شيطان اسمه انثى



دعاء البياتي
2014 / 8 / 15

شيطان اسمه انثى

يبدو ان للغسيل الميثولوجي, فعل خطير على مفاهيم البشرية , فقصة ادم و حواء و التفاحة لازالت تحتل جزءا كبيرا من المفاهيم المغلوطة التي تدين المرأة بصورة مباشرة و تحملها العبء الاكبر لخروج البشرية من نعيم جنات عدن , فلولا زلة حواء التي اغواها ابليس بأكل التفاحة لكانت البشرية اليوم بعيدة عن الارض و معاناة الحياة و آلامها المستعصية , حواء كما وصفتها لميثولوجيات الدينية هي امرأة قليلة الحكمة , صغيرة العقل , تجري خلف مباهج الحياة , تخدع بسهولة , و الدليل على هذا هو ان ابليس اختارها لتقوم بالمهمة , على اعتبار ان ادم رجل يتمتع بكبر العقل , و بالذكاء , فأبليس فضل ان لا ينفذ خطته عن طريق ادم , كي لا تفشل هذه الخطة السوداوية , و اقصر طريق كان بالنسبة له حواء , حواء هذه التي اغواها ابليس فتمكنت باستخدام مكرها و فتنتها من غواية ادم , لتحمل على كتفها اعباء و ذنوب البشرية جمعاء , و كما تقول الميثولوجيا اليهودية ان عقاب حواء على فعلتها الشنعاء كان بابتلائها بآلام الحمل و الولادة و الدورة الشهرية , وظلت المسكينة حواء رمزا للغواية و الشر و الفتنة و الخطيئة , على مر العصور و مر الاجيال .
عصر الاباء , او العصور الابوية الذكورية التي افتتحت بالديانة اليهودية , و التي انطلقت من اساس واحد و هو اعتبار الانثى رمزا للشر و الرذيلة , كونها زلت ادم و اغوته بعد ان قامت الحيه ( ابليس او عزازيل ) بإغوائها , هكذا بدأ ظلم و اضطهاد المرأة على مر العصور , و هذه هي بداية الحكاية التي جعلت من الانثى رمزا للخطيئة و العورة و الرذيلة , و شماعة ازلية لكل الأخطاء و النكبات و الاوبئة و الحروب ... الخ
من هنا فقط حملت الانثى رمز نقص العقل و قصور التفكير و سذاجة المنطق , و اعتبروها رمزا ازليا للمكر و الدهاء و الشر , كونها ساعدت ابليس في عملة و في تطبيق منهاج خطته الدرامية المظلمة , و ظلت الانثى حبيسة لهذه المفاهيم , حبيسة لقصص غريبة عجيبة لا تمت للمنطق بأي صله تذكر , فاختزلت المرأة في شخصية الشر , فعوملت على هذا الاساس معاملة المجرمين , المقصرين , الماكرين , و لهذا اصبحت هي و جسدها و كيانها فتنة تسير على الارض , خطيئة متحركة , فأمروا بتغطيتها و بتكفينها و بحبسها في المنزل , فلا يجوز للشيطان ان يتجول بحرية بين صفوف الرجال المساكين الذين هم كانوا منذ الازل البعيد ضحية .
لماذا اصبحت المرأة كما يريدون , جاهلة قليلة التفكير , سطحية المنطق , ضعيفة الشخصية , لأنهم ارادوها هكذا و ربوها على هذا الاساس , ليعملوا منها نسخة انسانية مشوهه , مازوخيه بامتياز , تعتبر نفسها عيبا , و مواطنا مذنبا على الدوام , مواطن من الدرجة الأخيرة في كل شيء , فصارت الانثى الجدة في شرقنا الادنى القديم مجرد كيان هامشي بعد ان كانت في الماضي الهه و رمزا من رموز التقديس للخصب و الحب و الجمال , عصر الاباء بكل ما حمله من نزعه ذكورية , تمكن من طمس شخصية و كيان المرأة , فأصبحت عار و ارتبط مفهوم الشرف بما بين فخذيها , فأصبح جسدها سلعة تباع و تشترى في اسواق النخاسين , و ان اردت ان تقتلع شرف قبيلة ما , ما عليك سوى الاغارة عليها و اقتياد نسائها كسبايا و اماء , ليبعن بأبخس الاثمان و اتفهها , و هكذا بقي الحال بنفس المنطوق الفعال , الذي يردده الراديكاليين اليمنيين من رجال الدين , فهي لحد الآن رغم كوننا بالقرن الواحد و العشرين لازالت عورة و خطيئة و تعليمها جريمة و تثقيفها عهرا , و مطالبتها بحقوقها كفرا و خطيئة لا تغتفر !!
اوربا بالقرون الوسطى و تحديدا قبل الثورة الفرنسية لم تكن افضل منا حالا , فلقد عوملت المرأة بكل وحشية , الالاف النسوة قتلن صلبا لاتهامهن بممارسة السحر و الشعوذة , فصار الأمر مجر دائرة من العهر المتداول اي شخص يريد ان يتخلص من امرأة ما لأسباب و غايات شخصية يتهمها بممارسة الشعوذة و السحر و بأنها خليلة الشيطان , فعلى هذا المنوال كانت محاكم التفتيش تحيى و تقام , و ينزل بالأنثى اشد عقاب صلبا مع الحرق و الرجم !!
اوربا تخلصت بفضل الثورة الفرنسية و بفضل قص مخالب السلطة الكهنوتية من هذه الممارسات الجاهلة الهمجية الغير انسانية , و تمكنت المرأة من نيل حقوقها لاحقا , لكن في شرقنا العقيم حيث نعيش عصورنا المظلمة اليوم , لازالت المرأة تحت سطوة و عباءة كهنوت رجال الدين , و لازالوا يعملون جاهدين على اقصائها و منعها من شم حتى هواء النسيم , و حتى النسوة المثقفات الواعيات المطالبات بحقوق المرأة لم يسلمن من اذى هذه المخالب القذرة , فرجال الدين لا يتوانون لحظة واحدة عن وصف النساء الليبراليات و العلمانيات بأوصاف سوقية و وصمهن المستمر بالعهر و الانحلال !!
هل نستطيع ان نلوم المرأة التي تقدس قيود عبوديتها و تطليها بالذهب على هذا الجدل السقيم ؟؟ قد لا يحق لنا لومها لأنها ضحية و لأن اغلب النسوة هن من ذوات التعليم المحدود و قد يكن جاهلات حتى بفن الكتابة و القراءة , خاضعات لسلطات ابوية مستبدة , يغلفهن الخوف المستمر من التغيير و الانتفاضة , فهن لا يردن ان يوصمن بالعهر و الرذيلة و الانحلال , و لا يردن ان تكون خاتمتهن جحيم نار ملتهبة و قبر مليء بالأفاعي التي تلدغ اثدائهن و اقدامهن , و كلاليب تعلق بهن النساء من شعورهن , هذه هي المأساة التي نقف في بعض الاحيان امامها عاجزين متسائلين و ربما ساخطين من نسوة هم اعداء النسوة , من دون ان نقدم لهن اعذار , فهن مجرد ضحايا للتسلط و القمع و الاستبداد الديني و القبلي و العشائري , علينا على الدوام ان نبحث عن جذور المشاكل و عن منابعها الأصلية لنتمكن من النقد و التحليل بكل منطقية عقلانية , لأن فهم جذور المشكلة هو احد اهم الأسباب لتقديم الحلول .