في الزواج... المرأة تحمل أعباء التغيير والتعايش



إيمان أحمد ونوس
2014 / 5 / 16

معلوم تماماً أن الزواج هو شراكة إنسانية- اجتماعية بين شخصين وجد الأهل في ارتباطهما مصلحة لهما ولأسرتيهما، أو بين شخصين تولّدت لديهما عواطف سامية، ولمسا أن بينهما قواسم مشتركة تمكّنهما من تأسيس أسرة يحققان من خلالها أحلامهما ورؤاهما في العلاقة الزوجية وإنجاب وتربية الأبناء، وكذلك العلاقة مع محيطهما الاجتماعي والأسري.
ومن المتعارف عليه أن أيّ زوجين مهما كانا على معرفة وثيقة ببعضهما، فإنهما يحتاجان بعد الزواج إلى مدة زمنية ربما ليست بالقليلة، تختلف باختلاف الوعي والثقافة والاستيعاب من أجل الاندماج والتعايش والتفاهم لتجاوز ما قد يعترضهما من اختلافات وعثرات لم تكن بحسبانهما.
والزواج عموماً باعتقادي ما هو إلاّ عملية مقايضة بين الزوجين يتمُّ بموجبها تنازل الطرفين عن عادات وربما مفاهيم ورؤى- باستثناء الأخلاق- ليست بذات أهمية، ولا تتناسب وحياتهما معاً، وذلك من أجل تقليص مساحة الاختلاف والخلافات التي قد تودي بتلك العلاقة إلى متاهات يصعب الخروج منها، لأن كلاً من هذين الشخصين ولا شك من بيئة مختلفة في تربيتها ومفاهيمها وبعضٍ من قيمها عن بيئة الآخر. وهذا حتماً ما يجعل الزوجان يُفاجآن ببعض الفروقات والاختلافات التي قد تضعهما أمام واقع قد لا يكون بالحسبان، مما يؤدي إلى وجود مشاكل في علاقتهما الزوجية أو الأسرية، وحتى العاطفية إن لم يتعاملا معها ببعض الاستيعاب والحكمة والهدوء والاتزان، و كثير من الحب والتسامح.
غير أننا نجد، وبحكم الموروث القيمي والمفاهيم المجتمعية الذكورية، أن الرجل نادراً ما يتخلى عن بعض عاداته أو مفاهيمه أو سلوكياته، وإن تمّ هذا، فإنه يتم بشكل جزئي وبصعوبة بالغة قد تحتاج لزمنٍ وجهد ليسا بالقليلين بالنسبة للمرأة. في حين نجد بعض الرجال الذين ينحون منحىً ذكورياً بحتاً مُغايراً لما كانوا عليه قبل الزواج، من منطلق أن الزوجة بنظرهم ما هي سوى أداة للمتعة وإنجاب الأبناء إضافة إلى مسؤولياتها المنزلية التي تضعها بمرتبة الخادمة المتوجّب عليها طاعة وخدمة الزوج بشكل مطلق. فالرجل هنا ليس مستعداً لتبديل طباعه وعاداته التي اكتسبها من التربية والبيئة التي ينتمي إليها، ولا خسارة بعض مكتسباته التي منحه إياها المجتمع، وبالتالي فإن التغيير المطلوب حكماً سيكون من نصيب المرأة التي تضطر راغبة أو مرغمة للتنازل عن الكثير من طباعها وتغيير سلوكياتها وحتى بعض سماتها الشخصية، إضافة إلى تحمّل تبعات تعنّت الزوج الرافض لأي تغيير يخدم تلك العلاقة أو الأسرة. ذلك أن الكثير من النساء يمتلكن القدرة على التعايش وإمكانية التغيير حفاظاً على استقرار العلاقة الزوجية وأمان الأسرة أكثر بكثير من بعض الرجال، ربما بحكم الأمومة التي تمنح المرأة الكثير من الأمل والقدرة على التضحية براحتها وكل ما تحب من أجل أسرة مستقرة، وربما أيضاً بحكم أن المرأة غالباً ما تكون مسالمة لا ترغب بوجود المشاكل والخلافات في أسرتها ومع شريكها في الحياة.
فمثلاً، قد تضطر المرأة إلى إلغاء الكثير من اهتماماتها وميولها، وحتى دراستها إن كان من الممكن أن تؤثّر على مسؤولياتها الأسرية والزوجية خاصة من وجهة نظر الزوج، إضافة إلى الابتعاد عن الكثير من العلاقات والصداقات السابقة التي لا تتوافق ومزاج الزوج، لاسيما صداقاتها مع الرجال من زملاء عمل أو دراسة، إضافة إلى ابتعادها حتى عن العلاقات الاجتماعية مع أقارب قد لا يروقون للزوج، بينما نجد أن الرجل لا يُقدم على هذا إلاّ فيما ندر، فهو يحتفظ بصداقاته التي قد تتطلب السهر خارج البيت في معظم الأحيان، إضافة إلى احتفاظه بعلاقاته الأسرية والاجتماعية، بل ويدفع زوجته باتجاه تلك العلاقات حتى لو لم تكن راغبة، إضافة إلى أنه يتابع دراسته إن كان يُحضّر للشهادات العليا مثلاً، أو أنه قد يُسافر خارج البلاد من أجل العمل أو إكمال دراسته، بينما هذه التصرفات غير مرغوب من المرأة، حتى أن المشرّع منعها من السفر دون إذن زوجها، إضافة إلى أنه أرغمها على السفر معه من خلال قانون الأحوال الشخصية في المادة/70/ التي تنص على:
تُجبر الزوجة على السفر مع زوجها إلا إذا اشترط في العقد غير ذلك أو وجد القاضي مانعاً من السفر.
كما أنه منعها حتى من العمل بغير رضا الزوج في المادة/73 / من ذات القانون والتي تنص على:
يسقط حق الزوجة في النفقة إذا عملت خارج البيت دون أذن زوجها.
وذات القانون توّج تلك التبعية حين منعها من السفر مع ولدها بدون إذن الزوج في المادة/148/ التي تنص على:
1- ليس للأم أن تسافر بولدها أثناء الزوجية إلا بأذن أبيه.
من خلال هذه المواد، وما ذكرناه أعلاه، نجد أن المرأة فقط هي المعنية والمُلزَمة بالتغيير ومحاولة التعايش داخل المؤسسة الزوجية دون الرجل الذي استحوذ على كافة السلطات والحقوق والصلاحيات دون واجبات تفرضها عليه مسؤولياته الزوجية والأبوية. ففي مجال التربية، يقع العبء الأكبر من تلك المهام المادية والمعنوية والنفسية على عاتق الأم دون الأب رغم أنها باتت عاملة خارج البيت في كثير من البيئات والحالات، فهي وبحكم وظائفها البيولوجية المعنية بمسألة الإرضاع والإطعام وما يتبعه من سهر وغيره غالباً دون مساهمة الأب، كما أنها وبحكم وظائفها الاجتماعية والقيمية التي حددها المجتمع هي المعنية أولاً وأخيراً بتربية الأبناء خلقياً ونفسياً، في حين نجد أن الأب مُعفى من معظم تلك المهام بحكم عمله خارج البيت، وبحكم القيم والموروث الاجتماعي- الديني الذي ابتعد به عن كل مسؤولية وهو راضٍ، وألقى بعبئها على المرأة وخير مثال على تلك المفاهيم والقيم قول الشاعر أحمد شوقي:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
صحيح أن الأم أقدر من أي أحدٍ آخر حتى لو كان الأب على منح الأبناء اهتماماً وعاطفة وتعاملاً لا يمكن لغيرها أن يمنحه لهم، غير أنها في النهاية إنسانة لها متطلباتها واحتياجاتها النفسية والجسدية والروحية التي تجعلها حكماً بحاجة إلى مساعدة الزوج/ الأب قبل غيره، تلك المساعدة التي من الممكن أن تكون بسيطة وغير مُرهقة أو مُعرقلة للزوج من خلال مشاركته ببعض المهام والأعباء الأسرية والتربوية، أضف إلى ذلك حاجتها للشعور بمدى قيمة ما تقوم به من أعباء من خلال كلمات رقيقة، وتعامل إنساني- شاعري من الزوج، يجعلها أكثر عطاءً وتفانياً. ولا يفوتنا ضرورة مشاركة الأب في مسائل التربية التي يؤكّد عليها علم النفس والاجتماع والتربية من أهمية وجود الأب في حياة الأبناء أثناء تشكّل الشخصية نفسياً وقيمياً ومعرفياً.
كما أن على الزوج أن يكون شريكاً حقيقياً وفاعلاً في الحياة الزوجية والأسرية من خلال تنازله عن بعض طباعه ورغباته التي قد تُعرقل وتُقيّد الزوجة/ الأم أثناء قيامها بواجباتها ومهامها بشكل عام، كي لا يبقى عبء التغيير ومحاولة التعايش مرهونة فقط بالمرأة التي طرأت تغييرات وتبدّلات متعددة على شخصيتها وكيانها، وأهمها خروجها للعمل ومشاركتها المادية في تحمّل متطلبات الأسرة جنباً إلى جنب مع الرجل/ الزوج. هذا الوضع برمته يتطلب من الرجل تبني أفكار ومفاهيم تجاه العلاقة الزوجية مُغايرة لما درج عليه الآباء والأسلاف.