الخياطه ...6 و 7



ايمان محمد
2014 / 9 / 12

(06)
الاء
آلاء تلك الفتاة ذات الشعر البني الناعم المتدلي اسفل خصرها ,السمراء المتوسطة الطول , لكم كانت مدللة عند أبيها في صغرها , تحظى بهداياه و قبلاته و احظانه , نحفت و شحب لونها بعد وفاته , صارت تساعد والدتها في اعمال البيت و بالخياطة حتى اصبحت خياطة ماهرة في سن صغيرة ...
ذات يوم أتت إمرأتين و بنتا" في السادسة عشر الى ام عماد لخياطة ملابس للبنت التي ستتزوج خلال شهر , كانت آلاء في الرابعة عشر آنذاك
_أم عماد , لن نقلق ابدا فنحن نعلم أنكِ خياطة ماهرة و ستصنعين من هذه الأقمشة ثيابا رائعة لعروستنا سعاد
_ طبعا" يا أم سعاد , مع دعائي لسعاد بالرفاه و البنين و الحياة السعيدة
_ و هذه الخامة البيضاء , إصنعي منها منديلين مربعين يا ام عماد , واحد لسعاد و ألآخر لذووي العريس
فترد المرأة الثانية _ يوم لبنتج الحلوة السميرة ( تدعو لآلاء الجميلة السمراء بالزواج )
تلتفت ام عماد الى إبنتها و تقول _ الآء إذهبِ الآن
_حاضر يا أمي
_ لماذا تأمرينها بالإنصراف , الاء لم تعد طفلة يا ام عماد , فتيات بعمرها تزوجن و لا حرج في ان تجلس و تسمع
_ كلا , لا تزال طفلة , إنصرفِ يا بنيتي
فكرت آلاء لماذا تحتاج الفتاة لتلك المناديل البيضاء للزواج و لماذا تعطي احدها لعائلة الزوج ؟
بعد ان انصرفت النسوة ...
_ أمي هل اساعدك في خياطة الثياب , أريد ان اتعلم خياطة هذه الموديلات لأنني لم أخط مثلها مسبقا"
_ اجل حبيبتي سأعلمكِ
_حتى أخيط مثلها لنفسي حين اتزوج
_ الاء , تهذبي يا بنت
_ أمي , انا لست طفلة , اريد ان اعرف ما قصة المنديلين ...
_ يكفي لا اريد نقاشا"
لم تحصل آلاء على جواب من والدتها , تلك الوالدة الفاضلة إرتأت أن الحديث في هكذا امور سيفتح ذهن و مخيلة ابنتها الوحيدة على افكار لم يحن وقتها بعد ...
لكن آلاء ادركت الغرض من المنديلين فيما بعد حيث سألت إحدى بنات الجيران المتزوجات التي كانت مقاربة لعمرها
_ماذا يا آلاء لا تعلمين ما هو بياض الوجه !
_ بياض الوجه ؟
_ ذلك المنديل الابيض تستخدمه البنت لتمسح قطرات الدم التي تخرج من فرجها بعد اول جماع مع زوجها , لتثبت براءتها امام زوجها و عائلته
_ أي براءة تثبتها البنت بقطرات دم على منديل ابيض ؟
_ ألم تخبركِ والدتك عن غشاء البكارة ؟ !
_ كلا
_ إن لكل بنت منا غشاء بكارة يغطي فتحة الفرج , يتمزق فقط عند الزواج و يخرج الدم عندما تكون البنت عذراء , أما حين تكون البنت غير عذراء فعندها لن يخرج الدم
_ ماذا تعنين بالبنت العذراء ؟
_ البنت التي لم تتزوج مثلكِ يا آلاء
_ و الغير عذراء هي المتزوجة مثلكِ يا زينب
_ أجل هو كذلك .
أحست آلاء أنها انتصرت على والدتها حين علمت بهذه الامور , و انها لم تعد طفلة كما تصفها والدتها ...
(07)
ذات يوم أتت إحدى نساء الجيران و معها إمرأة غريبة , يبدو الغنا و الترف على الغريبة من الحلي الذهبية التي ترتديها كقلائد و أساور و خواتم حول اصابعها ...
_ أم عماد العزيزة , افضل خياطة في هذا الحي و ستعجبكِ يا أم حسين ( و تتوجه الجارة الى ام عماد ) أم حسين سكنت من يومين في الحي المجاور و وجدتها في السوق تسأل عن خياطة فجئت بها اليكِ
تبتسم ام عماد بهدوء و تقول للسيدتين
_ تفضلا بالدخول , اهلا و سهلا بأم حسين و أم علاء
عند الممر المؤدي لصالة الاستقبال تهمس ام علاء في أذن جارتها
_ أنها زوجة رجل ثري سمعت أنه قصاب و له سيارة لوري لنقل البضائع من بغداد للمحافظات , لعلها تصبح زبونتك فتنفعك أفضل من تلك النساء الفقيرات و الشحيحات
تجلس النسوة و بعد لحظات تدخل آلاء تحمل صينية الشاي ..
_ بسم الله ما شاء الله , هذه كنتك ؟
_كلا أنها ابنتي آلاء , خياطة مثلي و كما يقول ابو المثل (صانع الأستاذ أستاذ و نص )
( يعني التلميذ يغلب استاذه بالحرفة ) ....
كانت الاء في السابعة عشر آنذاك , لم يأتِ أحد لخطبتها إلا قبل عام واحد , خطبها رجل ارمل اربعيني له اربعة اطفال و رفضت والدتها ان تزوجها له داعية لإبنتها بزواج افضل , و لكن من يدري ماذا يخبأ القدر لهذه البنت هل حقا" ستتزوج من الافضل ؟
_ أم عماد , انا اتوق لكرم زيارتك بيتي , لكي تأخذي مقاسات الشبابيك و تخيطِ الستائر فأنا لا اعرف كيف اقيسها و ليس لي ستارة بحجم الشبابيك الجديدة , لو تأتين الآن لوجدتني اغطي الشبابيك بشراشف , كل ذلك بسبب اننا بعنا بيتنا القديم حال انتها بناء بيتنا الجديد و استعجال المشتري لإخلاء البيت , جعلني اسكن البيت الجديد قبل ان اكمل تأثيثه
_ ان شاء الله خير , بالتأكيد سأزورك انا و ابنتي
و حقا ذهبت ام عماد و ابنتها آلاء مع السيدة لبيتها بسيارة اجرة ..
عند البيت , تتأمل آلاء ذلك البناء الحديث الرائع , الفلاح في الحديقة يزرع الازهار والشجيرات
_أمي , انهم اثرياء
_ أشششش (تردها الأم )
بينما يتم أخذ قياسات الشبابيك من قبل آلاء التي نزعت عباءتها السوداء فظهر فستانها الأبيض ذوو الورود الوردية الضيق عند الخصر و حجابها يغطي شعرها من الامام لكن ظفيرتها تتدلى من الخلف حتى اسفل خصرها , و إذا برجل ضخم ممتلئ الجسد طويل القامة , ذو بشرة سمراء غامقة و عيون صفراء يدخل فجأة ثم يتوارى خلف الجدار و يقول :
_السلام عليكم , اسف لم أكن اعلم بوجود ضيوف
_ أنها خياطتي ام آلاء , ما الذي جاء بك باكرا ؟
_ لقد ذبحت عجلا" على سكننا الجديد و اتيت به , كي نوزع لحمه على الجيران
_ أدخل يا أبا حسين
يدخل الرجل , الآء تلتحف بعباءتها لكنها تنظر بنظرات جريئة اليه , انه وسيم ضخم و كريم
في نهاية الزيارة , اهدى ابو حسين فخذ العجل لضيفتيه ..
و أستأجر سيارة أجرة لتوصلهما للبيت و دفع الأجرة بنفسه للسائق ...
ذلك اللحم الطازج الذي تم تقطيعه في البيت من قبل آلاء , و هي تقطع اللحم و تضعه في اكياس تتذكر نظرات الرجل اليها , لم يسبق أن نظرت لرجل عن كثب هكذا , و لم يسبق لهم أن إشتروا لحما" بهذه الكمية , سيضعونه عند الجيران أمانة لأنهم لا يملكون ثلاجة , فهم عائلة فقيرة يأكلون اللحم كل شهر مرة , و عندما يذبح الناس الاضاحي في العيد الأضحى , حتى أن لحم الاضحية ليس لذيذا فألأضحية يمر عليها عام كامل حتى تُذبح لذلك يكون لحمها قاسيا و يحتاج لوقت طويل كي يتم طهيه أما لحم هذا العجل فإنه طري يذوب في الفم كالحلقوم كما وصفته آلاء عند الغداء ...
و صارت زوجة القصاب (كما لقبتها آلاء في البيت امام عائلتها ) كالصديقة لأم عماد و إبنتها بعد أن إستحسنت مهارتهما في فن الخياطة . . .
يتبع ....