القانون رقم/6/ لعام 2014 اغتيال وتهميش للهيئة السورية لشؤون الأسرة



إيمان أحمد ونوس
2014 / 6 / 15



يأتي تطور القوانين والتشريعات انعكاساً لتطور المجتمعات والبلدان الذي يفرضه حكماً رقي الحضارة والعلوم التي وصلتها البشرية بكافة مجالاتها.
لكن أن يتمّ الرجوع للوراء في قوانين وُضعت أصلاً من أجل الارتقاء بالأسرة ومكوناتها، وبالتالي الارتقاء بالمجتمع ككل، فهذا ما يُثير الدهشة والاستغراب والتساؤل، لاسيما في ظل ظروف استثنائية تعيشها الأسرة السورية على كافة الأصعدة والاتجاهات، مما يستدعي سن قوانين وتشريعات تنهض بهذه الأسرة من تحت ركام أزمات نفسية واقتصادية وتربوية وما إليه من أزمات يصعب حصرها، لا أن نعود بتلك القوانين إلى الوراء، كي تبقى مجرد قوانين مؤجلة أو مجمّدة ومقيّدة وغير فاعلة أو متفاعلة مع حياة الناس وأزماتهم المتكاثرة يوماً بعد يوم، وعاماً إثر آخر.
وما أثار الشجون والدهشة والاستغراب، هو صدور القانون رقم/6/ لعام 2014 القاضي بإلحاق الهيئة السورية لشؤون الأسرة بوزارة الشؤون الاجتماعية، بعد أن كانت هيئة مستقلة تتبع مباشرة لرئيس الوزراء بالقانون رقم/42/ للعام 2003 حيث جاء في المادة/20/ من القانون رقم/6/ لعام 2014 ما يلي:
يُنهى العمل بالقانون رقم (42) تاريخ 20/12/2003
تأتي هذه المادة بمثابة اغتيال لهذا القانون والذي كان حين صدوره نقلة نوعية على صعيد الاهتمام بواقع الأسرة السورية من كافة الجوانب، ووضعها في الصدارة من اهتمام الحكومة باعتبار الهيئة مؤسسة وطنية تعمل على النهوض بواقع الأسرة السورية من كافة النواحي، لاسيما واقع العنف والتمييز الذي تُعاني منه المرأة المكون الأساسي والرئيسي لتلك الأسرة، للوصول إلى أسرة قادرة فعلاً وحقيقية على المساهمة في بناء وتطور المجتمع المعاصر. فقد عملت الهيئة فعلاً ومنذ تأسيسها على محاولة النهوض جديّاً بواقع الأسرة والمرأة والطفل، وكذلك الوضع السكاني بشكل عام من خلال الدراسات والأبحاث وورشات العمل التي أقامتها، إضافة إلى محاولة اقتراح مشاريع قوانين تنهض وترتقي بواقع مكونات الأسرة عملاً بالفقرة/ هـ/ من المادة/2/ في قانون تأسيسها والتي تنص على اقتراح تعديل التشريعات المتعلقة بشؤون الأسرة، وهو ما يمكن اعتباره روح القانون والهيئة حينها والتي أُلغيت من القانون الجديد وتمّت الاستعاضة عنها باقتراح مشروعات القوانين المتعلقة بشؤون الأسرة والسكان دون اقتراح تعديل التشريعات المتعلقة بالأسرة، وفي هذا رسالة واضحة لعدم الرغبة في تعديل الكثير من القوانين والتشريعات التمييزية ضدّ المرأة والأسرة بشكل عام، وبهذا الصدد كان أول وأهم ما قامت به الهيئة هو تقديم مشروع قانون الطفل استناداً إلى اتفاقية حقوق الطفل، بدل تلك المواد الخاصة بالطفل والمتناثرة في بعض القوانين السورية. غير أن الذهنية السائدة سواء في مجلس الشعب أو في دوائر التشريع ووزارة العدل حينها قد اغتالت هذا المشروع بإبقائه حبيس أدراج الذهنية الصدئة في مجلس الشعب منذ سنوات طويلة رغم الحاجة الماسّة إليه لاسيما في ظل واقع الطفولة السورية المزري حالياً بكافة جوانبه واتجاهاته ومستقبله المظلم والمخيف.
لسنا بصدد سرد ما قامت به الهيئة طيلة السنوات الماضية، لكن مجرد التفكير بتهميشها وإلحاقها بوزارة هو بحد ذاته كارثة حقيقية وفق الذهنية السائدة في عمل الوزارات والمؤسسات والهيئات التابعة لها، والأمثلة في هذا المجال كثيرة عن هيئات أخرى كانت مستقلة واغتيلت وتمّ تهميشها لمجرد إلحاقها بوزارة تشرف على عملها. وهذا معناه أننا فقدنا هيئة كانت مستقلة مالياً ومؤسساتياً وتعمل وفق ذلك على رفع مستوى مكونات الأسرة ومن جهة، ومحاولة وقف أو تخفيف العنف ضدّ المكونَين الأضعف في الأسرة( المرأة والطفل)، ومن جهة أخرى القيام بالعديد من الدراسات المعمّقة والأبحاث الجدية التي تناولت الوضع السكاني وملاحظة الفجوات الموجودة والتي تؤدي بالضرورة إلى تردي الوضع المعيشي والاقتصادي والصحي والعلمي في المجتمع في محاولة جادة لمعالجتها، وكذلك الدراسات الخاصة بالشباب السوري وتناول مشاكله المتأصلة أبداً والتي تُعيق تطور الحياة في أي مجتمع وتقديم الحلول المطلوبة للنهوض بتلك الشريحة التي تُعتبر ولا شك مستقبل البلاد والمجتمع على حدٍّ سواء وهذا العمل بمجمله يتطلب هيئة مستقلة مالياً أولاً، وإدارياً ثانياً بحكم حجمه ومتطلباته التي تعجز عنها ميزانيات وجهود الوزارات وروتينها الذي يُعيق ويُعرقل أكثر مما يُعطي.
كما أن الشكل المرسوم للهيئة في الفقرة/أ/ من المادة/6/ من القانون رقم/6/ لعام 2014 يشتت عمل ونشاط الهيئة بحكم تعدد الجهات المكونة لمجلس الإدارة وآرائهم المتباينة لدى تناول قضية ما مطلوب معالجتها، حيث تنص هذه الفقرة على:
المادة- 6
أ- يتكون مجلس الإدارة من:
* الوزير رئيساً.
* رئيس الهيئة نائباً للرئيس.
* ممثل عن الاتحاد النسائي يسميه رئيس الاتحاد عضواً.
* ممثل عن اتحاد نقابات العمال يسميه رئيس الاتحاد عضواً.
* خمسة خبراء أعضاء.
من مجمل ما تقدّم نرى أننا كمجتمع وحكومة نعود القهقرى للوراء ليس فقط بحكم ما نمرُّ به من أزمة ما زالت تُرخي بظلالها الكئيبة والكثيفة علينا جميعاً، وإنما أيضاً بفعل ذهنية حكومية يشي واقع عملها أنها لا تريد لا للمجتمع، ولا لأي من مكونات الأسرة النهوض من سبات التخلف والأزمات والقهر، وهذا ما هو مرفوض تماماً خاصّةً في هذه المرحلة التاريخية والحساسة والأليمة من حياتنا جميعاً، فهل للمسؤولين عن تلك القرارات والقوانين في الحكومة أن يعوا خطورة ما أقدموا ويقدمون عليه..؟