حوار مع خبيرة تطوير المؤسسات هيفاء أسعد



محمد كريزم
2005 / 8 / 7

حوار مع هيفاء أسعد خبيرة تطوير المؤسسات والمستشاره في مكتب ممثلية الإتحاد الأوروبي في رام الله حول واقع دوائر ومكاتب المرأة العاملة في الوزارات والمؤسسات الحكومية والأهلية والأليات الممكنه لتطوير عملها بما يلبي إحتياجات القاعدة النسويه العريضه وتحقيق أهدافها التي من أجلها أسست وفيما يلي نصه:

هل تعتبرين أن لجان المرأة الموجودة في الوزارات والمؤسسات الحكومية والأهلية تقوم بواجباتها ومسئولياتها كما ينبغي، أم أنها مجرد استكمال لهيكلية إدارية؟

في الحقيقة، ليس مهما قياس مدى قيام تلك الدوائر بمسؤولياتها أم لا، ولكن الأهم معرفة مدى جدوى تلك المسؤوليات بتحقيق ما يطمح له من أهداف وتطويرات على واقع ودور المرأة الفلسطينية على المستوى الوطني. فما هو أهم مراجعته وقياسه، مدى توفر رؤيا لدي تلك الدوائر حول ما تريد إنجازه بشكل حقيقي وفعلي أولا، ومدى إدراكها لما يلزم تطويره من خطط ولآليات لإنجاز تلك الرؤيا. وعلى الرغم من أن ما تعانيه تلك الدوائر من ضعف ليس بمعزل عن ما تعانيه المؤسسات الحكومية بشكل عام من غياب للبناء والتفعيل المؤسساتي، وعدم شمولية وتوحيد للسياسات والإستراتجيات الوطنية، إلا أن ما تعاني منه دوائر المرأة على ذلك الصعيد يفوق ما تعاني منه المؤسسات الحكومية بحكم ما تحتاجه تلك الدوائر والفئة التي تستهدفها من خصوصية وتركيز أكبر في الخدمات والخطط من حيث النوعية والكمية. فاللأسف فإن تلك الدوائر ليس فقط لا تعطي الخصوصية ضمن أولوليات المؤسسات الحكومية، بل على العكس من ذلك، فهي إن لم تكن من الدوائر الأكثر حظا داخل الوزارات وتستقطب التمويل الدولي بعنوانها، والذي هو واحد من أهداف تشكيلها أصلا، فإن تلك الدوائر ترفد بأقل الإمكانيات، سواء البشرية منها أو المادية. بالإضافة إلى أن إناطة مسؤولية الطفولة بتلك الدوائر بالضرورة، يضع رؤيا الجهة الحكومية والمرأة ضمن الأدوار التقليدية المنوطة بها على مستوى الأسرة والمجتمع بشكل عام، وهذا بحد ذاته يعتبر مؤشرا لغياب رؤيا حقيقية على المستوى الوطني للدور المتوقع أن تقوم به تلك الدوائر من جهة، ولربما غياب رؤيا حول موقع المرأة ودورها على الصعيد الوطني بشكل عام من جهة أخرى. لذلك فإن المرأة ودوائرها لا تكون أجندة أولويات تلك الوزارات والدوائر الحكومية، إلا إذا كما ذكرنا سابقا لمتابعة في حالة استقطبت التمويل أو لدعم الاستقطاب للتمويل بشكل عام، كجزء من شروط الممولين الدولية، ألا وهو توفر مفهوم النوع الاجتماعي في البناء المؤسساتي الحكومي، كسياسات، وكهيكلية وآليات وبرامج.
أما على صعيد المؤسسات الأهلية، فعلى الرغم من وجود ملاحظات عديدة على الدور الذي تقوم به تلك المؤسسات على صعيد واقع وحقوق المرأة، والتي تتعلق بغياب تمثيلها للقاعدة العريضة من النساء الفلسطينيات، إلا أن لها جهود هي بحد ذاتها جزء من جهود المجتمع المدني ككل، حيث استطاعت تلك المؤسسات أن تحقق بعض الإنجازات، على الرغم من ضعف إمكانياتها، والعراقيل العديدة التي توضع أمامها، وخاصة ما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية، والدفاع عن بعض القضايا النسوية المصيرية. ولكن تلك المؤسسات بدورها هي أيضا، تحتاج إلى مراجعة لرؤيتها، ولأهدافها، حيث يحكم أجندتها وأولوياتها التمويل، والتفرد وعدم التواصل مع المرأة واحتياجاتها الشاملة محليا، وجدوى التعامل مع تلك الاحتياجات بمعزل عن احتياجات المجتمع بشكل متكامل.

ألا تعتقدين أن إنشاء تلك الدوائر واللجان يعتبر عزلاً للمرأة لاسيما في ظل الحديث الدائر حول المشاركة والمساواة في كافة المجالات والميادين؟

في الحقيقة مع قناعتي التامة، بحاجة المرأة الفلسطينية للخصوصية لإحداث التوازن مع الرجل على المستويات المختلفة، ولتعبئة الفجوات التي تعاني منها المرأة على الأصعدة المختلفة، ولموافقتي أيضا على أن هذه الدوائر ليس فقط لا تخدم الأهداف التي أقيمت من أجلها، بل إنها كذلك وبواقعها الحالي، تساهم في شل الطاقات النسوية العاملة في تلك الوزارات. ففي الوقت الذي من الممكن أن تقود تلك النساء، واللواتي يعتبرن كفاءات، تفعيل أولويات واحتياجات المرأة كجزء من احتياجات المجتمع بشقيه المرأة والرجل على مستوى الوزارات بشكل عام، إلا أن طاقات تلك النساء تهدر، وتعزل في دوائر لا تعتبر من الدوائر الفاعلة ضمن الهيئات الحكومية من ناحية، ويحرمن من التنافس والتطور في الدوائر الأخرى والتأثير بالتوجه الذكوري للمؤسسة، وأخذ فرص للوصول إلى مواقع قيادية على صعيد المؤسسة العامة.
كذلك الأمر بالنسبة للنساء اللواتي يقدن المؤسسات النسوية المتخصصة من القطاع الأهلي، ففي الوقت الذي يتم تضيع كفاءاتهن في معارك أعتبرها جانبية، من الممكن أن ترتقي بعضهن إلى مواقع صنع القرار لخدمة قضايا المرأة وإحداث التغيير، في مؤسسات يجب أن يكون التأثير فيها مباشر ويومي مكثف. هذا بالإضافة إلى أن تلك النساء وإنجازاتهن، لا تحسب ضمن إنجازات المجتمع بتركيبته الذكورية، حيث لا ينظر إليهن من قبل الأغلبية في المجتمع، وخاصة الأجيال الجديدة، على أنهن رموز نجاح للإقتداء والقيادة، لهذا فإن القاعدة النسوية، بطروحاتها للتغيير تفقد قنواتها الواسعة والعريضة للتأثير الحقيقي بهذا المجتمع، ضمن المنابر الأوسع والأكثر تأثيرا، مع العلم أنني لا أقلل من أهمية الدور الذي تحاول تلك المؤسسات القيام به، إلا أنه يبقى محدودا، ويناسب مرحلة سابقة، كانت فرص المرأة في التعليم والعمل والتطور والدخول إلى المنافسة في مؤسسات الرجال نادرة، ولربما معدومة للأغلبية.


ما هي أفضل الطرق الممكنة لتطوير عمل وأداء تلك الدوائر واللجان في ظل الواقع الراهن وعدم توفر الموازنات؟

برأيي أن تطوير أداء وعمل تلك الدوائر، ليس بمعزل عن تطوير عمل وأداء المؤسسة الفلسطينية بشكل عام، وخاصة الحكومية. فمن الواضح أن الواقع الفلسطيني يعاني من غياب البناء المؤسساتي والذي يترافق مع غياب التخطيط الإستراتيجي، وواقع دوائر المرأة ليست بمعزل عن ذلك. فتطوير أداء تلك الدوائر والمؤسسات يرتبط بإيجاد البناء المؤسساتي على المستويين الحكومي والأهلي، والأهم تفعيل ذلك البناء، والذي يعتمد على وضع الهيكليات الواضحة، واللوائح الداخلية، والوصف الوظيفي وتوضيح تقسيم العمل والمسؤوليات، والأهم ضمان الشفافية وسيادة القانون. كما أن التخطيط الإستراتيجي الوطني القطاعي منه، والعام لا يقل أهمية عن البناء المؤسساتي، والذي بالضرورة يجب أن يضع المرأة باحتياجاتها ضمن الأولويات الوطنية، والذي يجب أن ينعكس في السياسات والخطط الوطنية، ودعم وزارة شؤون المرأة دوائر المرأة بالكادر والموازنات وتفعيل دورها ضمن رؤية شاملة للمؤسسة أو القطاع.

من خلال متابعتك لعمل تلك الدوائر و اللجان هل هي تسير وفق برامج وإستراتيجيات أم أن عملها عشوائي؟

بالتأكيد لا نستطيع أن نعمم بالإجابة على هذا التساؤل، حيث إن بعض تلك الدوائر في المؤسسات الحكومية تعمل وفقا لإستراتيجيات وخطط عمل والبعض الأخر يعمل بشكل عشوائي كيفما توفر التمويل والموازنات. ولكن تبقى المرأة ضمن تلك الخطط والإستراتيجيات لا تأخذ حقها ضمن الأولويات، ولربما يبقى الاهتمام بها من منطلق تكميلي وليس من منطلق اعتبارها بمن تستهدف، على رأس الأولويات. كما أن الرؤيا لدور الدوائر والمرأة التي تنبثق عنها تلك الإستراتيجيات والخطط بحاجة لمراجعة وتصحيح ضمن رؤيا تضع الدوائر والمرأة في إطار التخطيط الفعلي لتغيير واقع المرأة بشكل يتناسب ودورها، وإمكانياتها وتأثيرها في البناء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وليس كشكل تكميلي للبناء الهيكلي. أما اللجان العاملة في حقوق المرأة، فقد تكون لها أجندة ورؤيا خاصة بها والتي تحاول بعضها تحقيقها، ولو جزئيا، ولكن تبقى تلك الأجندة، للآسف محكومة بالتمويل من جهة، وأطر عمل يتم تطويرها بشكل غير شامل، لغياب التكامل والتعاون الحقيقي ما بين تلك اللجان ولعدم ربطها بالرؤيا التنموية الشاملة للمجتمع من جهة أخرى.