يوميات أنثوية (5)



امال طعمه
2014 / 8 / 7

تنتظرني معارك كثيرة ..حروب ..مواجهات ..مع الأخرين مع القدر والظروف لكن أعتاها مع نفسي ..كل المعارك المهمة في حياتي كلها كانت بداخلي ..لا أنكر أني صعبة وعنيدة ومتطلبة ولكني في داخلي مازلت طفلة قد تلتهي بأي شيء وتصدق كل شيء أو أنني أحببت أن أصدق أن هناك ما زال أمل نعم تمسكت بأفكاري، وشددت من عزيمتي، لم أيأس أبدا بأن يوما ما سأكتب سطرا حلوا أبدعه أنا وحدي بذاتي في دفتر الحياة .

أشعر أحيانا بأني أهول الأمور ..ماذا يعني أني لم احقق ما أريده ! هل كلنا نحقق ما نريده ؟!لم أكمل دراستي ...ولو كان!ماذا يعني أني تزوجت شخصا لا أعرفه حقا ويكبرني بكثير ماذا يعني كل هذا ؟ هل مت؟
أنا مازلت حية...كما تقول أمي دائما :الحمدلله انو احنا عايشين وبصحتنا ...

لكن أنا أقول أيضا: الحمدلله أني مازلت حية في داخلي لم أخسر أحلامي كلها خسرت جزءا منها بعضا من أحداثها ..الحياة مزيج من صور مبعثرة سأعيد ترتيبها وسأمحي الصور المؤلمة من تفكيري..سأدفع بنفسي الى الأمام..سأحاول الاستفادة من تلك المدعوة حياة مادام في نفس !على الأقل لم يكن زوجي -الذي تزوجته نزولا عند رغبة امي- لم يكن سيئا ...اه الحمدلله لم يكن سيئا!...مثل زوج أختي الكبرى الذي كان يقامر بكل ما يجنيه ووصلت به الأمور الى أن يبيع قطع الأثاث من منزله، بعدما استولى على (ذهبات )أختي وباعها ليسدد ديون قماره ..وفوق كله هذا كان يضربها ..ولم تشتكي إلا بعد حين .. أو ان الأمر بات واضحا مكشوفا ..من شدة ضربه وبطشه..وبعد أن حردت شويتين !!..رجعت خانعة الى بيت الزوجية المهدم .
مشان اولادي ، هكذا قالت لي ...أين أنا من كل هذا ؟ دائما كنت أنصحها بعدم الرجوع إليه وأن من الأفضل الطلاق ..ولكنها كانت فقط تبتسم بسخرية وتهم أن تقول شيئا ثم تصمت وفي عينيها يصرخ الألم والقهر، بداخلي كنت أعرف ما أرادت قوله وعجزت الشفاه عن البوح به..


في سري تمنيت الموت لزوجها وكنت استغفر ربي كل مرة لاحت لي الفكرة ..في كل مرة كنت أراها معذبة .. وكانت كذلك في كل مرة رأيتها.. الى أن استجاب القدر.. لا لم يمت كما تمنيت! بل طلقها هو.. على الأقل عندما تعود الى بيت أهلي سوف لن تؤنبها أمي!!
لماذا ننتظر ! لماذا نتعذب مادام الأمر محسوما ومعروفا وواضحا!! دائما ننتظر القدر! قد نغيب عن الدنيا ونحن ما زلنا ننتظر!
نقنع ذواتنا بأننا صابرين وأن صبرنا تضحية عظيمة في سبيل شيء أكثر عظمة!
مللت من التضحيات التي ليس لها معنى!
في بلادنا كثيرا ما نضحي ..من أجل شيء ما ومن أجل لا شيء..الكل يضحي ..الصغير والكبير المرأة والرجل.. الطيب والشرير!!
إنه مسلسل التضحيات الذي لاينتهي ..أحيانا لا ندري لم كانت التضحية الكبيرة!


أنا ضحيت بأحلامي ..مقابل الإنصياع لأوامر أهلي فانا البنت المهذبة التي يجب أن تسمع وتنفذ كل ما يقال لها ..إنه القالب الاجتماعي الموجود..يجب أن انصهر بداخلة وإلا كنت شاذة!!
زوجي أيضا ضحى! لم يضحي بزواجه مني ..ضحى مثلي بمستقبل ربما لم يحلم به مثلي كثيرا ولكنه ضحى من أجل إعالة أسرته الكبيرة بعد موت أبيه آثر العمل على الدراسة ، وكأنه له الاختيار! لم يشأ أن تظل والدته المثقلة بالهموم خلف ماكنة الخياطة تصنع ثيابا مزركشة لعرائس الحي الفقيرات مثلي ومراييل مدرسة للواتي لم يخطفهن القدر الى بيت الزوجية مبكرا! هي بالكاد كانت تسد احتياجات أولادها كان الخيار واضحا أمامه..ترك الدراسة.. عمل في احدى ورش الميكانيك في الحارة وسرعان ما تعلم الصنعة وبرع فيها ..الى أن جاء اليوم الذي صار هو مالكا للورشة بعد أن باعها صاحبها لكبر سنه ومرضه.
رغم نجاحه ..الذي قد يعوض بعض القهر الذي عاشه ..إلا أنني كنت دائما ألمح نظرة أسى بعينيه فبعض الأشياء لا يمحيها الزمن !


كانت احدى نتائج تضحياته ربما تأخر زواجه، ولكن النتيجة مرضيه بالنسبة له..لم أعرف حينها أنه كان ينظر إلي وكأني مكافأة مجزية عن سنين الشقاء التي عاشها! كنت أشعر أنه راض ولكني أبدا لم أظن انه بداخله كان يحس بأنه قد حاز على كنز ثمين.


ليلة زفافي كنت مرعوبة ..أحاطت بي وحشة الخوف واكتنفتني الأفكار المظلمة..هل سيكون زوجي الذي لا أعرفه وحشا؟! مثل ما كن يتحدثن البنات في المدرسة عن وحشية بعض الرجال في ليلة الزفاف! هل ما قلنه حقيقة عن عدم اكتراثهم واندفاعهم؟ لست أدري ...أمي لم تقل لي الشيء الكثير ... أختي المتزوجة لم تبح لي ...من أين لي أن أعرف الحقيقة؟
كنت قلقة متشنجة مرتبكة كنت أشياء كثيرة ..
اقترب مني شعرت برعشة في جسدي وخفقان قلب خائف كانت يديه تتلمسان وجهي وعنقي ببطء.. وابتسمت عيناه ..شيء غريب! فقد أحببت ملامح البهجة التي ارتسمت على وجهه ولمعت في عينيه ..وبالرغم من بعض الابتسامة التي كادت أن ترتسم على شفتاي .. تذكرني الخوف ..وسألت نفسي : ماذا بعد اللمس ؟ لاحت في فكري مشاهد من افلام استرقنا مشاهدتها أحيانا بعيدا عن عيون أهلي.. هل سيقبل شفاها مرتعشة توقفت فيها الحياة، هل سيبدأ بال...؟!.. تجمدت فجأه و كأنه أحس بخوفي وهلعي .. فقد نهض فجأه ومشى باتجاه الباب ثم استدار ناحيتي ؟؟..خفت أن يصرخ بوجهي أو يهجم علي! ..لكنه أخبرني فقط أن باستطاعتي تغيير ثيابي ريثما يجيء ثانية...ترى هل شعر بخوفي وخجلي منه! ذهب وأغلق الباب وراءه ..لم يقل لماذا ذهب أم تراه اخبرني للتو! سخرت من خوفي وأفكاري رغم هذا لم يتلاشى القلق تماما!


شاهدت نفسي في المرآة وملامح القلق والخوف مما سيكون بادية على وجههي ...شاهدت نفسي فتاة بل طفلة بثوب لامع أبيض....تجلس على سرير بأغطية بيضاء ووسائد بيضاء ..كل الغرفة كانت بيضاء ناصعة..أما أفكاري فكانت سوداء قاتمة!
انتهت ليلة زفافي بغير ما ظننت .....من الواضح أن زوجي ليس فقط هادئ الطباع ،قليل الكلام، بل وأيضا صبور.. صبور جدا ...
الكنز الثمين الذي فاز به لم يهنأ به بعد!
لأول مرة في حياتي أنام خارج المنزل ..لأول مرة في حياتي أنام وبجانبي رجل..هذا الرجل يدعي زوجي ..هل نمت؟ أنا فقط أغمضت عيني!!


يتبع..