نمــور مـن ورق



نضال نعيسة
2005 / 7 / 31

كنا نرتعد خوفا ,بفعل ثقافة الإرهاب والخوف,حين يظهر أحدهم على شاشة التلفاز ,أو أن يذكر اسمه في أي مكان ,وكان علينا دائما أن نقدم فروض الطاعة والنذور والأضاحي , ونتضرع أمامهم شفاعة, ليس لشيء ,إلا لنبقى على قيد الحياة, نجترع السم, والحنظل, ونشرات الأخبار ,وصور الجنرالات,وليس لكي ننعم بما هو جميل وبمباهج الحياة التي وهبتها الطبيعة.كنا ,دائما,مجرد ديكور مكمل,ولكنه غير هام في الجوهر, لصورتهم التي يجب أن تظهر وحولها العبيد الخانعين يطلبون الشفاعة ,والصفح ,والبركات.وكان كل ما يقوموا به ويفعلونه مقدسا ,وحقا مطلقا ,وكل كلمة يقولونها دستور حياة, ومبدأ يجب أن تسير عليه الأجيال بتؤدة, ودونما أي انحراف.لقد علمتنا ثقافة الخوف ألا نناقش ثقافة البدو الأجلاف ,وأن ننصاع ,ونطيع ,وننبطح ونسير مع القطيع السائر نحو الحتف الحضاري والهلاك ,ناهيك عن شهادة الوفاة الرسمية الصادرة منذ ألف وخمسمائة عام.

لقد سوّق الإعلام الرسمي المنافق,ولغاية في نفس وزراء الإعلام ومستشاري القصور, هؤلاء الملالي وأصحاب العمامات على أنهم الحق المطلق وكل ما يقولونه ويصدر عنهم صراطا مستقيما,يجب أن يتبع ,وأحاطوهم بهالة من الورع والتقوى والوقار.وكانت ظروف الحصار الإعلامي والإغلاق تدعم هذا الاتجاه. ولكن مع ثورة المعلومات وانهيار السدود والتحصينات والقلاع كان هناك كلام آخر تمنى عشاق الظلام ألا يشرق يوما على البشرية وأن يبقوا في أوكارهم الظلماء يقودون معركة التجهيل ,والأمية, وغسل الدماغ.

ففي المواجهة الساخنة بين الدكتورة المستنيرة وفاء سلطان,والتي حسمت لصالح "ناقصة العقل والدين"حسب توصيف هؤلاء ,وأحد دعاة الظلام, في برنامج الصديق المشاكس فيصل القاسم الاتجاه المعاكس, برزت الكثير من الدروس والعبر الجديرة بالتأمل والتمعن .فهل كان "مكرا" مقصودا من فيصل أن يحضر "امرأة", لتتصدى لرجل لم تفلح كل الثقافة الفرنسية وحضارتها العظيمة,حسب تبجحه, في أن تزحزح أفكاره قيد أنملة ,وأن تدخل ثنايا دماغه الذي يعيش بعملية غسل الدماغ الناجحة التي تعرض لها.بالمناسبة الإستفتاءات لا تعني شيئا طالما أن معظم المصوتين يفتقرون للأهلية الفكرية التي تمكنّهم من التصويت بحرية بعيدة عن أية ضغوطات ,وإملاءات عقائدية تجرّم أي "اتجاه معاكس أو مغاير",وغير قادرين ,بالتالي"على الخروج من منظومة التابوهات التي تكبلهم,وبذلك فهم غير أحرار في أي قرار,ولذلك,ومن منظور قانوني, فالنتيجة بحكم الملغاة.

النقطة الأولى,هو التفوق العقلاني والمنطقي والحواري "لناقصة عقل ودين",والتي سمعنا صوتها القوي الثابت الواثق أمام نمر ورقي سوقه إعلام الاستهبال وثقافة الجبن ,والرعب ,والخواء على أنه غضنفر فولاذي لا يهين ولا يلين ولايستكين ولديه كل الحجج والبراهين ويمتلك كل أدوات الإقناع,والقناعات والمسلمات المعدة سلفا والمدعومة بـ "المطاوعة"وقطاع الرقاب,ولم نجد سوى محاورا عاديا يردد بلاغة أكل الزمان عليها وشرب ,ولم تعد تقنع حتى الأطفال, ويرغي ويزبد ,ويهدد ,ويتوعد "امرأة" فيما وراء المحيطات متوعدا إياها بالهلاك والسعير الذي يمتلك نسخة من مفاتيحه ,أورثته إياه مؤسسة العقم والإرهاب.وقد دحضت كل ادعاءاته الهشة القائمة على مسلمات سلفية دعمتها وأبقتها حية ,على الآن ,ثقافة السيف التي كان لها الفضل الأول في بقائها واستمراريتها.فلقد أفحمته وحشرته في "خانة اليك",لمن يعرف لعبة النرد ,برغم استعماله لكافة أسلحة الدمار العقلي الشاملة الإرهابية التي خبرناها عبر الزمان.

الثانية هو ان الهدوء,والرزانة ,والرصانة تفوقت على سياسة "الزعيق والبعيق والنعيق" والتهويل السائدة التي تربينا عليها وتشربناها في المدارس والمعاهد الممولة حكوميا, ولم تستطع من أن ترهب الدكتورة الفاضلة في أن توصيل رسالة الحقيقة الإنسانية العظيمة وتكشف عورة هذا الفكر الظلامي الأسود الذي أوصلنا شفير الهاوية والهلاك,وكان السلاح الأمضى في حالة الخنوع التي نعيش.وظهر تراجعه المريع ,وضعفه المهين أمام المنطق ,وسلاح الحوار الهادئ الذي يفجر فيهم كل نوازع الشر والهمجية والبدائية.وان السطوة والقوة هي للعقل البشري المبدع الخلاق سواء أكان حامله رجلا أم امرأة,فالأمر سيان.

الثالثة, أن مثل هذه المواجهات تكسر كل المحظورات والممنوعات ,والتابوهات التي تكرس الجهل والأمية والحصار,وأن كل شيء قابل للوضع على طاولة النقاش ,ولا يوجد شخص مقدس ,ومعصوم أمام قوة وعظمة العقل البشري الخلاق الذي يستطيع أن يقدم السعادة والخلاص للبشرية أكثر من مجرد مقولات جامدة صماء لم تفلح عبر قرون من نقل الإنسان إلى ضفة السعادة بل زادت في تعاسته ,وشقاءه,وانحطاطه مع الأيام.كذلك انهيار ذاك الحظر ,والجدار الشاهق الذي حاولت قوى الظلام تشييده أمام انطلاق العقل وتحرره من الأباطيل والأوهام أمام قوة المنطق والعقل.وعندما تكون النظرة للحياة والأشياء سليمة,لابد ستكون القرارات والخطوات سليمة هي الأخرى.وحين تفتح الأبواب والمجالات أمام نوافذ النور فهزيمة الظلام واقعة لا محال.

أيضا ,وأيضا ,أفسحوا المجال لقوى التحرر والتنوير والعلمانية,حتى لو كانت من الجنس الناعم الرقيق اللطيف, لتروا كيف تتساقط النمور الورقية وتهوي وتحترق ,وهذا ما ستعجز عنه حتما كل قمم الإنقاذ العتيدة ,وحلول رجال المخابرات العقيمة في مكافحة ضباع الإرهاب السمان .

وأخيرا ,والأهم من ذلك كله,حين ينمو العقل في ظروف صحية ,وليبرالية ,وديمقراطية ,لابد سيكون الإبداع والتفوق والاختراق هو النتيجة المنطقية,وهذا بالضبط ما قدمته الدكتورة المتألقة وفاء سلطان ,ومن على هذا المنبر الحر ,أشد على يديها ,وأوجه لها أرق التحيات.وكل الشفقة والمواساة لهذا النمر الورقي الذي تهاوى أمام "ضلع قاصر",و" وأنثى ناقصة عقل ودين,حسب ثقافة الفقهاء".