هنيئاً لك النافجة !



محمد ابداح
2014 / 8 / 21

هنيئاً لك النافجة !

يقول الله سبحانه وتعالى في الصداق ( المهر) : ( وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ) النساء/ الآية4 ، ومن المعلوم لدينا في الإسلام أنه لازواج بلا مهر حتى ولو كان المهر خاتما من حديد ولي فضة، كما علمنا رسول الله عليه الصلاة والسلام، فالزواج المألوف المتعارف عليه عند المسلمين، هو أن يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها، أي يعّين صداقها ويسمى مقداره ثم يعقد عليها، وكما ذكرنا سابقاً، فقد كانت الكثير من القبائل العربية زمن الجاهلية تنتهج ذات المذهب في عقود النكاح، وكما أن الصداق المقدم للمرأة عند عقد القران هو شرط لصحة الزواج في الإسلام، فهو ايضا كذلك عند الجاهلين في هذا النوع من النكاح، فلا يقر الزواج إلا بمهر.
وعند توجه أهل العريس لبيت الفتاة المراد خطبتها، يقول الخاطب لأهل العروس أنعموا صباحا! نحن أكفاؤكم ونظراؤكم، فإن زوجتمونا فقد أصابنا رغبة وأصبتموها، وكنا لصهركم حامدين، وإن رددتمونا لعلة نعرفها، رجعنا عاذرين، وفي حالة الإتفاق بين الطرفين على الزواج، إذا كان العريس من أقارب العروس أو من نفس قبيلتها، يقول لها وليّها قبيل خروجها مع زوجها: أيسرت وأذكرت ولا آنثت(ويقصد بذلك: أنه يدعو لها بانجاب الذكور وليس الإناث )! جعل الله منك عدداً وعزّاً وجلداً، أحسني خلقك وأكرمي زوجك، وليكن طَيبك الماء، واذا تزوجت رجلاً من غيراقاربها أو قبيلتها، قال لها: لا أيسرت ولا أذكرت(ى ذلك أنه يدعو عليها بعدم إنجاب الذكور كونهم سيشكلون خطراً عليه وعلى قبيلته في المستقبل! )، فإنك تدنين البعداء، وتلدين الأعداء، أحسني خلقك وتحببيَ إلى أحمائك(ويقصد بذلك : أهل زوجها )، فإن لهمَ عليك عيناً ناظرة، واذناً سامعة، وليكن طيبك الماء، وإذا كان المهر مؤجلاً كَلاً أو بعضاً، فيكون ديناً في عنق الزوج، وإذا توفي وجب دفعه لامرأته من تركته.
ولم يكن للمهر في الجاهلية حدّ معلوم، وكما هو الحال اليوم فلا حدّ أعلى ولا حدّ أدنى، بل يتوقف ذلك على الاتفاق، وتراعى في ذلك الحالة المالية للرجل في الغالب، ولما كانت النقود قليلة في ذلك العهد، كان المهر عيناً في الغالب، ويتعلق بالأرض، أو الإبل والماشية، أو بوزن الفتاة من الذهب أو الفضة في بعض الأحيان، ويسترد الزوج مهره من تركة زوجته إن ماتت في حياته، وله حق مطالبة أهلها بردّ مهرها اليه في حالة عدم وجود تركة لها.
وقد كان أهل الجاهلية لا يعطون النساء من مهورهن شيئاً، وهذا ظلم شديد للمرأة حرمه الإسلام ، وكذلك حرمته القوانين والتشريعات الوضعية الخاصة بالأحوال الشخصية( نصت المادة 75/1 من قانون الأحوال الشخصية الأردني رقم 82 لعام 2010م، على أن :( المهر مال الزوجة فلا تجبر على عمل الجهاز منه )، كما نصت المادة 59/1 من ذات القانون على أن : ( نفقة كل إنسان في ماله إلا الزوجة فنفقتها على زوجها ولو كانت موسرة).، وكان الجاهلي اذا زوّج الأب ابنته خصّ لنفسه جعلاً( منفعة )، يسمى (الحلوان)، أو (النافجة) يقول العرب للرجل الذي تتزوج ابنته: (بارك الله لك في النافجة) ، بمعنى الحلوان، بل وكانت بعض القبائل من العرب قبل الإسلام تقول للرجل إذا ولدت له بنت: (هنيئاً لك النافجة) ، أي المعظِّمة لمالك، ذلك لانه سيزوجها فيأخذ مهرها من الإبل، فيضمها إلى إبله، فينفجها أي يرفعها ويكثرها.
المحامي محمد ابداح