يسوع والمرأة السورية – 2



حسن محسن رمضان
2014 / 6 / 6


في المناقشات المباشرة التي تحدث بيني وبين الأخوة والأخوات حول أكواب القهوة والتي تلت مباشرة نشري لمقالة (يسوع والمرأة السورية – نموذج للمنهج السلفي) [انظر الهامش رقم 1]، أثار المتحاورون مسألة (تناقضات يسوع الإنجيلي على المستوى المبدئي والفلسفي والأخلاقي)، وخصوصاً إذا أخذنا (العهد الجديد) بكل محتوياته، بشكل شامل، كنصوص مقارنة. إلا أن ما أستحوذ على أغلب وقت هذا اللقاء الصاخب بكل مشاربه وآرائه وروعة اختلافاته الرصينة المجردة هو سؤال: (إذا عرفنا، بدون أي شك الآن، أن يسوع كان يتبنى النظرة اليهودية الصارمة فيما يخص الأعراق المختلفة، وهي ذات طابع تحقيري بدون أي شك، فلماذا إذن يبدو يسوع متناقضاً في موقفه من النساء اليهوديات أيضاً وخصوصاً إذا عرفنا أن التقليد اليهودي بشأنهن في زمانه كان حاطاً وذو طابع تحقيري مقارنة بالرجال؟).

وفي الحقيقة هذا سؤال، بالإضافة إلى دقة ملاحظته، فإنه شديد الأهمية، وقد تطرقت لشرحه بالتفصيل في مقالات سابقة. إذ الإجابة عليه يُلقي بعض الضوء على (يسوع التاريخي)، أي يسوع الحقيقي، الرجل الذي لم يُفلح إلا في جمع تلاميذ قليلون حوله، خانه أحدهم وهرب عنه الباقين عندما أتى اليهود ليقبضوا عليه. فلم يكن يسوع (موضوع إيمان حقيقي لتلامذته)، هذا لم يحدث إطلاقاً إلا في أوهام المؤمنين المسيحيين وكنائسهم، وإنما كان (موضوع إيمان لرجل لم يره في حياته إطلاقاً، أي بولس، ومَن تأثر به، سلباً أو إيجاباً، مِن كتبة الأناجيل والرسائل). أدناه هو جواب لهذا السؤال المهم، ومحتواها إما مِنْ مقالاتي السابقة أو من أجوبة توليتها بنفسي على أسئلة متعددة.

تساءل البروفيسور باري ويلسون (Barrie A. Wilson)، أستاذ الدراسات الإنسانية والعقائد في جامعة يورك، سؤالاً جوهرياً لم ينتبه له الناقدين من قبل أو يولوه اهتماماً. فإله المسيحية (يسوع)، خلال فترة دعوته بالتحديد، هو وتلاميذه، (لم يكونوا يعملون في أية مهنة ولم يكونوا من ذوي الثراء)، كانوا فقط يتجولون في أرض فلسطين. هذا النشاط السلبي فيما يخص العمل والكسب دفع البروفيسور ويلسون إلى وضع السؤال بهذه الصورة: "ثلاثة عشر شخصاً [يسوع وتلاميذه الإثنى عشر] يتحركون عبر الجليل، ربما لفترة تجاوزت الثلاث سنوات، كانوا يُمثلون عبئاً مالياً كبيراً. هذا النشاط كان يُكلّف الكثير من المال: الطعام، والمأوى، ووسائل التنقل المختلفة، وهذه كانت فقط جزءاً من بعض بنود المصروفات المتوقعة. فمن كان يتولى تمويل هذه الحركة؟" [انظر الهامش رقم 2]. ثم يضع الجواب من إنجيل لوقا:

(وعلى أثر ذلك كان يسير في مدينة وقرية يكرز ويبشر بملكوت الله، ومعه الاثنا عشر. وبعض النساء كن قد شفين من أرواح شريرة وأمراض: مريم التي تدعى المجدلية التي خرج منها سبعة شياطين. ويونا امرأة خوزي وكيل هيرودس، وسوسنة، وأخر كثيرات كن يخدمنه من أموالهن). [لوقا 8: 1-3]

إذن، مَنْ كان يتولى الإنفاق على يسوع هن النساء. هؤلاء النساء كن يعملن بمهن مختلفة، مثل مريم المجدلية ويونا وسوسنة و (أُخر كثيرات)، (ومِن كسبهن كان يسوع يصرف على نفسه وعلى تلاميذه). فإله المسيحية (يسوع) كان تمويله الأساسي في دعوته يأتي من النساء. (ولهذا السبب بدا يسوع الإنجيلي متناقضٌ جداً فيما يخصهن). فهو من جهة يؤكد لمستمعيه (لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل. فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا، يدعى أصغر في ملكوت السماوات) [متّى 5: 17-19]، إلا أن الناموس والأنبياء يقولان صراحة (لا تزنِ) [خروج 20: 14] وأيضاً (إذا زنى رجل مع امرأة، فاذا زنى مع امرأة قريبه، فإنه يُقتل الزاني والزانية) [لاويين 20: 10] [وانظر أيضاً: تثنية 22: 22]، ولكن ما إن رأى يسوع امرأة زانية يُراد أن يُقام عليها (الناموس) وما قاله (الأنبياء)، و (قالوا له: يا معلم ، هذه المرأة أُمسكت وهي تزني في ذات الفعل. وموسى في الناموس أوصانا أن مثل هذه ترجم. فماذا تقول أنت؟) [يوحنا 8: 4-5]، فإذا بيسوع يرفض إقامة (الناموس) وما قاله (النبي) موسى، ويقول لهم: (من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر) [يوحنا 8: 7]، ولما تركوها قال للمرأة: (ولا أنا أدينك) [يوحنا 8: 11]. فكل شيء، حتى عند الأنبياء والآلهة، لابد له من أن ينبع من المبدأين الشهيرين لعلم النفس في أن (التصرفات الإنسانية دافعها الأساس شيئين إثنين: "الخوف والمصلحة الذاتية")، ولهذا السبب لا يجب أن نستغرب جداً عندما نعرف أن المرأة التي (في المدينة كانت خاطئة) [لوقا 7: 37]، تلك التي جاءت ليسوع بقارورة عطر ودهنت قدميه، هي ذاتها مريم المجدلية التي تولت الصرف المالي (من كسبها) على "الإله" يسوع. [البابا غريغوري (Pope Gregory) في حوالي سنة 600 مـ في عهده تبنت الكنيسة رسمياً مرادفة المرأة الخاطئة مع المجدلية، انظر الهامش رقم 3].

كان يسوع ذو (مصلحة مالية) مباشرة مع النساء اليهوديات بالتحديد. فحتى (الآلهة) التي (يخلقها البشر)، إذا أرادت أن تتواجد مع البشر بشحمها ولحمها، تحتاجُ إلى الذهب والمال الذي تسكه دور عملة الكفار والأشرار حتى يتسنى لها أن تسير في الأرض وتصرف على نفسها. فالنساء من أمثال (مريم التي تدعى المجدلية التي خرج منها سبعة شياطين. ويونا امرأة خوزي وكيل هيرودس، وسوسنة، وأخر كثيرات) [لوقا 8: 2-3]، هذا الجمع الغفير من النساء الذي خرج عن مقدرة كاتب الإنجيل على الحصر فوضع عبارة (وأُخر كثيرات)، (كُنَّ يخدمنهُ من أموالهن) [لوقا 8: 3]، أي يتولين الصرف المالي على يسوع بصورة حصرية. ولهذا السبب كان ليسوع الإنجيلي مصلحة ذاتية مباشرة مع هذا الجمع الغفير من النساء على تعدد مشارب المهن اللاتي كُنّ يعملن بها، ولهذا السبب (اضطر أيضاً أن يَغُضّ النظر تماماً عن المصدر الأول لتلك الأموال التي كانت بيد بعض أتباعه من النساء مثل مريم المجدلية)، المرأة التي (في المدينة كانت خاطئة) [لوقا 7: 37]، وكان لابد له أن يناور بحذر فيما يخص شؤونهن ومصالحهن. ومِنْ هذه الجزئية بالذات نستطيع أن نفهم تعاليم يسوع في الأناجيل المختلفة فيما يتعلق بثنائية (الناموس - النساء اليهوديات) والتي تبدو متناقضة وغير خاضعة لمنطق تشريعي متأني أو واضح، (ونستطيع أيضاً أن نفهم الازدواجية في النظرة المبدئية عنده بين اليهوديات وغيرهن وذلك في إهانته المتعمدة للنساء غير اليهوديات وتشبيههن بالكلاب) كما في مقولته الشهيرة للمرأة الكنعانية [متى 15: 26] وللمرأة السورية الفينيقية [مرقس 7: 24-29]. هذه المكانة المصلحية التي احتلتها النساء اليهوديات عند يسوع الإنجيلي تتجلى واضحة عندما ساقوه ماشياً ليُصلب، إذ (تبعه جمهور كثير من الشعب، والنساء اللواتي كن يلطمن أيضا وينحن عليه) [لوقا 23: 27]، فلم يلتفت إطلاقاً إلى الجمهور الكثير (من الشعب) ولكنه (التفت إليهن) [لوقا 23: 28] وكان خطابه حصراً للنساء [لوقا 23: 28-31]، ثم مات يسوع على الصليب، وعندما لفظ أنفاسه الأخيرة (كانت أيضاً نساء ينظرن من بعيد، بينهن مريم المجدلية، ومريم أم يعقوب الصغير ويوسي، وسالومة، اللواتي أيضا تبعنه وخدمنه حين كان في الجليل. وأُخر كثيرات اللواتي صعدن معه إلى أورشليم) [مرقس 15: 40-41]. والكلمة التي يجب أن تلفت الانتباه هو (اللواتي أيضا تبعنه وخدمنه)، ولكن (العهد الجديد) يسكت تماماً عن (نوعية هذه الخدمة) إلا ما أفلت مِن قلم كاتب إنجيل لوقا (كن يخدمنه من أموالهن).

هذا هو سبب تناقض يسوع.



هـــــــــــــــــوامـــــــــــــــش:



1- يسوع والمرأة السورية – نموذج للمنهج السلفي

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=417730


2- How Jesus Became Christian, Barrie Wilson, St. Martin s Griffin Press, pp. 71-72

3- Doyle, Ken. "Apostle to the apostles: The story of Mary Magdalene". Catholic times, 11 September 2011