إهداء للدكتورة نوال السعداوي : الباز باز ولو قطعت مخالبه



التهامي صفاح
2014 / 8 / 19

في بدايات قراءاتي للإنتاج الفكري الإجتماعي للشرق الأوسط وشمال افريقيا ( الذي لايدخل ضمن مجال تخصصي في العلوم البيولوجية والجيولوجية) كنت أسمع بسيدتين مثيرتين للجدل هما نوال السعداوي وفاطمة المرنيسي .سيدتان ولدتا في القاهرة وفاس .وبدأت أقرأ كتاباتهما .بفضل هاتين السيدتين تبين لي أن فاس أصبحت قاهرة و القاهرة قاهرة ،قاهرتين للفكر البدوي الصارخ من الصحراء الجرداء القاسية الذي ميز القرن السابع الميلادي سيئ الذكر، فكر الآحاد الأقلية الذي ، بتواطؤ جبناء العهد القديم، تم فرضه بالسيف على الأغلبية . ولايزال ذلك السيف إلى اليوم مرفوعا كشاهد إرهاب يرفرف على نفس الوكر الذي إنطلق منه في غرب آسيا و تسلل تسلل السارقين في غفلة من أجدادنا حتى بيوتهم القديمة في شمال إفريقيا .
قال ابن رشد ما معناه أن "الله لا يمكن أن يعطينا عقولا ويعطينا شرائع مخالفة لها"
أنا أقول بما أنه في الواقع كان تخطيط الخالق أن يُكون فينا عقولا تشتغل بالمنطق و السؤال والجدل ، فكل فكرأو تعليم يتم عرضه علينا من طرف البشر ويمنعنا من السؤال أو الجدل تحت التهديد ثم يقال لنا أنه من الخالق، فهو حتما فكربشري يريد خداعنا بإدعائه النسب للخالق. الخالق لا يخاف من السؤال والجدل والمنطق بل البشر.لأن القول بأن الخالق خلق العقل المنطقي ثم منع إستعمالنا له يعد تناقضا في فكر الخالق وهذا مستحيل.
قيل لنا أيضا أن هذا الفكر الصحراوي قد تنبأ بإنقراضه كالغريب ، ليس لأن نبوءاته صحيحة وإنما لأنه كأي مخادع كان يعرف ثوابل طنجرته أي أن أسرارأخاديعه ستنكشف يوما ما .وهذا ما يحصل اليوم .وكما لم يكن يعرف شيئا عن النفط الذي كان تحت قدميه فإنه لم يكن يعرف شيئا عن مجئ نساء ذكيات من طينة نوال وفاطمة يحطمن بالدليل والبرهان المنطقي أفكاره الخاطئة والمبعثرة عن السيدات.ولقد استمتعت صراحة وأنا أقرأ كتب وأستمع لحوارات هاتين المنارتين الساطعتين في فضاء نساء شمال افرقيا و الشرق الاوسط والعالم وهن يكسرن الاغلال بدون كلل.
لكن ، سمعت من يقول أن السيدات نصف المجتمع وكررها آخرون وهم ربما يحكمون من خلال الاحصاء الحسابي .و تأملت مليا في معطيات العلم الحديث فوجدت شيئا اخر ساطلعكم عليه هنا .
من الواجب والمفروض أن يكون الكل يعرف أن الخلية الحيوانية تتكون من غشاء سيتوبلازمي يحيط بفضاء شبه كروي يسمى السيتوبلازم فيه عضيات خلوية مختلفة ذات وظائف محددة مهمة منها النواة والميتوكوندريات و الشبكة السيتوبلازمية الداخلية والريبوزومات الخ ، و مادة سائلة شفافة تسمى اليالوبلازم أو الجبلة الشفافة .الكل مهيكل داخل بناء من الميكروأنابيب .
البويضة أي الخلية الجنسية عند السيدات هي أكبر خلية عند النوع البشري . عند تكوينها ، تمتلئ بالمدخرات الطاقوية والبروتينات المختلفة البنائية منها والمساهمة في التفاعلات البيوكيميائية التي ستحصل عند تكوين الجنين بفعل الانقسامات السريعة التي تلي ظاهرة الإخصاب أي بعد تمرير المادة الوراثية من الحيوان المنوي (أ الخلية الجنسية الذكرية) للبويضة .لايمر من الحيوان المنوي للبويضة عند الإخصاب إلا نواته التي تتكون من المادة الوراثية على شكل خييطات تسمى الصبغيات .عند تكوينه يمر الحيوان المنوي من خلية كروية الشكل بفقدان جزء كبير من السيتوبلازم إلى خلية ذات شكل إنسيابي بذيل طويل يسهل الحركة تحيط به الميتوكوندريات المنتجة للطاقة من كل جانب بينما تتمركز النواة في مقدمة رأسه يسبقها كيس ملئ بالمواد المحللة (لغشاء البويضة لاحقا) يسمى الطحيمن.
يتبين من معلومات البيوجيا هذه أن جسم الخلية الأنثوية هو الوعاء الذي ينطلق منه تكوين جسم أي إنسان سواء كان ذكرا أم أنثى. كما أن الرجال مثل النساء لا يرثون ميتوكوندريات ولا العضيات الخلوية الأخرى لآبائهم الذكور و إنما لأمهاتهم .كما قلنا سابقا لا يدخل للبويضة من الحيوا ن المنوي إلا المادة الوراثية فحسب .هذه المادة الوراثية ستستعمل العضيات الخلوية الأنثوية للبويضة لتنتج بعض الصفات الوراثية الذكرية إذا كانت سائدة غير متنحية (بدون تفصيل كبيرمفهوم السيادة والتنحي هي ترجمة عربية لمفاهيم في علم الوراثة تعني أن صفة وراثية ما إذا كان يحملها أحد الأبوين ولم تظهر في الأبناء نقول أنها متنحية.بالمثل نقول عن التي ظهرت مكانها أنها سائدة ..مثل لون العينين لون الشعر شكل الجسم الخ).
و وجود براعم أثداء لا تشتغل بوظيفتها عند الذكورهو دليل آخر مرئي على أن البويضة هي الوعاء الأنثوي الذي يتكون منه الذكور........وطبعا الإناث أيضا.
ومن المعروف عند الانسان أن البويضة المخصبة التي تعطي ذكرا (البيضة الذكرية) والبويضة المخصبة التي تعطي أنثى (البيضة الأنثوية ) تختلفان فقط في الصبغيات الجنسية أما باقي الصبغيات فهي متشابهة .في البيضة الانثوية نجد الصبغيات الجنسية XX وهي صبغيات كبيرة .بينما في البيضة الذكرية نجد الصبغيات XY الصبغي X هنا يشبه الصبغيات X عند الأنثى بينما الصبغي Y صغير جدا بالنسبة للصبغي X .ومعنى هذا أن البيضة الذكرية خفيفة نظريا بالنسبة للبيضة الانثوية كما انها غير متماثلة .معناه اننا نحن ذكور ليس لانه عندنا شيء زائد وانما لانه عندنا نقص في المادة الوراثية بالنسبة للاناث .
إذا أضفنا لهذا تطور جهاز المناعة عند السيدات بالنسبة للذكور وذكاء النساء الذي لا غبار عليه من الناحية العلمية و به يربين أبناءهن لأنهن بالغريزة مكلفات بإستمرار النوع البشري ،
يتبين أن السيدات يا سيدتي نوال لسن نصف المجتمع بل هن منتجات كل المجتمع .
إنما في مجتمع ملئ بالجهل والأمية فلا يمكن لهذا الموروث الجاهل الذي يحط من كرامة السيدات وقيمتهن بالكلام المنقول عن الجهلة في القرون الغابرة يقول بدون خجل أن السيدات ناقصات ، أن يدعي الحضارة و الحقيقة أو منافسة المجتمعات الأخرى المتقدمة .لأنه بعيد عن الحقيقة العلمية كما بيننا. ولأنه في هذه المجتمعات المتحضرة لا تُضيع النساء وقتهن في أخذ حقوقهن بطرق أكثر ذكاء كلها سرية من المغتصبين بل يساهمن بكل مالهن من رصيد بيولوجي في تقدمها ودفعها للامام .
وكما يقول المثل الحفنة تدل على الشعير،فلسنا في حاجة لبسط المزيد من الأدلة على قيمة السيدات وتكليفهن الإلهي كما هو في الواقع بأستمرار النوع البشري مع ما يسلزم ذلك من أدوات كالذكاء و العقل وإستعداد الجسم بيولوجياً والمرونة في التعامل مع متغيرات الوسط البيئية .
وحتى يكون المقال قصيرا لايصيب الاخوات والاخوة بالملل فالمقصود هو تصحيح نظرتنا للنساء قصد تصحيح وضعهن داخل مجتمعاتنا ليربح الجميع .أما اذا اخطأ الاقدمون بفكرهم الخاطئ عن السيدات وتعاملهم المجحف معهن وتشريع ما يخالف الحقيقة العلمية ،فهم معذورون بجهلهم .لكن هذا لا يغير من قيمة النساء شيئا ، فالمثل يقول الباز باز ولو قطعت مخالبه.والجاهلون الاقدمون في هذا الأمر يشيهون دجاجا وهو يبحث عن القمح وجد جواهرا فنقرها ولم ينتبه لها .وأنى له أن يعرف قيمة الجواهر؟
المشكلة هي ان يخطئ المعاصرون الذين يحملون عمدا فكر الاقدمين وينشرونه على أنه حقائق باللغط و التكرار الممل. فهل هؤلاء معذورون بجهلهم في ظل هذا الكم الهائل من العلوم الحديثة ووسائل الإتصال و نشر المعرفة العلمية غير المسبوق ؟ هذا هو السؤال .
واخيرا تحية لأستاذتنا نوال السعداوي الشامخة
تحية للاستاذة فاطمة المرنيسي الساطعة
تحية لكل نساء الشرق الاوسط وشمال افرقيا
الحاملات للقلم و الروح النضالية من اجل مجتمع افضل.
وتحية لكل المناضلين في قضية السيدات .
فنحن لا ندافع عنهن لأننا بالغريزة نحبهن فحسب وانما هودفاع عن الجميع بالحقيقة العلمية والحق الاجتماعي والعدل والمساواة.

ملاحظة : في هذا المقال لم ترد كلمة "المرأة" نظرا لإقتران هذه الكلمة في الثراث القديم بما هو سيئ في حقها ، و إستعضت عنها بكلمة "السيدة"التي منذ بلوغها 18 سنة تصبح إنسانة سيدة نفسها سيادة كاملة حرة حرية تامة مالكة لقرارها بنفسها لا تحتاج لوصاية، مستقلة بنفسها محددة لمصيرها.