أنحني إجلالا للمرأة العراقية الجسورة



نجاح يوسف
2005 / 8 / 13

أي بريق هذا الذي يشع من عينيك ايتها المرأة العراقية الجسورة الشماء وانت تقتحمين قلاع التخلف والأفكار البالية في اعتصامك في ساحة الفردوس مطالبة بحقوقك.. وأي شجاعة هذه وانت تتصدين لتلك الهجمة الشرسة التي تريد ان تكسر شوكتك , وأن تسلب منك حريتك وانسانيتك, وبالتالي ازاحتك من سوح النضال الذي تعبد بدمائك ودماء إخوانك من أبناء شعبنا من كردستان وحتى أقصى بقعة في جنوب العراق, في سبيل بناء وطن لا فرق فيه بين مواطن وآخر ..وطن تسود فيه المساواة والعدالة..وطن للطفولة الباسمة..وطن يتسع للجميع .. ولكن هيهات أن يتعفّر جبينك وتستسلمي لدعاة تكبيل المرأة وسلب حقوقها... إنك تستحقين يا ايتها الأم والأخت والحبيبة والزوجة أن يبنى لك صرحا تنقش على جدرانه وبأحرف من نور ما قدمتيه من تضحيات من أجل خير الشعب والوطن .. وأن تفتح أمامك كل مديات البصر لتنيري بشعاعك الوهاج ظلمات الأزقة والطرقات , وتشق سحابات النورعقول البعض الموغلة بالتخلف والقهر والاستبداد.. لتمطر عدلا لا ظلما ..وتسن قانونا وتشريعا يضمن الحقوق, لا سلاسل من حديد تقيد حريتك وتحبس اندفاعك الجسور لنيل كامل الحقوق..

وبعد ان هزمت المراة العراقية الشجاعة بتصدرها جحافل الناخبين ورفعت سبابتها المحبّرة عاليا بوجه الإرهابيين واعداء التقدم والديمقراطية .. فإنها بلا شك كانت تعلم بأن مشوار حريتها طويل وشائك .. فعليها محاربة أفكار التخلف والاستعباد وتساهم بفعالية من اجل تحررها الإقتصادي والإجتماعي ..فما زالت الأفكار العتيقة سائدة في مجتمعنا نتيجة التركة الثقيلة للنظام الدكتاتوري البائد, مما شجع القوى والأحزاب الدينية على وضع عقبات أمام نيل المرأة حقوقها كاملة خاصة بعد أن حاولت هذه الجماعات الالتفاف على قانون الاحوال المدنية الذي سن عام 1959, وفرض ميليشيات تلك الأحزاب الاسلامية تصوراتها وتفسيراتها وضوابطها للمجتمع العراقي .. وأول ما تفتق به عقل هؤلاء هو فرض لبس الحجاب على النساء المسلمات السافرات وغيرهن من الأديان الأخرى تحت طائلة التهديد بالقتل, إلى تحديد نوع الملابس للرجال والنساء وغلق محلات التسجيل والموسيقى ومحاربة الناس في أرزاقها , وطالت في ذلك حتى الحلاقين..وتلفحت مدن الجنوب الشيعية بسبب ذلك بلون السواد القاتم, وسادت العادات المتخلفة كلطم الصدور والنواح والبكاء وشج الرأس بالقامات !! بينما أصبحت القوى الديمقراطية واللبرالية أسيرة مكاتبها ومقراتها, وتركت ساحةالنضال الجماهيري لقوى الرده المتخلفة لتعيث بها فسادا وتمارس نهج وأسلوب النظام البعثي الفاشية , بتشجيع ودعم لا محدود من وراء الحدود.. إلى جانب الفوضى وعدم الاستقرار الذي يعاني منه المجتمع برمته..

وبينما جميع الأنظار مسلطة على ما سيتمخض عنه اجتماع ومناقشات ممثلي الكتل البرلمانية للقضايا العقدية في مسودة الدستور الذي تفوح منه رائحة الطائفية الكريهه والأفكار المتخلفة المناهضة لكل ما هو حضاري وعلمي وتنويري, نرى من الضروري جدا أن لا يجري تمييع حقوق المرأة تحت أي صيغة توفيقية كانت, ورفض تكبيل حقوق المرأة تحت ذريعة تعارضها مع الشريعة الاسلامية, كما يحلو للمعممين والملالي عن هذا الطريق ابتزاز المرأة والمجتمع.. ولقد برهنت المرأة العراقية اليوم بشجاعتها وجرأتها واقتحامها الصعاب, انها قادرة فعلا على فرض إرادتها المعبرة عن آمال وطموح معظم نساء العراق في الحرية والمساواة ومن اجل عراق ديمقراطي حضاري تنويري لا مكان فيه للخرافات والمفاهيم التي تحط من قيمة الانسان ..

وقد انبرى العديد من الكتاب والمثقفين العراقيين لفضح العديد من أبواب وفقرات مسودة الدستور , إلى جانب طرح البعض منهم تأجيل سن دستور جديد للعراق إلى اربع أو خمس سنوات بسبب المخاوف الواقعية والجدّية من أن يتحول العراق في ظل دستور ينتقص من الحريات وحقوق المرأة ويكبل معظم تلك الحقوق بأحكام الشريعة الإسلامية, إلى دولة ولاية الفقيه, أوما يشابه حكومة طالبان ولكن على النمط الشيعي هذه المرة..ويفترض بالكتل العلمانية الإصرار على تضمين الدستور, إن تم التوصل إلى حلول للقضايا العقدية, ضمانات لنيل المواطن العراقي حقوقه التي تضمنها له لائحة حقوق الإنسان العالمية, وعدم تكبيلها بأحكام الشريعة الإسلامية..

وفي الوقت نفسه ينبغي على كافة النساء الواعيات أن يأخذن زمام الأمور بأيديهن والتصدي لأي محاولة لطمس حقوقهن , أو تهميش لدورهن في رسم سياسة ومستقبل البلاد, من قبل القوى الظلامية .. ولا بد من القول بأن الالتفاف على حقوق المرأة يعني بالضرورة الالتفاف على كافة الحقوق المدنية الأخرى, لأن نيل المرأة لحقوقها كاملة سيرسخ المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان في مجتمعنا , وينقل العراق إلى مصاف الدول المتحضرة .. فالملايين من النساء العراقيات اللاتي ذقن ويلات الحروب والحرمان والبطش والاستبداد والتمييز, لن يرضين بأقل من مساواتهن بالرجل لأنهن يمثلن أكثر من نصف المجتمع العراقي..