احزاب الأسلام السياسي الشيعي وحقوق المرأة



جاسم هداد
2005 / 8 / 17

بعد تسريب مسودة الدستور المعدة من قبل احزاب الأسلام السياسي الشيعي , اصبح واضحا مدى الحيف والأجحاف الذي الحقه كاتبوا المسودة بالمرأة وحقوقها . فقد كان واضحا بدون أي لبس , التراجع الحاصل فيما حققته المرأة العراقية , طيلة فترة نضالها والتي جاوزت النصف قرن , وتُوج هذا النضال بتشريع قانون الأحوال الشخصية المرقم ( 188) والذي صدر عام 1959 , بعد ثورة 14 تموز 1958 . وطيلة السنين الماضية وبرغم تعاقب انظمة الحكم الرجعية والدكتاتورية , لم تستطع أي منها ألغاء هذا القانون .

وعند تقلد السيد عبدالعزيز الحكيم منصة رئاسة ( مجلس الحكم الأنتقالي ) الدورية الشهرية , كان " أحسن انجاز " له هو تمرير قرار يلغي قانون الأحوال الشخصية , وهكذا صدر القرار ( 137) سئ الصيت . ولكن احتجاجات المرأة العراقية ومنظماتها والأحزاب السياسية التي تؤمن بحقوق المرأة , شجعت الحاكم الأمريكي وقتذاك , " بريمر " على الغائه .

ويبدو ان حقوق المرأة العراقية ظلت هاجسا يؤرق ويقض مضاجع احزاب الأسلام السياسي الشيعي . فقد ظلت تتحين الفرص , وما ان اطلت فرصة تكليف الجمعية الوطنية بمهمة كتابة الدستور , حتى شكلت هذه الأحزاب اللجنة المعنية بهذه القضية بأغلبية لها , معتقدة بأنها تستطيع تمرير ما تريده , اعتمادا على مبدأ الأغلبية . وتناسى الأخوة المعينيين ان الدستور لا يمكن كتابته بمبدأ " الأستحقاقات الأنتحابية " , وان التوافق السياسي بين كافة مكونات الشعب العراقي هو الوسيلة الأنجع .

وبعد تسريب " مسودة الدستور " تصاعدت الأحتجاجات النسائية , ونُظمت عدة فعاليات ابرزها ما قامت به ( شبكة النساء العراقيات ) من اعتصام في ( ساحة الفردوس ) , وتضامن معها منظمات المجتمع المدني ونقابات العمال واتحادات الطلبة والشبيبة . وطالبت النساء العراقيات المعتصمات بـ ( دستورمدني يجسد دولة القانون والحق والمساواة ) و ( المساواة امام القانون لجميع المواطنين بدون تمييز بين الذكور والأناث ) و ( الألتزام بالمعاهدات والمواثيق الدولية التي تضمن حقوق الأنسان ومنها حقوق المرأة والطفل ) .

وعند قيام وسائل الأعلام المحلية والأجنبية بتغطية هذه الفعاليات الأحتجاجية , عقب الناطق الرسمي بأسم السيد رئيس مجلس الوزراء في احدى مؤتمراته الصحفية , على ما تتناقله وسائل الأعلام , بأن " هناك الكثير ( والحمد لله فأنه لم يقل القليل ) من الأصوات تتعالى وتقلق على حقوق المرأة وكأن العراق سيسدل الستار على حقوق المرأة " واضاف " لا اشعر بالقلق , بل بالعكس فكل المؤشرات لا تدعو الى القلق " .

ثم جاء دور السيد رئيس مجلس الوزراء فقال في احد مؤتمراته الصحفية والتي صارت يومية ان " العراق ارتقى بمستوى المرأة العراقية , كما لم يرتقي بها أي بلد في العالم , ثم يضيف سيادته ان " نسبة التمثيل السياسي للمرأة بلغ 30% " و ان " المرأة العراقية اصبحت نموذج رائع تقتدي به كل نساء العالم " . والسيد رئيس مجلس الوزراء يتغافل او يتجاهل او يحاول استغفال الناس , وهو المقيم سابقا في بريطانيا , ويعرف حق المعرفة , ان حقوق المرأة لا تتحدد فقط بالتمثيل السياسي , وما الفائدة التي تحققها المرأة العراقية اذا كان من ضمن الـ 30% " المستعبدات اجتماعيا وفكريا وسياسيا" كما تقول الدكتورة سعاد خيري .وان نصف مجلس الوزراء في الحكومة السويدية من النساء , على سبيل المثال .

ويضيف السيد رئيس مجلس الوزراء " نحن نعتز بالمرأة وبدورها " , ويبدو ان احزاب الأسلام السياسي الشيعي جسدت هذا الأعتزاز بشكل عملي , حيث اوعزت لعدد من النساء , بالتشويش على الأعتصام الذي نظمته ( شبكة النساء العراقيات في ساحة الفردوس ) , برفع شعارات تطالب بـ ( لا للمساواة بين الرجل والمرأة ) , ( الأسلام خير نصير للمرأة ) , والشعار الأخير هو الذي يتمترس خلفه المتأسلمون , فاقدي الحجة في اقناع الآخرين .

لا ادري هل هؤلاء يعلمون , اننا نعيش في القرن الواحد والعشرين , وان ما فرضته الظروف قبل اكثر من ألف عام لا يصلح لهذا الزمان . فالمرأة تبوأت كافة المناصب , وبدو استثناء , فمنهن العالمات , والسياسيات , والقاضيات , ورئيسات دول وحكومات , ورائدات فضاء ..... الخ , وهل يعلم هؤلاء ان نسبة النساء في المجتمع العراقي تبلغ حوالي 70% , نتيجة حروب النظام المقبور العبثية . وهل يريد هؤلاء قبر اكثر من ثلثي المجتمع في البيوت وذلك من خلال تمرير ما جاء في المادة السادسة من الباب الثاني من مسودة دستورهم , والتي تنص على : ( تكفل الدولة الحقوق الأساسية للمرأة ومساواتها مع الرجل في الميادين كافة طبقا لأحكام الشريعة الأسلامية وتساعدها على التوفيق بين واجباتها نحو الأسرة وعملها في المجتمع ) .