ألمرأة في فتاوى أليهودية الأُرثوذكسية ..



قاسم حسن محاجنة
2014 / 6 / 26

ألمرأة في فتاوى أليهودية الأُرثوذكسية ..
أثناء الدراسة الثانوية ، كان ضمن المنهاج الإلزامي ،في اللغة ألعبرية ، تعليم موضوع أل"تناخ " أي ألتوراة ، إذ تعلمنا أجزاء من سفر التكوين وبعض الأجزاء من سفر الأنبياء ، وما زلتُ أحفظ غيبا بعض الأيات والمزامير ، وهذا أمر محمود في رأيي ، لأنه أتاح لنا ألتعرف على ألفكر ألديني اليهودي . كما وتعلمنا قصصا عن بعض "الصدّيقين " والحكماء أو ألحاخامات (اليهود ) والذي يُرفقُ بأسمائهم في العادة مُصطلح "ذكراهم مُباركة " ، وهو شديد ألشبه باللاحقة بأسماء الصحابة المسلمين ، رضي الله عنه .
ما علينا صوّرت هذه القصص ، هؤلاء الصديقين والحاخامات ، كرمز للحكمة والتواضع ، ألزهد والتضحية، وكانوا أشبه بالملائكة سلوكا مما هم بشر كباقي البشر . ودارت هذه القصص حول الحاخامات الإشكناز غالبا .
وفي الكتب والسير الدينية ، وكالعادة ، كل شيء جميل ، لطيف وطاهر ،بالضبط كالكُتب المكرسة لسيرة بعض الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) ، لكن الكتب التمجيدية شيء ، والحقيقة شيء أخر تماما . وتتجلى ، أفضل ما تتجلى ، حكمة ألقدماء والمُعاصرين من الحاخامات ، في فتاواهم ، خاصة وأن المُعاصرين منهم يرتكزون ويعتمدون في فتاواهم على ما قرره ألسلف .
ويُلاحظ المتابع ، بأن ألفتاوى التي يُصدرها الحاخامات المُعاصرون ، شرقيين وإشكناز ، تُشبه جدا ما نعرفه من فتاوى السلفية الوهابية الإسلامية ، في قضيتين أساسيتين ،وهو موقف ألدين من المُختلف ومن المرأة .
وسأُحاول إستعراض بعض الفتاوى الارثوذكسية الخاصة بالمرأة ، وهي كثيرة جدا ، وأصحابها هم من كبار الحاخامات ، والذين "يسير " على خطاهم ، مجموعة كبيرة من "أتباعهم " .
وكانت أخر هذه الفتاوى ،هذا الأُسبوع ، ما أفتى به الحاخام شالوم كوهين ،رئيس مجلس حُكماء التوراة ، صاحب المرجعية الدينية لحزب شاس ، ويشغل منصب رئيس المدرسة الدينية (أليشيبا) الهامة ، بورات يوسف ، والذي أفتى بحرمة التعليم الاكاديمي للبنات وحصره فقط في مدارس تأهيل المعلمات لمدارس البنات المنفصلة في المجتمع الحريدي !! علما بأن الزعيم الروحي السابق لحركة شاس ،الراب عوفاديا يوسف ، والذي له فتاوى مشابهة ، قد "سمح " لإبنته "عدينا " بإنشاء كلية للبنات المُتزمتات ، وفيها، أي في الكلية ، يتم تأهيلهن كعاملات إجتماعيات . وابنته شخصية مشهورة في أوساط الحريديم وتحظى بتقدير من الحركات النسوية في إسرائيل .
لكن ، هل موافقة الراب المرحوم عوفاديا يوسف ، على هذه الكلية ، نابع من كون إبنته تقف وراءها ؟ أنا شخصيا أعتقد ذلك ، فقد شاهدتُ مقابلات معها ، وبرهنت من خلالها ،بأنها شخصية قيادية ، مُستقلة وتفكر خارج "الصندوق " الحريدي المتزمت . مع التأكيد على أنها مُنتمية لهذا ألتيار . لكنها الإبنة المدللة للراب عوفاديا أيضا ، لذا أنشأت كلية جامعية للبنات بموافقة ومباركة والدها والذي بدوره أصدر فتاوى تزدري وتحتقر ألمرأة .. ، ويأتي وريث والدها في المنصب ، ليفتي عكس ما أفتى به سلفه.
وكان الراب عوفاديا قد أفتى سابقا ، بمنع المرور بين إمرأتين ، ومن يفعل ذلك فكأنه يمّر بين حمارين !!
أما الراب شلومو أفينيري ، فقد قرر،بأن على " قوات الإنقاذ " أن تُنقذ الرجل قبل المرأة ، وكل ذلك لماذا ؟ لأنها بإنقاذها للرجل ، "ستُنقذ" ألفرائض الدينية المفروضة على الرجل والذي إذا مات سيتوقف عن تأديتها ، وهي أكثر بكثير من "فرائض " الأنثى !!
وتنضم هذه الفتوى الى سلسلة من الفتاوى "النسائية " الغريبة ، المستفزة والمُبخسة للمرأة ، إذ أفتى راب بحرمة قيادة المرأة للسيارة وخصوصا في المُدن المتدينة ، وهذا الراب هو شموئيل هليفي فوزنر وهو من كبار الرابانيم المتزمتين الإشكناز ، بحجة الحفاظ على "العفة " !!
بينما فتوى أُخرى تمنع الرجل من المرور بين إمراتين ، نخلتين أو كلبين ،لماذا ؟؟ خوفا من وقوع ضرر على ألرجل .. أي ضرر؟ ألسحر والشياطين !! يعني إذا سرتَ بين إمرأتين سيصيبك سحر أو يتلبسك شيطان !! هل يُذكركم هذا بشيء ما في "تُراثنا " الإسلامي ؟!
وأقصاء المراة من الحياة الدينية والعامة هي من بديهيات فتاوى رجال الدين اليهود المحسوبين على التيار الارثوذكسي ، فلا يحق لها أن تقود الصلاة ، وللنساء في الكنيس مكانهن المنفصل عن الرجال .
وقد ثارت ضجة كبيرة حينما خرج جنود متزمتون من قاعة غنّت فيها مُجندات ، لأن صوت المرأة عورة، وهذه ترجمة حرفية من العبرية لحُكم ديني ! وهناك قاعدة فقهية أخرى تُقرر بأن "كرامة إبنة الملك ( كناية عن المرأة ) في الداخل (أي في البيت )" ،وهذه القاعدة لا تستعمل كلمة إمرأة ، بل تستعمل كلمة " إبنة ألملك " ، ألا يٌذكركم هذا ، بالجوهرة المصونة والدرة المكنونة ، المقولة السلفية الإسلامية ؟ ومع ذلك ، وبما أن مهمة الرجل الارثوذكسي ،هي دراسة التوراة ، فالمرأة هي المُعيلة ، لذا تعمل النساء اليهوديات الارثوذكسيات أُسوة بأخواتهن العلمانيات ، وهذا في رأيي ، من الأُمور الجيدة ، لأنه ودون قصد ، يُعطي المرأة مكانة داخل العائلة !! على عكس أخواتهن المسلمات السلفيات ، اللواتي يتم حشرهن في المطبخ ، مملكتهن العظيمة ..
ولحسن ألحظ ، فأن إسرائيل ما زالت دولة مدنية ، وتتعامل أوساط واسعة من مواطنيها اليهود مع هذه "ألفتاوى " بإزدراء وسخرية واضحتين .
إذن لا فرق كبير بين السلفيات الدينية ، بل وأعتقد بأن هذا الشبه بل والتطابق بين اليهودية السلفية والسلفية الإسلامية يُثبت أن المنبع واحد . فقه ذكوري بإمتياز .
فالفقه هو منتوج بشري ، والأحكام "الشرعية " هي صناعة الرجال .