هذه أنا(الحلقة الخامسة)



ماجدة منصور
2014 / 6 / 5

هذه أنا
أنا و المأذون-ة- كاترين باتريك
كانت سيارة السيد ج.س تقف خلف سيارتي المنكوبة بالضبط ،وكانت سيارة مرسيدس لونها اسود، وفي غاية الأناقة و النظافة.
أعطيته عنوان المدرسة و إنطلق بهدوء.
شغَل موسيقى كلاسيكية جدا ثم التفت الي و سألني بأدب شديد،هل لي أن أعرف من أين أنتِ؟؟
قلت له:من سوريا.
قال سوريا..سوريا..آه نعم عرفت الآن...أنت من الأرض المقدسة.
قلت بنفسي...مقدسة كتير كتير فهي ما زالت تنزع الأطفال من أحضان أماتهم و سجونها مليئة بالأحرار...مظبوط مقدسة و غير شكل.
قال: لما كنت غاضبة؟؟
قلت: تقلعت من شغلي...أوكي!!
استمر بقيادة سيارته و بهدوء غريب لم أرى مثله وكان شديد التقيد بقوانين السير و خاصة ما يتعلق بالسرعة.
وصلت الى مدرسة إبنتي و شكرته وهممت بالنزول فالتفت الي قائلا..أين تسكنين؟؟ أجبته بسرعة..أسكن قريبا من هنا.
قال: أنا لا أمانع أن أوصلك الى حيث تريدين.
في الحقيقة، أردته أن ينصرف..فأنا لا أريد أن ترى إبنتي رجلا لا تعرفه..فمن أجلها خضت معارك كثيرة و مع أشرس الرجال و لكن هذه المعارك التي خضتها كانت في الحقيقة
ضد خوفي و ضد ضعفي فهي قد علمتني أن أنتصر على موروث الجهل ..لا بل أني قد أشعلت حرائقا مازالت نيرانها متقدة .
إن خوفي من فقدان إبنتي جعلني شرسة و جعلني أقرر أن تحيا إبنتي بعيدا عن ميراث العفن و الأديان الرثة و تقاليد متصحرة تمسك بخناق كل النساء و لكني كنت حريصة أن تفتخر إبنتي
بي عندما تكبر.
ولأنني وجدت نفسي وحيدة فقد عرفت أن الحرية هي إلتزام شديد و قاس بكل القيم التي أحملها لا بل إن الحرية فعلا..هي سلاح ذو حدين..و مسؤولية ضخمة خاصة حين وجدت نفسي
في مجتمع غريب.
للحرية ثمن باهظ..فها أنا لوحدي مع إبنتي، أحاول بكل جهدي أن أشق طريق حياتي وبرفقتي طفلتي التي أبيت أن أتخلى عنها رغم كل الظروف و غصبا عن القانون.
كنت، وحالما تنام إبنتي، أطلق العنان لدموعي لا بل كنت أصرخ و أكتم صراخي بمخدتي كي لا يسمعني أحد.
حين توفي زوجي تقدم لخطبتي رجال كثر و لكني كنت أرتعب من الزواج ثانية، فأنا لا أريد أن أخسر إبنتي و لا أريد أن ألمس إحساسها، يكفي أنها قد تيتمت.
في الحقيقة، كنت أحمل عقدا و كلاكيع نفسية كثيرة لا أعرف أولها من آخرها، و لكن عقدتي الأكبر كانت من الرجال.
نعم..كانت من الرجال فحين توفي زوجي و أصبحت أرملة كانت عيون الرجال تخترق جسدي و كأني قد أصبحت ملطشة لكل مكبوت أو أنني قد اصبحت إمرأة يسهل الحصول
عليها و كأني مال سايب ...لكل من هب و دب.
لن أنسى ذلك اليوم حين تقدم رجلا لخطبتي و لما سألته عن سبب إختياره لي...رد علي بجفاصة أغلب أهل حلب قائلا: و كمان عم تسأليني؟؟بدي أتجوزك منشان أستر عليكي!!!
لم أدري بنفسي إلا و أنا أذهب الى المطبخ--دون وعي--و أمسك بيدي أكبر سكين و هجمت عليه صارخة بأعلى صوتي: قوم إنقلع قبل أن أحش مصارينك..أنا لحد الآن مستورة
و لكني بقتلك...سوف أنفضح..فضيحة الحرامي بجامع الأمويين.
الله وكيلكن...كل من شافني أرملة...شمَر و إجاني هرولة.
حتى بوجودي مع أهلي و كأنني قد أصبحت مصيبة قد حلت فوق رؤوسهم و جميع رجال العائلة قد أصبحوا أولياء أمري.
كانوا يعدون علي أنفاسي و كم تعاركت مع أمي و أخي من أجل أمور تافهة.
وجودي كان ثقيلا على الجميع و خاصة بعد وفاة والدي فقد كان هو الشخص الوحيد الذي يحن عليَ.
ذات يوم قالت لي أمي...البنت..إما أن تجيب العار..أو العرصة...لباب الدار_قالتها لي ألف مرة.
لقد تحولت حياتي الى جحيم كان أقوى من أن أطيقه.
هذا المجتمع و بتركيبته--الغير شكل--هو عدو للمرأة..ما الذي جعلهم يناصبون المرأة كل هذا العداء و الكراهية؟؟
أنا قد عرفت السبب فيما بعد.
إنه الدين و العادات و التقاليد..و ما حدا يتفزلك و ينط و يحط و يقول العكس.
لقد شوه الدين حياة عشرات الملايين من نساء هذا الشرق المبتلي بدين رث..عفن..صحراوي و لا يلزمني بفرنك سوري فقد أثبت الدين أنه منتج فاسد، فاقد للصلاحية بل فاقد لكل
معنى من معاني الإنسانية التي تعلمتها.
أخذت أنفر من هذا الدين و رجاله نفورا لا يعادله نفور لأنه تعدى على حياتي و أراد أن يسلبني إبنتي، إنه دين ضد الحياة.
و أنا أريد أن أحيا و إبنتي كذلك.
الى القاء في الحلقة السادسة