قصة مذيع رجعي، وسيدات ذكوريات بالفطرة



ريم أبوالوفا
2014 / 10 / 3

قصة مذيع رجعي، وسيدات ذكوريات بالفطرة

قال المذيع المشهور عمرو أديب في الجزء الثالث "اسألوا رجاء" من برنامجه "القاهرة اليوم" في حلقة يوم الأحد ( 28-9-2014) : "السؤال الذي يبدو غبيًا هو مش من وظائف الزوجة لما أسيب البنطلون تشيله، ولما ارمي البشكير تلقفه، ولما أسيب الطبق تغسله، أومال أنا متجوز ليه !! ... أنا مش دوري إني أشيل البنطلون ... البنات جره لها حاجة المساواة والكلام ده، أنا أوقع وتقولي لي معلش يا حبيبي وقع ... أنا قلت له إوعى تشيل الطبق، لو فيها طلاقك يا ابني، لو شلت الطبق كل الستات هايقولوا للرجالة بكرة شيلوا الطبق، وشيل البنطلون، إحنا مش هانشيل حاجة..."
كما أضاف أن "أمي كانت بتلم ورا أبويا، وورانا وكنا متهنيين، آجي أتجوز أتبهدل، طيب أتجوز ليه، أخليني في بيت أبويا" .. وأكمل "بأن سكوت الرجال على اعتراض الستات ده اللي جايبنا ورا، دي وصلت إن في ستات تقول لجوزها شيل الواد شوية عما أنام، عشان معدتش قادرة ..."
وبدأت السيدة رجاء الجداوي أغلب تعليقاتها مؤكدة على أن "أن خدمة الزوج دي شغلانة الزوجة، وإحنا مش مختلفين"، وكان اعتراضها مرتكزا على الفرق بين واجبات المرأة العاملة وغير العاملة تجاه زوجها؛ حيث قالت "لو ست بتشتغل يبقى المفروض إنه يساعدها في البيت بلم بناطيله وحاجاته، ولو مش بتشتغل يبقى تخدم عليه"، بل وأضافت "من حق سي السيد لو إن أمينة متفرغة للبيت إنها تعمله كل حاجة، أغسله رجليه، أعمله كل حاجة، بالحب أعمله كل حاجة..."
وجاء اتصال الفنانة نيللي تعليقاً على الحوار: "أنا بنتي بتطبخ طبيخ يجنن، وبتقولي يا "مام" أن نفسي لما أتجوز جوزي وهو راجع من الشغل يفكر "عالية" طبخت لي ايه النهارده!!.." وأضافت على لسان بنتها أنها "تتمنى زوجا يوقظها في منتصف الليل، لتعد له الشركسية"، وأضافت "أنها كنت بلم ورا جوزي، وحتى بنضف مطرح ما بيحلق، وتنظف وراه فرشة أسنانه..."
ورغم أنه في الأغلب لا المذيع الشهير ولا زوجته الإعلامية المشهورة، ولا السيدة رجاء الجداوي –بطلة هذه الجزء من البرنامج- ولا الفنانة الشهيرة نيللي وابنتها يجمعون ملابسهم وأطباقهم المائدة أو يغسلونها أو يعدون طعامهم بأنفسهم؛ فهم في مستوى مادي يسمح لهم بالحصول على خدم وسفرجية وغيره من وسائل الرفاهية، فلا هو يخدم زوجته، ولا هي تخدمه. إلا أن هذا لا يكفيهم، فهم بسطحيتهم يدمرون سنوات طويلة من كفاح المنظمات المعنية بحقوق المرأة، وحملاتها وكتباتها لتوعية المرأة بأنها إنسان أولاً وأخيراً، له نفس الحقوق والواجبات كرجل، فقد قرروا أن يملأوا بأفكارهم العنصرية أذهان الناس في مجتمع يكفيه ما يغرق فيه من عادات وتقاليد بالية تخلصت البشرية منها منذ قرون وقرون. فبدلا من أن يقوموا بدورهم كإعلاميين ومشاهير في تنوير هذا المجتمع، و مطاردة العادات والتقاليد الرجعية؛ فإنهم يقومون بترسيخها، وبث الروح فيها. ولا يُفهم من تصرفاتهم هذه إلا أن رجعية المجتمع لا تضرهم في شيء، بل لا تعنيهم، فهم يعيشون أبراجهم العاجية، بل ويستفيدون من رجعية المجتمع وتأخره، فهم يجنون أرباحهم من مثل هذه النقاشات، التي إن حولوها لنقاشات تنويرية تعني أن يقوموا بعمل مهني محترف مجهد. والعمل الاحترافي مرهق ومُكلف بالنسبة لهم. هذه النقاشات السفيهة أسهل وتجني أمولاً أسرع، فأغلب المشاهدين مازالوا مقتنعين فعلياً بوجهات نظر كهذا، لذا فهم لا يبذلون مجهود لإقناع المشاهد، بل يُقدمون ببساطة ما يستهويه، ويرضي أفكاره النمطية، بدون الدخول في صراع مع السلطات الفكرية الأصولية في المجتمع –أياً كان نوعها؛ ديني، أو عرفي أو غير ذلك ..-!!
وبدلاً من أن ينال مثل هؤلاء سيلاً من تعليقات الجمهور تسألهم كيف لأمثالهم أن يناقشوا أمراً لا يمرون به في حياتهم، ولا يدرون عنه شيئا، حيث أن مشاكلهم لن تنشب بسبب عدم خدمة زوجاتهن لهم، أو عدم خدمتهن لأزواجهم، فغالبا حين تترك الأطباق والملابس وغيرها بلا تنظيم و نظافة سيطردون الخدم والسفرجية ويوظفون غيرهم وغيره. بل جاءت أغلب تعليقات، حتى من السيدات تُعبر عن ذكورية أصبحت فطرية في مجتمعاتنا، بل وتحرص النساء على تغذيتها –حتى لا تنطفئ جذوتها- قبل الرجال، فصاحبت تعليقات المتصلات –حتى الاعتراضية منها- جملة تحمل من التسطيح لدور المرأة وتنازل عن حقوقها كإنسان ما يكفي لقرون عدة قادمة وهي : "( خدمة) الزوج دي شغلانة الزوجة (الأصلية)، وإحنا مش مختلفين على كده"، حتى أن إحدى المتصلات علقت على كلام المذيع بأنه لم يتعلم هذا التعليم العالي، ويعمل لساعات طويلة في اليوم لكي يجمع الأطباق من على المائدة، قائلة: "طب ما هي الزوجة بتبقى متعلمة هي كمان زيك، علام مافيش منه، وخريجة جامعة أمريكية، ولا ألمانية، ومصروف عليها تقلها في التعليم، عشان تلم وراك وتغسل،.." ثم ذيلت كلامها هذا " هو آه خدمة الزوج هي عملها الأول، والأهم، إحنا مش مختلفين، بس بالحب، كله بالحب بيتعمل".
ويبدو أن أغلب السيدات في مجتمعاتنا أصبحن ذكوريات أكثر من الرجال/الذكور أنفسهم، حيث يعتبرن أنه من العار أن يعترضن على كون خدمة الرجل ليست مدرجة ضمن الأعمال المنوط بالمرأة القيام بها، وليست مهمة مقدسة، خُلقن من أجلها، وإن لم ينفذنها صُبت عليهن لعنة الآلهة –الذين يبدو أن النساء يعتبرنهم ذكوراً بدورهم أيضاً-. والحق أن هذه المهمة المقدسة بخدمة الذكر وتقديم التضحيات في سبيل إرضاء رغباته هي وهم ترسخ في الوعي واللاوعي الجمعي للمجتمعات الرجعية رغم أن لا القوانين وضعية و لا شرائع سماوية أقرت بهذا الوهم المقدس.
وتجلى هذا الوهم المقدس في هذه الجملة المتكررة على لسانهن بدءاً بالضيفة رجاء الجداوي ومرورا بباقي المتصلات – الموافقات والمعترضات على حد سواء-فلم تستطع إحداهن إلا أن تستهل أو تُذيل كلامها بهذا الوهم الذكوري بغيض، ربما رغبة من كل واحدة منهن في درء شبهة عار التمرد على الذكر عن نفسها، ولتضفي على نفسها تلك صورة النمطية للمرأة المستأنسة المجتمعات الذكورية، ولو بلمحة عصرية بسيطة من الاعتراض الرقيق المهذب؛ إلا أنها لم تجنح تماماً خارج السرب الذكوري. محاولة الحفاظ على هذه الصورة لتجلب الرضا الذكوري، ولو على حساب كرامتها كامرأة، و حقوقها كإنسان بغض النظر عن جنسه. وأول هذه الحقوق أنها لم تُُخلق لخدمة الرجل، وأن تعليمها وعملها حق أساسي، متساو تماماً مع الرجل، وأن هذا لا يخضع لرأي الرجل وليس فضلاً منه، ولا يعد نيلها لهذا الحق نبل خلق من الزوج أو غيره.
وربما لم تنال الحلقة سوى تعليقين يحاولان الهرب من سرب الذكورية اللعينة، إحداهما من سيدة روت في اتصالها أنها طوال سنوات زوجها لم تجمع وراء زوجها متعلقاته الخاصة، وكان دوماً مشاركاً لها في كل شيء. كما علق أحد الرجال المتصلين قائلاً "أن السيدات حاليا بمائة رجل، بتشتغل في البيت، وفي عملها، وتربي الأطفال، وفهي تنتج أكتر من الرجال".
ويبدو أن علينا جميعا أن نحتمل العيش في ظل مجتمعات نسائها ذكوريات بالفطرة، ولا نملك إلا أن نُقدم للمذيع الشهير وشركاه أن نصيحة في ختام حلقته: عليكم أن تدشنوا هاشتاج بعنوان: "#خدمة_طلب_فلبينيات_بدلا_من_زوجات"


لمشاهدة عمرو أديب "القاهرة اليوم" حلقة الأحد( 28-9-2014 ) الجزء الثالث - اسألوا رجاء «مراتك تقبل تعلقلك بنطلونك؟»: https://www.youtube.com/watch?v=XqlHM1Bihdk
عمرو أديب ينفعل على البنات على الهواء: دا انقلاب دى ناقص تقولى: https://www.youtube.com/watch?v=ks1f9fS1Juk&feature=youtu.be