عراقنا المغدور ما بين الحجاب والسفور



سعد الشديدي
2005 / 8 / 17

ما يجري في العراق شكلٌ من أشكال الكوميديا السوداء.
فلم يحدث في التاريخ إن خرج المظلومون مطالبين بالبقاء تحت الظلم والعسف والاضطهاد كما حدث في تظاهرات البصرة النسوية التي نُظِمَت من قبل أحزاب الإسلام السياسي الشيعي. ولم يحدث في أي صقعٍ من أصقاع الكرة الأرضية أن تغنى المسجونون بقيودهم التي أدمت أيديهم، اللهم إلا أولئك النسوة اللواتي خرجن في مدينة البصرة، جنوب العراق يوم أمس، ملتفعات الجادرنماز الإيراني مطالبات بتطبيق الشريعة في مجال الأحوال الشخصية وإلغاء جميع الحقوق الممنوحة للمرأة والمنصوص عليها في قانون الأحوال المدنية 188 لسنة 1959 وتضمين ذلك في نصوص واضحة في الدستور، متجاهلات انتمائهن الى وطن أسمه العراق.
العراق الذي خطّ فيه الإنسان أول قصائد الغزل بالمرأة في التاريخ. العراق الذي كانت فيه المرأة آلهة وملكة وكاهنة كبرى للمعبد منذ اكثر من سبعة آلاف عام. العراق الذي لم يجد شعراؤه ممن كتبوا ملحمة جلجامش، أول ملحمةٍ شعرية معروفة في تاريخ الإنسان، من مخلوق ذي حكمة وفصاحة لإغواء انكيدو وعزله عن عالم الحيوان وضمّه الى حظيرة البشر غير المرأة فأرسلوها إليه.
عراق عشتار التي تتحدى قوى الظلام وتنزل الى العالم السفلي لتعيد دموزي الى الحياة بحبها وإصرارها وحكمتها ليشيع بعودته الخصب والرخاء في أرجاء الأرض. عراق أنانا، الآلهة الأم المتناسخة عبر العصور في ديانات العالم المختلفة بأسماء وصور عديدة.
ما يحدث كلّ يوم في جميع دول العالم أن تخرج النساء للتظاهر للمطالبة بحقوقهن لا للتنازل عنها، ولا لتهديد الدولة وكاتبي الدستور بالويل والثبور إن هم لم يعيدوا النساء الى المطابخ والى مكانهن المعهود تحت حذاء الرجل الوصيّ ووليّ الأمر وإلى سريره يباشرها متى ما شاء ويهجرها في المخادع إذا ما شاء وحسب الشريعة أيضاً.
وهل هذا معقول؟؟ هل يخرج العبد للمطالبة بالإبقاء على قوانين الرقيق الأبيض؟ وأين؟ في العراق الذي نفترضُ انه يشهد مخاضاً عسيراً بعد عقود من الظلام والديكتاتورية ومصادرة حقوق وحريات الجميع رجالاً ونساءا. العراق الذي ضحى رجاله ونساؤه من أجل ان تشرق شمس الحرية والعدالة وتكافئ الفرص على جميع أبنائه وبناته وعلى مختلف قومياتهم وأعراقهم ودياناتهم وانتماءاتهم. العراق الذي حصلت المرأة فيه على منصب الوزارة منذ أكثر من خمسة وأربعين عاماً، وليسألوا الدكتورة نزيهة الدليمي الموجودة الآن في بغداد عن ذلك فقد تقلدت منصب وزارة البلديات لتكون أول وزيرة عراقية وربما على المستوى العربي.
يبدو ان منظمي التظاهرات قد رفعوا شعارات عديدة ولكنها لم تكن معبّرة عما يريدون بالضبط. لذلك أقترح عليهم رفع شعارات واضحة لكسب الجماهير النسوية الى حركتهم القادمة من وراء الحدود. اقتراحي لهم ان يرفعوا الشعارات التالية:

تسقط حقوق المرأة..عاشت العبودية
ضرب الحبيب مثل أكل الزبيب.
زواج المتعة نعمة واللي يكرهها يعمى.
لا تعطيني حريتي ولا تطلق يدّيا.
نحن النساء ناقصات عقل ودين.
أريد أن أبقى خادمة تحت قدميك يا سي السيد.
ضايجة من هالعيشة بين أربع حيطان..أريد ضرّة.. وما عندي مانع إذا صاروا أربعة.

كما اقترح إن يجعلوا من نشيد نحن الشبابْ لنا الغدُ..ومجدُه المخلّدُ..نشيداً لحركتهم بعد تغييره إلى:
نحن النساءْ نُستعبدُ.. وسجنُنا مؤبدُ.


ترى ماذا ستكون ردود فعل الشاعر جميل صدقي الزهاوي الذي كتب في بغدادنا قصائده منذ مائة عام يحرّض فيه النساء على الخروج على ظلم المجتمع ألذكوري ويدعوهنّ الى ترك الحجاب:

أسفري فالحجابُ يا ابنةَ فهرٍ....... هو داءٌ في الاجتماعُ وخيمُ
كلُّ شئٍ الى التجددِ ماضٍ........... فلماذا يُقرّ هذا القديمُ.؟؟؟؟

ماذا سنقول للزهاوي؟؟ أليس من حقه أن يشعر في قبره بالامتعاض لأن هناك من نساء بلده مَن بقيّ واقفاً مكانك راوِح منذ قرن كاملٍ من الزمن، لا بل ويصرّ على العودة الى الوراء درّ، بينما تسعى شعوب العالم جميعها الى أن تمشي الى أمام سِرْ؟
أتساءل إن كنّا في بداية القرن الواحد والعشرين أم في زمن آخر؟؟
لا أمزح ولكنني أتساءل بالفعل إن كان هناك من نساء العراق من تريد أن تقبع تحت نير عبودية المجتمع ألذكوري والقبول بأستبداده بل والمطالبة بشرعنة ذلك، أم هو كابوس ثقيل أتمنى أن نصحو منه جميعاً..وبسرعة.