يوميات أنثوية (7)



امال طعمه
2014 / 8 / 20

في تلك الليلة التي احتفلت بتخرج ابنتها فيها ..رجعت مجددا الى دفترها القديم الى يومياتها ..الى ما كان من حياتها وقرأت بعض الفصول وابتسمت لنفسها وتذكرت كيف ضاعت بعض الأيام وهم كثر هباء وكيف كانت مشاعرها ...وبدأت تقرأ تلك السطور التي خطتها فتاة بريئة خطفها القدر لتكون فجأة امرأة !! ..ونقرأ نحن معها ما كتبت......

هل أصبحت حياتي ملكا كاملا للأخرين؟!

كل يوم لدي أشياء كثيرة لأفعلها مسح كنس تعزيل غسيل جلي الصحون وغيرها فمع كل أعداد البشر التي تزورنا يوميا كان اليوم كله عبارة عن خليط من هذا وذاك ! مع بعض الاستراحات البسيطة والتي لا تذكر ونسيت أهم شيء ..أه.. الطبيخ أو تعلم الطبيخ على طريقة حماتي والتي لم أصل بعد الى تلك المرحلة التي ستعطيني فيها الأيزو ..

ليس عندي شيء أريده وافعله لنفسي حقا فأنا حين أتزين حتى.. أتزين لزوجي..من أجل إرضاءه هل هذا عيب أو خطأ ؟ لست أدري ربما لأني لم أختره أنا ولم أحس بأنه الرجل الوحيد الذي استطيع منحه ذاتي وليس فقط جسدي أن أشعر برغبة كبيرة مثلا حتى تكاد تكون رغبة متوحشة بأن يضمني الى صدره وأن أشعر بحنيته كفتاة صغيرة وبقوته كامرأة وبعشقه كأنثى ... لست أدري ولكني في بعض الأحيان تتسلل الى نفسي أحاسيس غريبة وأشعر بنفسي ! ...أحب ان اقترب اليه ..في تلك الأمسيات التي يكون القلب فيها حائر ويريد احتضان الحياة..يملأني شعور عجيب! حين اشتم رائحة عطره المميزة والذي يحرص على وضعه قبل النوم هل هو إحساس الشهوة...هل يقصد اغرائي؟ أم أن في الكواكب شيئا ما يحرك عواطفي !أم أني أحسست تجاهه بغير ما كنت أحس؟ وكيف أدري أن ما أحسه حقيقة وليس طيف من الشاعرية في ليالي تحتاج فيها المرأة أن تعشق ؟ فأنا لم أجرب احساس الحب ولم يكن لي أي علاقة كانت مع أي شاب لم أعرف سوى زوجي! والمفروض أن أحب زوجي أيا كان! تلك المشاعر المختلطة جعلتني لا أعرف عن نفسي هل بدأت أميل اليه ؟ هل هذا هو الحب؟ هل يتمتع بجاذبية تأسرني احيانا أم ان كل ما أنا فيه بسبب ذلك ..العطر؟!
وأكاد أنسى نفسي معه ..حتى تأتي تلك الأفكار الغبية مجددا فتمحو شعورا جميلا بدأ يتكون..يجهض الشعور ويحتل شعور حانق ..بدلا من الحب!
فأنا مازلت حانقة على الأيام،وعلى زوجي بغير ذنب ارتكبه سوى أنه تزوجني!
مع وجود كل هذا الشقاء أقصد العمل المنزلي!! صعب على أن أفكر فيما مضى وفيما كان يجب أن يكون او ما أردت أن يكون! ولكني اكتشفت ولعا في داخلي لاشياء أخرى...وبدأت تتكون في رغبة جديدة لتعلم شيء أحبه !
كنت دائما اميل الى الفنون ولكن مع الرفاهية التي عشت فيها عند أهلي كان علي ان أهتم بأشياء أخرى اكثر الحاحا ..تصورت وجه أمي لو طلبت منها ان تشتري لي أدوات رسم؟
كنت أخط بعض الرسومات هنا وهناك على دفاتري وعلى كتبي وأحيانا في حصص المدرسة المملة كنت أجد نفسي أمسك بالقلم وابدأ بالرسم ... وذات مرة أمسكتني المعلمة بالجرم المشهود وأرسلتني الى الإدارة ووبختني المديرة قائلة :اذا أنت الشاطرة بتعملي هيك كيف الكسلانات؟ومزعت رسوماتي أمامي.
كرهتها وتوقفت عن الرسم اثناء الحصص..وخمدت تلك العاطفة المجنونة نحو الرسم..
وذهب حلم الرسم شيئا فشيئا فلا البيت ولا المدرسة مهتمين بتنمية مواهبي الفنية التي لم يعترفوا بها أصلا!ولم أعد أنا أهتم..
كنت أشاهد حماتي وهي تصنع من خيوط رفيعة قطع صغيرة تضعها على الطربيزات في غرفة الضيوف وبعض القطع الأقل فنا بنظري.. تغطي بها رفوف الخزائن وأحيانا شاشة التلفزيون.
ذات مرة لمحت أني اراقبها... كانت تشتغل بالكروشية...توقفت عن تحريك تلك القطعة المعدنية الطولية و سألتني: بتعرفي تعملي كروشية؟
همست : لا ما بعرف.
لم تهتم أمي بتعليمنا تلك الأشياء كان همها تصدير بنات للزواج يعرفن أمور المنزل و الطبيخ مع أني لم أتعلمه حتى !كانت تهتم أن نتعلم بعض أمور الخياطة البسيطة ..خياطة زر ..تقصير أواطالة بنطلون ..توسيع تضييق ...فقط مايلزم.
ذات مرة أخبرتني أنها ستعلمني التطريز وستشتري القماش اللازم لذلك كان هذا منذ زمن ..لكني الى الأن ما زلت انتظر! ربما رجعت وفكرت ان من الأفضل توفير المال والجهد لشي ء ذو قيمة من وجهة نظرها!!
أعجبت بما تفعله حماتي وكنت أظن نفسي غير ميالة الى تلك الأشياء فعندما لم تأتي أمي بقماش التطريز والخيطان حمدت ربي لانني كنت اظن الخياطة ممله فما بالكم بالتطريز!!
دون اطلب منها اقترحت ان تعلمني واضافت:على الله تفلحي ..مش زي الطبيخ
لم اغضب منها فهي ستعلمني شيئا اريد ان افعله..ولو أنه لم يكن بالحسبان!


كنت أتعلم بسرعة..واهتممت أن أتعلم منها كل ما تعرفه وتعجبت أن يكون لي مثل هذا الصبر
وأنا التي كنت أمل من خياطة زر..ولكن ربما تغيرت! أو اني احتجت أن أفعل شيئا أريده أنا!

تلك الهواية البسيطة قادتني فيما بعد الى عمل مشروع خاص بي .. صالحني مع نفسي وقادني الى مرحلة جديدة... فلم أعد مجرد زوجة وأم ..
كان زوجي من النوع الهادئ..كلامه قليل..لم يكن انفعاليا ..كان يهتم احيانا ان يعرف ما بداخلي بصورة اوبأخرى وكنت أحاول ان أداري حيرتي وكأبتي ..ولكني كنت أحس أنه كان يعرف ما يدور بخاطري..
كنت أميل الى مأسنة الأمور(جعلها مأساوية) ونازعتني نفسي أن اختلق أحيانا بعض المشاكل التافهة لأبدو بمنظر الضحية ..ولكنه كثيرا ما كان يمتص تلك المشاعر ..حين لم ينفعل غاضبا وأنا كنت أظنه سيكون مشحونا تجاهي..في داخلي حاجز لا يريد الإعتراف بالتغيير كلما فكرت به ..بإيجابيه رجعت أقول لنفسي لم يكن باختياري والقرار لم يكن قراري.. كنت أشعر بنفسي متعالية جدا ..ألست أفضل حالا مثلا من أختى الكبري وحظها اللعين!
شعرت معه بلحظات جميلة ..ولكني كنت أنسى سحرها حين اعود الى ما كان.
فكرت أن اختى تستطيع لوم القدر على المأساة التي عاشتها!كيف تصل بي الحماقة ان اتمنى ان يكون وضعي مثلها ولو قليلا حتى أقدر ان أعاتب القدر حقا! وأن ألعن ذلك اليوم!

ربما ما خطه لي القدر أفضل مما كنت أفكر فيه..أحيانا يبدو الزمن مجحفا بحقنا ..بينما نحن المجحفين!
********************************************
كانت بداية حملي متعبة كنت استفرغ كثيرا كل صباح وأحيانا في المساء وتنتابني موجات من الصداع الشديد حتى أكاد أحس رأسي ينفجر وبعض من الخمول والكسل وأصبحت لدي رغبة لا نهائية بالنوم...... أشد ماكان يزعجني أنني لم أعد اطيق تلك الرائحة الحلوة لزوجي ..صرت أنفر منها..فلم أعد أحس بذلك الشعور الطاغي وكان ذلك الشعور لوحده متعتي السرية!
نصحتني أمي الغالية بأن لا أتعب نفسي في شغل البيت وقالت:لا تخلي حماتك تضحك عليك ما تعبي حالك كثير ..سمعتي!
لم أخبر حماتي يوما بأني تعبانة ..لكنها هي كانت تخبرني بأن علي أن استريح..
ورغم كل التعب كنت أجد راحة كبيرة بعمل ما أحببته ..
يوما بعد يوم يزداد شوقي لمجي طفلي ..لم تستطع طبيبة النسائية التي ذهبت اليها أن تحدد جنس المولود
أخبرتني أنه( قاعد) لذا لا تستطيع اخباري بشيء..
كانت حماتي ترغب بأن يكون ولد...وزوجي كان يقول كله من الله منيح..ولكني لمحت أنه يفضل أن يكون ولد..حتى كل من كان يراني كان يدعو لي بالسلامة وبالولد..حتى صرت أنا أيضا أفكر بالموضوع وأريد المولود ولد..

جاءت ساعة الولادة...وخرجت نفس حية من داخلي..وياله من يوم ويالها من ساعة..استذكر ألامي ..كم كنت أتألم وكم صرخت..وكم فرحت حين ..حملت بين ذراعي طفلتي الحلوة..هي احلى طفلة في الوجود!!
**************************

شعرت حماتي بخيبة الأمل ..وزوجي لم يعبر عن خيبته لكن.. كانت وجوههم كفيلة باطفاء تلك السعادة التي شعرت بها ومع هذا لم اهتم ...واحسست بأنها دميتي الصغيرة ..احببتها وهمت بها ومازلت اهيم
ومازالت ابنتي اجمل فتاة على وجه الأرض..هل يقدر أحد أن يقول غير ذلك؟
مع الوقت أظهر زوجي اهتماما بالغا بالطفلة خصوصا عندما بدأت بعمل بعض الحركات واصدار بعض الأصوات..حتى أنه صار يقضي أوقاتا أكثر بالمنزل..
أما حماتي فتخلت عن هوايتها بالكروشية وأصبحت تحيك قطعا صوفية زهرية اللون لحفيدتها ..واحتفظت بتلك الزرقاء التي صنعتها على أمل أن يأتي الولد..
قرر زوجي الإنتقال الى الشقة الصغيرة التي فوق شقة أهله..كان هو من اتخذ القرار وليس أنا رغم أنني كنت أريد ذلك بشدة الا أنني لم أطلبه ..شعر بأن الوقت قد حان فقد أصبح من المستحيل أن ننعم بالهدوء خاصة بعد ميلاد طفلتنا.
**************************

تحمست للرحيل لكني لم أظهر ذلك لحماتي العزيزة حتى لا تظن أني وراء ذلك.. فهي كانت حزينة وكأننا سنهاجر الى بلد أخر ونتركها ..لكنها بالنهاية اقتنعت أن لنا حياتنا الخاصة أو أنها تظاهرت بذلك فقط ارضاء لابنها.
كنت سعيدة جدا عندما انتقلنا أخيرا بعد توضيب البيت وطلاء جدرانه وشراء بعض الحاجيات الضرورية..
لقد شعرت حقا أن لي مكان خاص بي..وأنني انتقلت الى مرحلة أخرى..لم أكره العيش مع حماتي بالذات ولكني كرهت سيطرة كل الأشياء من حولي علي ..ذوق حماتي الصعب ..نصائحها الكثيرة التي أحيانا ليست بنصائح قدر ما هي لوم وعتب..اضطراري للعمل فوق طاقتي أحيانا ..الزيارات العائلية الزائدة عن الحد..وافتقادي للخصوصية..كانت لحظات الخصوصية فقط عندما يغلق باب غرفتنا علينا ليلا!
لقد شعرت أن لي مملكتي الخاصة ولو أنها صغيرة جدا ولكنها مملكتي التي صنعتها أنا فقد طليت الجدران بنفسي وبمساعدة زوجي ..اخترت قطع الأثاث..وأغراض المطبخ ..والستائر.. تعجب زوجي من رغبتني بفعل كل شيء أقدر عليه بنفسي..
أخبرني أنه أول مرة يراني فيها حقا سعيدة!!..
*******************************
خلصنا من تعليم الطبيخ..جاء دور الزن.
كانت حماتي دائمة الزن فوق رأسي ورأس زوجي ..
ليش مابتخلفوا خلص البنت كبرت صار عمرها سنة؟ مابدكو تجيبولها اخ؟
وكأنها متأكدة أن المولود القادم سيكون ولد..
ونجحت أخيرا في اقناع زوجي الذي أراد أيضا أن يكون له ولد.. وجاء المولود الثاني وكان لخيبتها بنت!
*********************
طفلتان ومنزل وزوج ..في مدة بسيطة لم يعد لدي وقت للتفكير بما مضى إلا ما ندر
أصبحت اهتماماتي كلها تدور حول المنزل ..حتى الهواية الجديدة التي تعلمتها ..لم أقدر أن أمارسها حقا كنت اشتري الخيطان لتنتهي إلى مكانها في الخزانة ودائما ما عللت نفسي بأني سأبدا غدا أو بعد غد
حتى رجعت الى حنقي القديم في لحظات استرقها أتأمل بها ما كان.
هل هذه هي حياتي التي أردت؟ وماذا أردت حقا؟
يتبع..