الزواج المؤقت بين الفقه والقانون



زكي لطيف
2005 / 8 / 22

المجتمعات النامية تعيش عادة في فوضى قانونية ولبس دستوري على قدر من اليقين تتمثل مظاهره في التناقض بين القانون والنظم الاجتماعية أو بين الدين والنظم والقانون العام المنظم لنشاط المجتمع وحركته المستمرة.
في البلدان المتقدمة والديمقراطية يعتبر الدستور قانون كلي وهو العنصر الأساسي في النظام القانوني والحقوقي ، الدستور مدار مركزي لنشاط الدولة والشعب معا ، والعنصر الثاني هي التشريعات والقوانين والأنظمة التي تفصل القانون الكلي وتدعوا إلى تطبيقه وتلاءم ما بين مفرداته وحيثياته وتنظم تطبيقه بحيث لا يتعارض مع قوانين أخرى مرتبط بها بشكل أو بآخر .
تأتي النظم الاجتماعية كالعادات والتقاليد والقيم والذهنية السائدة لتدور مدار القوانين والتشريعات والأنظمة ولتدور الأخيرة في مدار الدستور لتضع الدولة بمؤسساتها ومنظمات المجتمع المدني بأفراده وجماعاته في دائرة رحبة وايجابية من التطور الشامل في المعرفة والفلسفة والتقدم التقني والتكنولوجي والنهضة التجارية والصناعية .
أما في مجتمعاتنا الإسلامية وبالتحديد الشيعية فالأمر مختلف تماما فعظم المجتمعات تعيش في فوضى قانونية وحقوقية قل نظيرها في عصر الألفية الثالثة، لعل من ابرز مظاهرها الزواج المؤقت ! فهذا الزواج يقول علماء الشيعة ومفكريها بأنه حل لمشكلات الزواج الدائم وتكبيلا لنوازع الزنا والشذوذ الجنسي وغيرها من المحرمات ، وتنسب إلى الإمام علي (ع) قولة مشهورة يرددها الجميع في المحيط الشيعي" لولا أن حرمها عمر ما زنا إلا شقي" إلا أن هذا النوع من الزواج غير معمول به في المجتمعات الشيعية ومن ضمنها ايران الإسلامية التي تطبق الفقه الجعفري ويعتمد نظام الحكم فيها على أساس فقهي مستند على نظرية فقهية محكمة ألا وهي "ولاية الفقيه" فزواج المتعة في ايران ممنوع قانونا ويجري في الخفاء وهذا هوالحال في معظم المجتمعات الإسلامية الشيعية، فإذا ما كان زواج المتعة جائز ومباح فلماذا هذا التناقض المذهل ؟؟ لماذا يجيزه الشرع وتحرمه النظم الاجتماعية؟؟ لماذا يمنع في ايران وهي الدولة التي تطبق الفقه الجعفري؟ إن مجتمعاتنا الشيعة لكونها تعيش نظام شموليا متخلفا تسيطر عليه الأنظمة الاستبدادية تحيى حالة عجيبة من التناقضات المحيرة وهذا هو حال الحكم الاستبدادي الشمولي القمعي نتاجه التناقض والتعارض بين المكونات الحيوية للمجتمع الذي يحكمه ويسيطر على مقدراته ، فلو كانت هناك حرية حقيقة وانعتاق من النظام الشمولي المقيت ويتمتع المجتمع بمؤسسات قانونية ودستورية رصينة لكان الوضع مختلفا تماما، فإذا ما كان الشعب مقتنعا عبر ممثليه بالزواج المؤقت ، يحول إلى تشريع بقانون عبر السلطةالتشريعة التي تنظر فيه أما إقرارا أو تجريما فإذا ما اقر يصاحب إقراره قانون ينظم مساره في المؤسسات المدنية والقانونية والخدمية ، وإذا ما تبث بعد انقضاء ولاية السلطة التشريعية المقرة له أن قانون الزواج المؤقت غير مناسب وتسبب بمشكلات عديدة ، يطلب المنتخبون مرشحيهم في حال فوزهم إلغاء أو تعديل قاون الزواج المؤقت وبالتالي يتضح ما إذا كان الزواج المؤقت مناسب لهذا المجتمع أم لا ؟ هل أجدي إقراره في انخفاض نسبة الزنا والممارسات الجنسية الشاذة أم لا ؟ هل انطبقت عليه قولة الأمام علي (ع) المشهورة" ما زنى إلا شقي" أم لا ؟ وحتى في حال فشل الزواج المؤقت وتسببه باختناقات اجتماعية وقانونية هذا لا يعني انه قانون وتشريع خاطئ بالمطلق، بل ربما يكون صحيحا ويتمتع بنتائج ايجابية في مجتمعا آخر .
هذه هي الحالة الطبيعية لمجتمعات القرن الجديد أما أن يعمل بالزواج المؤقت بمفرداته الفقهية الحالية وبالخفاء لمعارضته لنظم المجتمع فهذا إنما يعبر عن فوضى نعيشها بكل المقاييس ومرج قل نظيره في عالم اليوم .
إن الفقهاء لا يقولون فقط بجواز الزواج المؤقت ولكنهم أيضا يجوزون الزواج من الزانية وبدون عقد مكتوب أو شهود وبعدد غير محدد من النساء ولفترات طويلة جدا من العمر ودون الاعتراف بأي مؤسسات قانونية تصادق عليه ، بالمقابل لا يحظى هذا الزواج باعتراف أي مؤسسة قانونية محلية أو إقليمية أو دولية مما يساهم في تعزيز حالة الفوضى التي تقبع فيها المجتمعات الإسلامية الشيعية.
إن التجانس ما بين الحكم الفقهي والمؤسسة القانونية أمر لا بد منه من اجل تأليب النظم الاجتماعية وكسر شوكتها لتنصاع للقانون الذي يخلقه الامتزاج الايجابي بين الفقه الإسلامي وسائر مصادر التشريع الأخرى في الدستور الذي يعبر عن ضمير الشعب في نهاية الأمر .
وما نكابده اليوم من تناقض بين بعض الأحكام الفقهية والنظم الاجتماعية فلكون مجتمعاتنا تعيش في ظل نظام سياسي واجتماعي وديني مستبد وديكتاتوري والاستبداد والديكتاتورية على نحو الإطلاق لا تعترف بالدستور والقوانين والأنظمة المنبثقة عنه كقاعدة ارتكاز للدولة والمجتمع، إنما يفرزان تناقضا في كافة جوانب حياة الفرد والمجتمع ينتج عنه العديد من الإرهاصات والاختناقات في كافة دوائر الحركة والنشاط ، وتراجع اقتصادي وثقافي شامل، ويخلق شخصية إنسانية متخلفة غير قادرة على العطاء ، وهذا ما تكابده مجتمعاتنا الإسلامية منذ حقبة طويلة من الزمن هي عمر الإسلام كآخر ديانة سماوية على وجه الأرض.