفها ، ولاستحصال ضريبة الدخل المستحقة عليها ، أسوة بكل الجهات العراقية ، هيئة أم فردا ، إلا أن الطائفية ونهجها تريد أن تلغي كل إشراف للدولة على نشاط المرجعية ـ المعينة ـ المعلن والمخفي وتحيطها بالقدسية ، لرمزيتها الوطنية والدينية العالية ، وهذا ما يتناقض مع السيادة ، ونحن هنا نتساءل هل كل هذه الصفات والمواصفات إن اجتمعت في شخص ما أو هيئة ما ، خارج إطار المرجعية الطائفية ، هل تعفيه من الخضوع للقانون ومحاسبته إن تصرف على هواه أو أساء استخدام المال العام ، أو إذا لم يكشف عن مصادر تمويله والسبب والغاية منه ؟ كل هذه تريد نساء شهيد المحراب أن يتضمنها الدستور (بموجب الفقرة 4) " ..استقلال المرجعية الدينية وقدسية مقامها الرفيع ورمزيتها الوطنية والدينية العالية ." ... الغاية من هاتين الفقرتين هو إضعاف الدولة وأطلاق يد المرجعية الطائفية ، أيا كانت ، لتحقيق هدف التفتيت ثم الإنفصال ، من خلال ما تقدم ومن خلال الفقرة ال 16 السعي لإلغاء الدائرة الانتخابية الواحدة لعموم العراق وحصرها في المحافظة الواحدة ، وهذا ما يلغي أصوات الأقليات المتوزعة على عموم العراق ويبطل دورها وتأثيرها في إعادة بناء العراق ، كما يجعلهم كما مهملا يبعدهم عن الشعور بالمواطنة ، ويخرجهم من دائرة التفاعل مع عناصر المجتمع و يتنافى مع مبدأ الديموقراطية والتعددية والمساواة في الحقوق والواجبات ، التي تشير إليها بخجل الفقرة 17 من البيان ":إعتماد التعددية في الحياة السياسية والتداول السلمي للسلطة " .
الشيء الأكثر إثارة هو ما يتعلق بالفقرة 6 حيث هي الحقوق المطالب بها للمرأة " ..يجب التنصيص على تحميل الحكومة الوطنية مسؤولية تثبيت حقوق المرأة في كافة المجالات مع مراعاة القيم الإنسانية ضمن النقاط التالية :" والبند ( ب، ث) من هذه الفقرة ، هما الأكثر خطورة كما هما الأكثر جدوى في معالجة حقوق المرأة ، إذ كل ما ذكر بعد هذا البندين يعتبر لا قيمة له ، قياسا مع الحقوق المهدورة والتي يتجاهلها عن عمد البند ب ، ث لعدم اتساق الحقوق الحقيقة مع القيم الإسلامية والتي تحاول ( الفقرة 6) جاهدة أن تقنعنا بأنها الحقوق المهمة والتي تسعى إليها المرأة وتريد أن تثبتها في الدستور ، لنقرأ البندين :
ب ـ " التنصيص في الدستور على مساواة المرأة بالرجل في شخصيتها وهويتها انطلاقا من رؤية الإسلام في المساواة بينهما في الهوية الإنسانية وما استتبعها من التكافؤ بينهما في الواجبات وفرص القربى والتكامل الإنساني ."
ث " المرأة كالرجل في الحريات الملتزمة وحق التعبير عن رأيها وتطلعاتها وفق القانون والآداب العامة ويجب التنصيص على ذلك في الدستور . "
رؤية الأسلام ( بما فيها مختلف الطوائف ولا نريد الدخول في تفاصيل أخرى )، لحقوق المرأة ـ التي يتم تجاهل ذكرها في البندين ب وث ـ تختلف عما هو للرجل ، في كل المجالات ، فهل تستطيع منظمة نساء شهداء المحراب أن تدلنا على موقع واحد يتساوى فيهما حق الرجل بالمرأة ، هل في باب الإرث أم في باب الشهادة أمام المحاكم ،أم في باب القضاء والإمامة ، أم في باب القيمومة على الأولاد حتى لو كان الرجل أميا لا يقرأ ويكتب وهي تحمل أعلى الشهادات ، هل يساوي الإسلام بينهما ؟ وهل الثقة التي يمنحها الإسلام للرجل هي نفسها الممنوحة للمرأة ؟ يتجسد هذا في السفر والحج وغيرها من الأمور ..وهل إن تعادل الرجل والمرأة في المواصفات لقضية ما ، بجانب من يكون حكم الإسلام ؟ فما نص عليه البند ب من كلمات تتعلق بالحقوق تعابير مبهمة ، لا قيمة لها في الواقع ، فماذا تعني المساواة في الهوية الإنسانية وما استتبعها من التكافؤ في الواجبات ، فلو سلمنا جدلا بالتساوي في الواجبات ، وهذا غير موجود ، فأين هي الحقوق ؟ لماذا تتجاهلها سيدات شهيد المحراب ؟ أليس في هذا اعتراف ضمني بعدم وجود حقوق حقيقة للمرأة في الإسلام ؟
والبند ث ، لِمَ لم يذكر لنا ماذا تعني المرأة كالرجل في الحريات الملتزمة ؟ وما المقصود بالملتزمة ؟ كيف سيفسرها الإسلاميون من أتباع المؤمنين بالحديث النبوي ،" النساء ناقصات عقل ودين "، وبمن سيستعين المشرع ، لفك رموز الملتزمة ، عند محاولته إضافتها لبنود الدستور ؟ عندما يفتقد نفر ما الحجة على صواب وجهة نظره ، وعدم قدرته على إقناع الآخرين بما يطرح ، يلجأ إلى التهويمات والكلمات المبهمة ..والبيان الختامي لمؤتمر نساء منظمة شهيد المحراب ، التابع للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية ، لم يوفق في تثبيت أية حقوق للمرأة من منطلق إسلامي ، رغم الحضور النوعي لهذا المؤتمر كما أشير إليه ، وهذا بحد ذاته يمثل خيبة أمل لكل النساء المتأسلمات ..!
19 تموز 2005