زواج متأخر



محمد الحداد
2014 / 6 / 10


أخبرتني زوجتي قبل عدة أسابيع بتقدم شخص كبير في السن للزواج من إحدى قريباتها التي وصل عمرها 52 عاما ولم تتزوج، وتعيش مع أختها التي تصغرها أو تكبرها بقليل، لا أتذكر بالضبط، في بيت لوحدهما بعد وفاة الأب من سنين عديدة، ووفاة أمهما من بضع سنين قريبة.
فرحت للخبر في حينها، فما دام الموضوع به فرحة لإنسانة عاشت مظلومة طوال حياتها، أما تحت ولاية أبيها، أو أخوتها وزوجاتهم.
فغير أنها لا تملك أي معيل مادي، فهي غير متعلمة، ولا تعمل.
فتركتها الظروف التعيسة هي وأختها تحت يد سخاء هذا أو ذاك من أقاربهما.
وحزنت للخبر أيضا لأنها لا تعرف خطيبها مسبقا، فهو ممن يبحثون عن بنت الحلال، وقد تجاوز عمره 63 عاما، ويعيش في هولندا، وحملته الظروف للارتباط بهذه المرأة.
لم أسأل زوجتي عن أي شيء، فمن طبعي عدم التدخل بالأمور الشخصية للآخرين، ولم تخبرني زوجتي أكثر من أن قريبتها فرحة جدا بهذا الزواج، وتتأمل خيرا.
فقلت في نفسي عسى أن يكون خيرا لهذه المرأة وذاك الرجل بعد طول انتظار، عسى أن يستطيعا تكوين أسرة صغيرة، وعسى أن يكون قلب أحدهما على الآخر، ليعيشا ما بقي من عمريهما دون نكد وأمراض مجتمعية.
تأملت خيرا لهما دون أي معرفة مسبقة بهما، ودون أن أكلم أي أحد منهما، بل وحتى لا أعرف شكليهما، ولم أرى صورتيهما معا، أو كل على حدة، فأمنياتي بالخير لا تشمل معارفي فقط، بل هي لكل البشرية، بل وحتى كل المملكتين الحيوانية والنباتية.
يوم أمس مساءا، والشمس لا تغرب عندنا إلا قرب الساعة 11 و45 دقيقة، كنا نتسامر أنا و زوجتي.
فقالت لي: أن قريبتها قد عقدت قرانها على رجل هولندا.
فقلت: خير ما حدث.
قالت: وكان عقدهما صعبا جدا، لأنه لا يحمل أوراقا عراقية.
فقلت: وما الضير في ذلك، المهم أنهما يتعاهدا لبعضهما البعض بالإخلاص والوفاء.
قالت: أخيرا وجدا سيد قام بالعقد لهما، ( السيد رجل دين شيعي يعود أصله لمحمد ).
قلت: خيرا.
قالت: ودخلا.
قلت: لا أريد معرفة التفاصيل.
قالت: ولم يستطع في أول ليلة.
قلت: هذه أمور طبيعية لمن في عمره، وصعبة أيضا لمن في عمرها، وهذه أول تجربة لها، ثم هذه شؤون خاصة جدا، لا يجب أن يتم تناقلها وتداولها بهذه الصورة.
قالت: ولكنه قدر في صباح اليوم التالي.
قلت: طبيعي، لأنه يكون قد استجمع طاقته ليلا، ليفرغها نهارا.
قالت: أتعرف.
قلت: ماذا الآن !؟
قالت: يريد منها أن تعيش في ايران.
قلت: واه، هنا اشكال كبير، ولم ذاك !؟ لم لا يأخذها تعيش معه في هولندا، أقلها يخلصها من ضيم العراق وأهله.
قالت: هو ايراني الاصل، ويقضي كثير من أوقاته في ايران، ممكن ستة أشهر في كل عام.
قلت: قريبتك حظها قليل، تخرج من حفرة لتقع في بير ( بئر ).
قالت: ولا يستطيع أن يأخذها لهولندا.
قلت: ربما صعبت دائرة الهجرة هناك شروط لم شمل العوائل، كما يحدث الآن في النرويج.
قالت: لا، ولكن لأنه متزوج.
قلت: ماذا !؟ هذه أول مرة أسمع بهذا الخبر.
قالت: نعم، ولديه أولاد وبنات كبار بالسن.
قلت: يا سلام.
قالت: وعنده أحفاد أيضا.
قلت: اذن هو خالف انظمة هولندا، لأنها تحرم الزواج من أكثر من واحد، سواء كان رجلا أو امرأة، ويسمى بيجامي، اي الزواج بأكثر من شخص، وهذا السبب الذي من أجله لا يستطيع لم شمل لها في هولندا، لانهم لو عرفوا بزواجه الجديد، لحوكم، ورمي بالسجن.
قالت: لهذا السبب لم يأتي بأي أوراق اصلية من هولندا أيضا، وهذا سبب عدم الزواج لدى محاكم الدولة.
قلت: ولم تزوج بهذه الطريقة، ألا تكفيه زوجته !؟
قالت: أنه يقول بأنها مريضة، ولا ترغب بالممارسة.
قلت: وهذا طبيعي جدا، ولكن ليست العلاقة الزوجية بجنس فقط.
قالت: صحيح، ولكنه يريد الجنس.
قلت: وهو لا يستطيع.
قالت: ولكن قلبه يريد، فأنت تعرف أن الرجال يرغبون بقلوبهم قبل عقولهم، حتى لو كانوا عجزة.
قلت: صحيح، فهذا تكوينهم البيولوجي، وتربيتهم الشرقية التعيسة.
قالت: وهو يريد زوجة تداريه وتلبي طلباته عندما يكون في ايران.
قلت: مسكينة قريبتك هذه.
قالت: وهي تدعوا الله ليل نهار ان يرزقها بطفل.
قلت: أو بهذا العمر، إنهما يجنيان على ابنهما، سيكون حتما حاملا لعوق جسدي أو ذهني، فلا ينصح بالحمل والولادة المتأخرة للمرأة، حيث أفضل الاعمار لذلك هي في العشرينات والثلاثينات، كذلك للرجل، فحيواناته المنوية تكون ضعيفة كما هو جسمه.
قالت: ولكن هذه امنيتها.
قلت: قريبتك تخرج من مشكلة لتقع بمصيبة، عسى أن تحمل، وتلد صالحا.
قالت: عسى ذلك.
وانتهى الحوار بيننا، ولكنه لم ينتهي في ذهني، فقد حزنت لهذه المرأة، وتألمت لما قد تلاقيه بقادم الأيام.
عسى أن يكون خيراً.

محمد الحداد
10 . 06 . 2014