سوق السبايا في العراق



فواد الكنجي
2014 / 9 / 4

يذكر التاريخ بان( يزيد بن معاوية) وجيشه ،" قد سبي بنات رسول الله محمد (ص) تتقدمهن (زينب بنت فاطمة الزهراء) و(أم كلثوم) و(سكينة ) عليهم السلام، وهن مكشوفات الرؤوس مربوطات بالحبال تعلوهن سياط المسلمين ليطف بهن في بلاد المسلمين"، حيث ساقوهم( سبايا) الى الكوفة والشام، وقد حزت هذه الفعلة الشائنة في نفس (زينب ) عليها‌ السلام ، فكلمت ( يزيد) وقالت له بانفعال وغضب دون ان تخشى منه "...أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإمائك وسوقك بنات رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌ وآله (سبايا ) وقد هتكت ستورهن وأبينت وجوههن ، تحديبهن الأعداء من بلد إلى بلد... ".
ويذكر في سياق نفسه"... بان أحد أهالي بلاد الشام في دار الخلافة طلب من(يزيد) أن يهبه (فاطمة بنت الحسين ) كجارية ، إلاّ أنّ( زينب) تصدت له بشدة " ، - رغم ما كانت علية- لتثبت لتاريخ أرادتها وقوتها أمام جبروت (يزيد) وطغيانه على نساء مقيدات وفعله الشنيع في سبى النساء.
وكذلك يذكر التاريخ أيضا، "بان (خالد بن الوليد) كان يقتل المسلمين ويزني بنسائهم في الليلة نفسها كما حدث ل(مالك بن النويره وزوجته)، ولعل اعتراض (عمر بن الخطاب) على هذه الجريمة وموقفه من (خالد بن الوليد ) يعطي صورة واضحة عن تلك الجريمة والانتهاكات".
وهناك ألاف القصص والوقائع في تاريخ الإسلام تشير و تؤرخ في (سبئ النساء) ، فالذي يسبي نساء ال بيت ماذا نتوقع من أزلام (داعش ) و أحفاد (يزيد) وممن يحمل رايات الخلافة في زماننا هذا ، ان يفعلوا بالنساء من غير ال بيت ومن غير المسلمات....؟
لذا ليس من الغريب على دعاة (الدولة الإسلامية ) في القرن الواحد والعشرين أن يسبوا نساء العالم من المسلمات من غير المذهب السني ومن غير المسلمات و يهتك ستورهن بفضائح ما تسمى ب(جهاد النكاح ). و ان نشاهد النساء سبايا مقيدات في أسواق مدينة الموصل يباعون من قبل إرهابيون مدججين بالسلاح من تنظيم (داعش) بمزاد علني .....؟ والمشهد برمته ليس اهانة للمرأة فحسب بل اهانة للبشرية جمعاء كونه إذلالا واستهزاءا بالقيم الإنسانية...! فهؤلاء المجرمون قد نسوا بان دعوتهم بالفكر الإسلامي المتشدد حسب منطلقاتهم هي مرفوضة ومستهجنة من المسلمين أنفسهم قبل الآخرين، لان زمن العبودية والرق قد ولا والى الأبد، لان الأعراض مصانة لكل البشر، ووفق قوانين والأنظمة الدولية ، والتي وافقت علي بنودها كل الدول الإسلامية وأقرتها في دساتيرها وانظموا إلى جميع الاتفاقيات الدولية التي تعنى بقضايا المرأة وحماية حقوقها ، من بينها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في العالم، كما انضموا إلى المؤسسات الإقليمية والدولية التي تعمل للنهوض بالمرأة ومن بينها الاتحاد النسائي الدولي ومنظمة الأسرة الدولية ومنظمة الأسرة العربية ومنظمة المرأة العربية ومنظمة التأهيل الدولية .
المجتمع الإسلامي الحديث قام بمكافحة هذه الآفة من واقعة بعد ان بلور الإسلام وأجرى تغيرات وتعديلات لكثير من المفاهيم التي تحط من قيمة إنسان ، من الرق والعبودية ، بعد ان كان الرقيق يعاملون في المجتمع الإسلامي بأسوأ المعاملة ، اذ كانوا يتعاملوا مع المرأة السبي بكونها مملوكة لمن سباها وأسرها، وتحرم من جميع حقوقها الحياتية وتعامل بدونية لا تليق بإنسانيتها ، تباع وتشترى كما تباع أية بضاعة من بضائع المعروضة في الأسواق .
هذه القيم التي جاءت بصدر الإسلام والتي ورثوها من قيم العصر الجاهلي حاربها الإسلام الحديث بعد ان تم تبادل المعرفة بشعوب العالم واختلط وتعارف على الأنظمة والقوانين دولية، فقاموا بنهضة واسعة في كافة ميادين الحياة وذلك بوضع قوانين معاصرة تتناسب وقيم العصر والتي تنظم فيها حياة المجتمع في ايطار يرتكز على حرية الديانة والمعتقد و حفظ كرامة الإنسان ولاسيما المرأة ،إلا أن هذا الجهد لم يكن موازيا لتلك الترسبات التاريخية التي ضربت في المجتمع الإنساني ولم يستطع المجتمع بكل قوانينه اجتثاث ينابيع تلك المعتقدات، فقد ظلت هنالك بعض من المجاميع و خلايا النائمة من عناصر إرهابية ومن السلفيين المتشددين يبثون أفكارا متطرفة بغية العودة الى عصر الخلافة معتمدين على نشر دعوتهم باستخدام العنف والقوة من القتل والذبح لكل من يخالف معتقداتهم، مستغلين الظروف والأحداث الإقليمية في المنطقة ، فقاموا بتنفيذ مأربهم في بلاد الشام والعراق بعد تصاعد وتيرة الفوضى في المنطقة بالغزو والأسر والسبي النساء كي تروي ظمأ شهواتهم وليكتسبوا الشباب المنحرف لكي ينظم الى فصائلهم الإجرامية وليطفئوا نيران غرائزهم وتشفي سقم سطوتهم على الضعفاء من الناس لاسيما المرأة باستباحة كرامتها بفتاوى( جهاد النكاح ) وحق النكاح بأية امرأة في مناطق التي يغزونها، أكان ذلك على ارض العراق او الشام، فوقعت المرأة ضحية في المناطق الساخنة التي تشهد نزاعات وحروب طائفية فتم أخذها (كسبية ) تباع وتشترى كسلعة رخيصة في أسواق نينوى بعد اجتياحها من قبل الجماعات المسلحة التي تطلق على نفسها اسم (الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش) فقد أشيع بان (داعش) قامت بخطف أكثر من 2000 من النساء من الطائفة الايزدية والمسيحية وتركمان الشيعة ومن ثم حجزهن كسبايا ليتم بعد ذلك عرضهن في منطقة (باب الطوب) في الموصل للمزاد العلني ، بينما تم توزيع باقي النسوة اللاتي تم قتل أزواجهن على معسكرات (داعش) الإرهابية لممارسة ما يسمى ب(جهاد النكاح ) ويتعرضن لأنواع الإذلال والاهانة التي تعتبر اهانة للمجتمع الإنساني برمته قبل ان يكون اهانة للمجتمع العراقي وللمجتمع الإسلامي، ونحن نعيش القرن الواحد والعشرين، ورغم هذه الكارثة التي حلت بالمرأة العراقية فقد بقيت- مع الأسف الشديد - موقف السلطات التنفيذية والتشريعية والمؤسسات الدولة العراقية هزيلا لم يتعدى عبارات الشجب والاستنكار لما يحدث بحق المرأة في الموصل.
هذه الجرائم اللا إنسانية تضع المجمع العراقي بصورة خاصة و المجتمع الدولي بصورة عامة، والذي ينادي باحترام حقوق الانسان و حماية الأقليات، إزاء مسؤولية جسيمة وتاريخية، فأي تخاذل عن تحرير المرأة الموصلية من سطوة تنظيم (داعش) الإرهابي هو تخاذل وتملص من التزاماتهم الدولية التي تم تنظيمها وإقراراها في قوانين ملزمة لمطاردة التنظيمات الإرهابية .
ومن هنا يتطلب من الجميع، العمل الجاد لإنقاذ المرأة العراقية وتحريرها من قبضة هذا التنظيم الارهابي الذي استباح حرمة وكرامة المرأة العراقية والتي سجلت في التاريخ المجتمع العراقي مواقف مشرفة تليق بمكانها كامرأة مناضلة تحملت صنوف المعاناة خلال مسيرتها في الدولة العراقية من التعذيب .. والمطاردة .. والقتل.. والهجرة.. والسجون .. والإرهاب الفكري.. والظلم السياسي ، ولم يثني عن إعلان رأيها بحرية وجرأة، فهي هادئة، صبورة ، قوية ، صادقه، إذا عملت أتقنت وأبدعت عملها و أحسنت فعلها، فهي تدير المنزل ، وتقوم بتربية الأطفال بثقة وأمان، وتعمل بمهارة فهي راعية نفسها و أسرتها ولها مكانة عظيمة كونها هي الأم والأخت والزوجة والحبيبة.
وعلى مدى العقود الماضية حققت في المجتمع العراقي العديد من المكاسب والمنجزات مما أهلها لأن تنهض بمسؤولياتها كاملة إلى جانب الرجل في مختلف مجالات العمل و التنمية .. من خلال إسهامها النشط في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها من المجالات على قاعدة المساواة والتكافؤ في الحقوق والواجبات وفي إطار من الالتزام بتعاليم وقوانين المجتمع والعادات والتقاليد المتوارثة.
كما حققت المرأة مكاسب عديدة بمساواتها مع الرجل في كافة مناحي الحياة، من أهمها إقرار التشريعات التي تكفل حقوقها الدستورية، وفي مقدمتها حق العمل والضمان الاجتماعي والتملك وإدارة الأعمال والأموال والتمتع بكافة خدمات التعليم بجميع مراحله والرعاية الصحية والاجتماعية، والمساواة في الحصول على الأجر المتساوي في العمل مع الرجل .. إضافة إلى امتيازات إجازة الولادة و رعاية الأطفال التي تضمنها قانون الخدمة المدنية وتم في العراق إنشاء منظمات وهيئات حكومية ومدنية لرعاية الأمومة والطفولة، وكل هذه الامتيازات منحها المجتمع للمرأة وفق قوانين شرعت في الدستور العراقي ، في الحق العيش بحرية دون إي نوع من أنواع الإذلال أو تنقيص للحرية وتحقير للذات البشرية، وعلى نسق كل البلدان التي وقعت على اتفاقيات حقوق الإنسان واحترام حرية المرأة وتطبق تلك القوانين قولا وفعلا وتمنع استغلال الرجل للمرأة بأي شكل من الأشكال وتحارب كافة العادات والتقاليد البالية والتي لازالت بعض من المجتمعات البشرية وخاصة ( منطقة الشرق الأوسط ) تمارسها للأسف.
فالمرأة هي نصف المجتمع ، وان نرى اليوم ما تفعله منظمة( داعش) الإرهابية بالمرأة العراقية في انتهاك كرامتها وحريتها وعلى مسمع من المؤسسات والمنظمات الدولية والشعبية والرسمية، امر في غاية الخطورة ليس على مستقبل المرأة العراقية ونضالها فحسب بل على المجتمع العراقي برمته كونه إذلال بحق كرامته وعزه ،لان عز وكرامة المجتمع تكون موازية لعز المرأة وكرامتها، وأي انتهاك لها هو انتهاك للرجولة قبل ان يكون انتهاك للمرأة وكونه عبودية له قبل ان تكون عبودية لها .
فعلى الدولة العراقية استنفار كل الجهود والإمكانيات ومطالبة الدول الصديقة للمساعد وهذا ليس فيه أية نقص في هيبة الدولة بظروف التي يمر بها البلد بعد الاحتلال، من جل دحر الإرهاب وتنظيم ( داعش ) الإرهابي وتحرير النساء التي يأسرها هذا التنظيم في معسكراته ورد الاعتبار لهن، لان اية مماطلة هو زيادة من معاناتها وهو امر مرفوض وغير مقبول ولا يمكن تبريره مهما كانت الأسباب .