من تاريخ نضال النساء :النساء والاشتراكية الديمقراطية الألمانية



انيك ماهايم
2020 / 3 / 8

من تاريخ نضال النساء :النساء والاشتراكية الديمقراطية الألمانية ، ميلاد الحركة النسائية الإشتراكية الديموقراطية - (1889-1900)


انيك ماهايم - اليكس هولت - جاكلين هاينين


مؤتمرا الحزب الاشتراكي الألماني والأممية الثانية و قراراتهما

يمثل مؤتمر الأممية الثانية الثاني لسنة 1889 محطة بالغة الأهمية. ففيه ناقش الإشتراكيون لأول مرة، بشكل واسع وعلى صعيد عالمي، ليس فقط عمل النساء في المصانع، بل حتى مشاكل إستراتيجية يطرحها تنظيم العاملات. ويعود فضل ذلك إلى كلارا زيتكين. إذ كانت تمثل فيه، مع ست مناضلات أخريات، حركة العاملات الأوروبيات؛ وألقت فيه خطابا يستحق الانكباب عليه.

بدأت بالدفاع عن عمل النساء في الصناعة، ليس بالنظرا إلى ضرورة وحدة الطبقة العاملة وحسب، يل أيضا من وجهة نظر نسوانية: " مثلما يستعبد الرأسمالي العامل، يستعبد الرجل المرأة؛ وستظل مستعبدة مالم تستقل إقتصاديا. والشرط الذي لا غنى لهذا الإستقلال عنه هو العمل. إنها تستعيد فكرة ماركس وإنجلز التي مؤداها أن العمل يميل إلى إلغاء اضطهاد لنساء الخاص، وتفضي إلى النتيجة المنطقية التالية: بتبلترها تغير المرأة مضطهدها، ليصبح هو الرأسمال لا الرجل.
- ميزت موقفها عن النسويات البورجوازيات بالتأكيد على أن المساواة الحقيقية طوباوية - بالنسبة للعاملات- في ظل المجتمع القائم، وعلى أن تحرر النساء جزء لا يتجزأ من النضال لأجل الإشتراكية؛

- وبالتالي فإن الإستراتيجية الواجبة هي استراتيجية نضال البروليتاريا من كلا الجنسين بلا انفصال ، وهي كافية لضمان تحرر النساء، إذا كانت فعلا تروم إقامة الإشتراكية، ومن ثمة مبدأ:

"نحن لا نعترف بأي مسألة نسائية على نحو خاص –نحن لا نعترف أي مسألة تهم العاملات على نحو خاص! [...] إذن لا يبقى للنساء التواقات جديا إلى تحررهن إلا شيء واحد: الانضمام إلى الحزب الإشتراكي، الذي يناضل دون سواه لأجل تحرر العمال"

يتعلق الأمر هنا برؤية قليلة التبلور ستغتنى كثيرا فيما بعد. يمكن أن نسجل مثلا أن كلارا لا تضع في حسابها بتاتا مسألة العمل المنزلي رغم تطرق انجلز وبيبل لها: إنها تضع بثقة خارقة للعادة مصير النساء بأيدي الأحزاب الإشتراكية رغم أنها قالت في المؤتمر بخشونة: "نعم، بدون أية مساعدة من الرجال، وحتى ضد إرادة الرجال غالب الأحيان، جاءت النساء للانضواء تحت لواء الإشتراكية، وسيظلن!" ورفضت فكرة إمكان –غير حصرية – تضامن على أساس الجنس، كما مارسته النسوانيات البورجوازيات بأوروبا، وكذا أيضا العاملات الفرنسيات سنة 1848 و1870 على سبيل المثال.

لقيت أقوال كلارا ،حسب الشهود ، تصفيقات حارة، ما لا يعني أن ما طورت من مواقف قد تبنتها مختلف الأحزاب الحاضرة. يجب تذكر أن الأممية الثانية لم تكن منذ بدايتها سوى فدرالية بدرجة ضعيفة جدا من المركزية، وأن لمقرارات مؤتمراتها سلطة معنوية وليس بتاتا طابع إلزامي. كان مقرر مؤتمرها، سنة 1889، مؤيدا لعمل النساء الصناعي، و لأجر مساو لعمل مساو. ولكن دراسة معمقة لإنشطة مختلف الأحزاب الوطنية ستتيح،دون سواها، قول ما إذا طبق فعلا. وقد تضمن بندا كان لأمد طويل موضوع نقاش بين الحركات النسائية العمالية والبورجوازية: بند مطالب بحماية قانونية خاصة للنساء العاملات. فخشية أن تتيح مقتضيات من ذلك القبيل ميزا ضد النساء في التشغيل، كانت النسوانيات البورجوازيات يرفضن المطالبة بأي حماية (مثلا منع العمل الليلي)؛ وكذلك كان موقف كلارا (الذي تخلت عنه بعد سنوات).

سابقا غالبا ما كانت الحركة العمالية تطالب، على نحو ملتبس، بمنع بعض الأعمال على النساء؛ لكن الأمر يتعلق هنا– بوجه خاص- بحماية تأخذ بعين الإعتبار وضعية ضعف النساء على الصعيد الإجتماعي والأمومة. وقد صارت هذه الفكرة في الأخير سائدة بقدر ما كان المطلب المجرد بشأن مساواة "إرادوية" لا يراعي وضع العاملات الشنيع.

بعد المؤتمر بوقت وجيز، ظهرت بألمانيا كراسة لكلارا ( بعنوان العاملات والمسألة النسائية اليوم) حيث عاودت طرح الخطوط العريضة لخطابها، وشكلت مذاك مرجع الإشتراكية الديموقراطية الألمانية حول المسألة النسائية. وما ظل سائدا سنة 1889 كان موقفا مبدئيا.

سنة 1890 ، في مدينة هال، ناقش الديموقراطيون –الإشتراكيون (الحزب الاشتراكي الالماني) ضرورة جريدة تحريض خاصة بالعاملات (ستظهر باسم "العاملة"، وبعد سنة صدرت جريدة "المساواة". لا يخلو من فائدة أن نسجل إلى إي حد كانت المناضلة "إيما إهرير" التي قدمت التقرير في موقف دفاع. وهذا ما قالته بعد أن قدمت المشروع:

"نحن لا نسعى إلى حركة خاصة بالنساء، نحن لا نسعى إلى ممارسة الرياضة [...] يحق لنا أن نعامل منكم كرفيقات قائمات الذات . إدعمونا ماديا ومعنويا، وسيكون ذلك مثمرا. ليس الأمر نزوة بل أمرا جديا للغاية".

إن هكذا موقف يدعو إلى إعتقاد أن المعركة لم تحسم، وأن الإشتراكيات-الديموقراطيات قلما كن يحملن تحريض النساء محمل جد.

في 1891 بإيرفورت، قرر الحزب الاشتراكي الألماني أخيرا تبني برنامج مطالب منهجي خاص بالنساء. وكانت أهم نقاطه:

- حق كل النساء بعمر فوق 20 سنة في التصويت و الترشح للانتخابات

- إلغاء كل القوانين غير العادلة لاسيما منع الإجتماعات

- إنشاء مدارس مجانية إجبارية علمانية ومختلطة

- علاجات مجانية عمومية ، حتى للنساء النفساوات

- يوم عمل من 8 ساعات، منع تشغيل الأطفال (الأقل من 14 سنة). إلغاء كل عمل ليلي حيثما أمكن

- عطلة أسبوعية لا تقل عن 36 ساعة متواصلة.

من جهة أخرى، أحدث المؤتمر لجنة تحريض نسائية من أجل مركزة حركة نساء مرتبطة بالحزب الاشتراكي الألماني. وكانت لهذه اللجنة خاصية: كانت، على عكس جميع هيئات الحزب،منتخبة على حدة من قبل الاجتماعات النسائية ، وكانت تمثلها في الحزب (كان هذا الواقع غير المألوف ناتجا عن القانون البيسماركي الذي يمنع مشاركة النساء في الإجتماعات السياسية، وليس عن سعي إلى منح النساء استقلالا خاصا داخل الحزب). ترمز تلك اللجنة إلى إرادة تنظيم ملموس للنساء ومد الحزب بوسائل ذلك: إنها خطوة حاسمة، ربما أكثر من المصادقة على مقررات.

جرى التصويت على الخطوط العريضة لبرنامج إيرفورت بإجماع (إلا 3 أصوات) في مؤتمر الأممية الثانية سنة 1891 في بروكسيل. يبين هذا ما كان للحزب الاشتراكي الألماني من دور قائد فيما يخص المشاكل النسائية ايضا.

سنة 1892 بميدينة هال، وضع مؤتمر الجزب الاشتراكي الألماني نظام :"شخص الثقة" Vertrauenspersonen . يتعلق الأمر بحيلة للالتفاف على القانون: يجري تمثيل كل مجموعة نساء من طرف شخص ثقة ، غير قابل للحل من طرف النظام، ولا للمنع (لانه ليس مجموعة بل فردا). كان إجراء احتراز حكيم، إذ جرى سنة 1895 منع لجنة التحريض.

سنة 1893 اجتمعت الأممية الثانية بزوريخ وناقشت حماية عمل النساء. تخلف الوثائق التي انتجها ثونيسين Thônessen بهذا الصدد انطباعا غريبا. ومن جهة أخرى ينطرح سؤال لماذا عاد المؤتمر إلى هذه المسألة التي تبدو محسومة. لأنها طبعا بعيدة عن ذلك، رغم مقررات باريس وبروكسيل المنوه بها سابقا. كان المندوبون منقسمين جدا، فالبلجيكيون يعارضون أية حماية خاصة بالعمل النسائي (كما هو رأي أحد الإنجليز وكلارا)؛ وقدمت الألمانية لويز كاوتسكي من جهتها مقررا يطالب بحماية العمل النسائي مراعاة لدور الأم. يبدو أن هذا الموقف الأخير هو الذي يأخذ مشاكل العاملات بالحسبان على نحو أفضل؛ وصودق عليه مع تعديل بشأن المساواة في الأجر. ولكن الغريب هو طريقة دفاع لويز كاوتسكي عن مقررها، إذ طالبت بـ "حماية النساء، ليس لمصلحة جنسهن الخاص، بل بالنظر إلى مصلحة المجتمع برمته"؛ مؤدى فكرتها أن تحقيق المطلب سوف يتيح الضغط –فيما بعد- لأجل حماية عمل الرجال. يبدو أمرا لا يصدق المطالبة بشيء للعاملات، مع تفسير أنه ليس لأجلهن، (لأجل الإحسان إذن؟). لأية ضغوط تعرضت لويز كاوتسكي؟ ولماذا تدافع كلارا عن موقف قريب من مواقف النسوانيات البورجوازيات؟ أليس خوفا من أن تعني "الحماية " منعا"؟ أليس في الأمر شبح نقاش الأممية القديم (حول منع عمل النساء) الذي يجول في القاعة ويخلط الأوراق؟ يوحي موقف لويز كاوتسكي وكلارا أن إحداهما تخشى ألا يمر مقررها بسبب اقتصاره على النساء، فيما تخشى الأخرى استعمال هكذا موقف لإرجاع النساء إلى بيوتهن. ليس هذا إلا افتراضا، ولكنه يعطي فكرة عن أجواء النقاش.

في العام 1895، أضاف الحزب الاشتراكي الألماني مطلبين جديدين إلى برنامجه: - 1- حضور نساء مفتشات في المصانع . 2 - اعتراف الدولة بالأطفال غير الشرعيين وتساوي حقوق الأمهات العازبات و حقوق الأمهات المتزوجات. لا شك أن نوع المطالب الملموسة جدا هذا ناتج عما كسبت نساء الحزب الاشتراكي الألماني من تجربة من صلاتهن بالعاملات.

وفي العام 1896، صادق مؤتمر غوتا للحزب الاشتراكي الألماني على مقرر يحدد المحاور الإستراتيجية لبناء حركة نساء بروليتارية، ويميزها من جديد بجلاء بالغ عن النسوانية البورجوازية. وبعد إيضاح كيف يدفع الوضع الذي خلقته الرأسمالية نساء البورجوازية الصغيرة والمتوسطة إلى المهن الحرة حيث يطالبن بنفس الحقوق ونفس التكوين، يواصل المقرر:

"إن معركة النساء من أجل هذه المطالب هي معركة مصالح بين نساء ورجال تلك الفئات. وبما أن كل معركة مصالح اقتصادية تتخذ بعدا سياسيا،فإنها تدفع النساء إلى المطالبة بالمساواة السياسية بين الجنسين. و فقط بتحقيق هذا المطلب ستحصل نساء البورجوازية الصغيرة والمتوسطة على المساواة الكاملة مع الرجل".

وبالعكس، للرأسمالية تأثيرات أخرى على نساء الطبقة العاملة المعرضات قبل كل شيء لإستغلال العمل المأجور.

"هذا ما يجعل معركة تحرر النساء البروليتاريات ليست معركة ضد رجال طبقتهن، بل على العكس معركة مشتركة مع رجال طبقتهن ضد الطبقة الرأسمالية".

إن العاملات، إذ يطالبن بالحقوق السياسية وبحق التصرف بثمرة عملهن، فما من مصلحة مشتركة تجمعهن بنساء الطبقات الأخرى. وسيكون تحررهن "من صنع البروليتاريا كلها دون تمييز بين الجنسين". لذا، يجب ان يكون الهدف الجوهري للتحريض بين العاملات إيقاظ وعيهم الطبقي.

عمل النساء وتحرر النساء

بقصد فهم أفضل لما كانت الاشتراكية-الديموقراطية حوالي متم القرن، تجب العودة إلى مسألة عمل النساء المثيرة للجدل. ليست معضلة المنزل والعمل معضلة سهلة. يجب أولا وضعها في سياقها التاريخي. تعطى إيفلين سولروت في دراستها حول عمل النساء معلومات تزعزع الكثير من الأفكار الجاهزة. تبرز أولا أن النساء يشتغلن مهنيا منذ أقدم العصور،ولم يشرعن في ذلك في القرن 19! لقد ُوجدت هيئات مهنية نسائية قوية في العصر الوسيط. وفي القرون 17 و18 و19 مارست النساء الحرف، وكن عاملات في المعامل، ومنحن بوجه خاص عملا ضخما في القرى (يجب استحضار أن عمل معظم السكان كان، قبل الثورة الصناعية، في الزراعة). وكن من جهة أخرى يقدمن عملا منتجا مهما في إطار الإقتصاد المنزلي. لكن هذا العمل لم يكن قط معترفا به اجتماعيا ولا معتبرا ذي قيمة، ما جعله يبدو غير موجود. وقد تباينت كثيرا،على مر العصور، المجالات المخصصة للنساء، لكن ثمة خاصية ثابتة متمثلة في بخس منهجي لقطاعات نشاطهن (نعيد إلى الأذهان أن مهنة السكرتير كانت في مطلع القرن 19 ذات اعتبار ومخصصة للرجال).

ليس عمل النساء الأمر الصادم في القرن 19، بل ذهابهن إلى المصنع، ما كان بنظر ملاحظي تلك الحقبة مفجرا للأسرة. والحال ان توجه النساء إلى المصنع ليس طلبا لمتعة فيه، بل لأجل البقاء على قيد الحياة، إذ ينلن أكثر في ساعات عمل أقل قياسا على ما يكسبن بالمنزل بأدوات بدائية. وللرأسمال من جهته مصلحة من جذب كتلة العاملات بأجور زهيدة والقابلات للتسريح على نحو أسهل مما هو حال الرجال (يدخلن البيوت ، ما يجعل بطالتهن غير مرئية).

تبين الإشتراكيون الأنفذ بصيرة آنذاك أن في الأمر تطورا بلا رجعة، وأن التصدي له لن يفضي سوى إلى تقسيم البروليتاريا أكثر مما هي أصلا، مع مفاقمة وضع العاملات، اللائي يتعذر بجميع الأحوال منع ذهابهن إلى المصنع. وقام الأكثر نسوانية منهم بتطوير فكرة أن العمل المأجور يحرر النساء بما يتيح لهن من استقلال اقتصادي، وباخراجهن من إطار الأسرة المحدود، وبإتاحة إمكان مشاركتهن في النضالات الإجتماعية. لكن ما طـُرح كان نصف المشكل فقط .

فالمصنع الذي ينضاف إلى البيت والأطفال يضع العاملات في وضع جهنمي. عند نهاية القرن جرت صياغة الشق الأول من الجواب الإشتراكي، في شكل دمج النساء في الحركة الإشتراكية والنضال من أجل الحصول على الحقوق التي ستتيح لهن الدفاع عن النفس (حق التصويت- حق الإجتماع) وجملة مطالب ضد فرط إستغلالهن.

ولاحقا، حوالي 1906-1908، طالب الإشتراكيون بتحمل المجتمع العمل المنزلي وتربية الأطفال بقصد تخليص النساء منهما. هذه الفكرة نابعة من عند الإشتراكيين الطوباويين، وقد ابرزتها النساء في فرنسا في 1848 و1870 بخاصة، ثم من طرف إنجلز وبيبل.

كان هذه الإجابة المزدوجة الوحيدة التي تتيح تجاوز مأزق "العمل أو البيت" (كانت الدعوة إلى العودة إلى البيت يوتوبيا، من جهة، و تقود من جهة أخرى إلى تقوية تبعية النساء وعزلتهن). ليست الإجابة الإشتراكية في منتهى منطقها قابلة للتحقيق في المجتمع القائم (أو فقط جزئيا وعلى نحو مشوه)،وكانت تتطلب استيلاء البروليتاريا على السلطة وتشريك الانتاج. لذا ندرك لماذا يربط الإشتراكيون، بلا انفكاك، تحرر النساء بالصراع الطبقي.

نشاط الاشتراكيات-الديموقراطيات وتنظيمهن الملموس حتى سنة 1900

حتى متم القرن كان تنظيم النساء السياسي والنقابي يتقدم ببطء بالغ. في العام 1891، كان عدد النساء في النقابات 4355 ، أي نسبة 1,8% من مجمل منخرطيها؛ وبلغ ذلك العدد 22844 سنة 1900، أي نسبة 3,3% من مجمل اعضاء النقابات. يطابق التقدم المعبر عنه بارقام مطلقة بلترة النساء الكثيفة في نهاية القرن، لكن نسبة النساء في النقابات لم تتطور إلا ببطء. فيما باتت الإشتراكية الديموقراطية حزبا قويا وحصلت في العام 1890 على زهاء 1,5 مليون صوت في الإنتخابات، ظل عدد مندوبات النساء إلى المؤتمر ضئيلا جدا (بين 4 و7 مندوبات في سنة 1900).

ثمة سببان أساسيان لهذا الواقع.

أولهما وضع العاملات ذاته. يصف مقال في جريدة "المساواة " (1898) بدقة ما يواجهن من مصاعب في سبيل تنظيمهن. جاء فيه:

"أين ستجد العاملة النشيطة في العمل وفي البيت وقت الذهاب بانتظام إلى إجتماعات النقابة؟ أين ستجد الطاقة البدنية والنفسية، والطراوة وقوة الشكيمة الضرورية للتفكير في وضعها، ولتدرس في الصحافة والإجتماعات دلالة الحركة النقابية؟ [...] حرية تحركها على صعيد الحياة العامة، ومن ثمة إمكان مشاركتها في الحياة النقابية، أدنى من مثيلتها لدى العمال الذكور، أو لدى النساء البورجوازيات".

من جهة أخرى، يؤدي القانون المانع مشاركة النساء في الاجتماعات السياسية إلى عرقلة كبيرة لجهود المناضلات الإشتراكيات: في العام 1900 كان القمع شرسا، وتجلى في عدة محاكمات ومتابعات بوليسية؛ وبلغ الأمر بالسلطات حد منع ولوج العاملات حفلات رقص وأمسيات مسرح في بعض المناطق! رغم مساندة الحزب وما يمثل من"غطاء" ضد القمع، تناضل النساء إذن، حيثما يطبق القانون البروسي، في وضع سرية (ماعدا في بعض مناطق الجنوب حيث الإجتماعات المختلطة قانونية.)

رغم هذا، يجري عمل تحريض وتنظيم صبور. اشارت جريدة "المساواة" إلى عدة اجتماعات، وتظاهرات ونضالات عاملات خلال تلك السنوات. كانت المناضلات الاشتراكيات، رغم قلتهن (كن على الأرجح أقل من ألف عضو) ، يذهبن إلى المصانع والأحياء، ويدعين النساء للمشاركة في الإضرابات ودعمها، وإلى الانضمام إلى النقابة. وينظمن اجتماعات لأجلهن، حيث تـُعرض الأهداف العامة للإشتراكية ومشاكل مثل النزعة العسكرية وتحرر النساء، وحيث تناقش الأجور، والضرائب غلاء المعيشة. وفي تحد سافر للبوليس شاركت العاملات في مظاهرات فاتح مايو، ونزلن إلى الشارع لدعم حملات الحزب الإنتخابية وساندن معارك الفريق البرلماني الإشتراكي في الرايشتاغ.

جريدة "المساواة"

قامت جريدة "المساواة" بدور هام في بناء الحركة. وطيلة سنوات كانت كلارا بمفردها مشرفة عليها، ونجحت في عمل بطولي متمثل في إصدار تلك الجريدة ذات الجودة الاستثنائية بانتظام كل اسبوعين. اشتغلت على قاعدة مراسلات ومقالات عديدة يرسلها المناضلون/ت. كانت "المساواة" تصدر في اربع صفحات كبيرة ، وكان كمية سحبها قليلة (4000 نسخة سنة 1900). كانت بالجريدة مقالات عن المشاكل السياسية والإجتماعية الكبرى، وعن أسس الماركسية، والاخبار الوطنية والدولية، وتقارير عن نشاط الحزب.

وكان باب منتظم يعرض نشاطات الحركة النسائية. و يتناول معظم المقالات وضع النساء في العمل و مشاكل النضال لأجل التحرر من وجهة نظر طبقية؛ و جرى التطرق فيها لمسائل بالغة التنوع ، مثل الدعارة، والأطفال، وتشريع الطب. وترصد الجريدة بانتظام أنشطة النسوانيات البورجوازيات وما تحرز نساء المهن الحرة من نجاحات، وفي الجامعة وعلى صعيد النضال من أجل الحقوق المدنية (وطنيا وعالميا).

وتسهم قراءات نقدية لكتب، ومقالات في تاريخ الحركة العمالية والنسوانية (مثل سلسلة كبيرة حول لويز ميشال أو حول مادام رولاند، وقصص قصيرة ممتازة في حلقات (زولا – تواين – برنار شو – غي دو موباسان) في منح جريدة "المساواة" مستوى ثقافيا عاليا. وأكملت الأعمدة المفتوحة للنقاشات وللسجالات السياسية أداة التفكير تلك. لم تكن "المساواة" تنفرد –ضمن صحافة الحزب- بالمقالات حول مشاكل النساء، إذ ُبذلت جهود في هذا الباب في جرائد مثل دي نيوزايت و Sozialistische Monatshefte ، وكذا في الصحافة المحلية، على نحومتفاوت.

يمكن القول إن بناء الحركة النسائية الإشتراكية كان يجري، حتى متم القرن، في ظروف صعبة جدا، وكانت تناضل من أجل وجودها العملي والنظري. كان خيار كلارا واضحا : يجب أولا تنظيم نواة صغيرة متماسكة حول مواقف ماركسية حازمة، أي طليعة، قبل التفكير في التوجه إلى فئات اوسع من النساء. حددت في 1913 مهمة الجريدة في السنوات العشر الأولى كما يلي: "قديما كانت "المساواة" صحيفة رفيقات ممثلات نخبة من البروليتاريا النسائية، حاصلات قبلا على تكوين مهم إلى حد ما بصدد الحركة العامة. وكان تطوير تربية تلك النخبة المثقفة، وترسيخها في كل مترابط أنبل مهام جريدة "المساواة".

كانت تلك السياسة مثمرة، إذ أتاحت مد الحركة، التي باتت جماهيرية قبل الحرب، بقيادة بالغة الكفاءة و الخبرة. ومكنتها بوجه خاص من مقاومة سطوة اليمين المتنامية داخل الحزب ، في النقاش الذي سيخترقه.

تجدر الإشارة إلى أن وجود هذه الحركة الفعلي هو الذي اتاح تطور المواقف واغتناءها. ويمكن اليوم القول، مع المسافة الزمنية، إن الإسهام الرئيس لكلارا والمناضلات اللائي عملن الى جانبها لم يكن أساسا على الصعيد النظري: فما عدا جملة مسائل تكتيكية وصياغة مطالب ملموسة (وهذا بذاته كثير) ومسألة العلاقة مع النسوانية البرجوازية، ظل جوهر تحاليلهن حتى العام 1917 نفس ما لدى انجلز وبيبل. تمثل إسهامهن الحاسم في العمل الميدذاني لبناء حركة نساء إشتراكيات طيلة عشرات السنين، على نحو لا مثيل له قبلهن.



من كتاب : النساء و الحركة العمالية : المانيا قبل 1914، الثورة الروسية ، الثورة الاسبانية بقلم : انيك ماهايم - اليكس هولت - جاكلين هاينين

منشورات لابريش - باريس 1979