دوائر ولجان المرأة في المؤسسات الأهلية والرسمية بين الدور التقليدي والرؤيه الجندرية



محمد كريزم
2005 / 8 / 23

كثر في الأونه الأخيرة إنشاء دوائر وأقسام ولجان خاصة بالمرأة في الوزارات والمؤسسات الحكومية والأهلية والحزبية والنقابية على حد سواء، تحت مسميات عديدة وأهداف وأغراض متباينة، والسؤال الذي يطرح نفسه هل فعلاً هذه الأجسام الغاية من وراء إنشائها تحقيق المساواه والعدالة الكاملة لكلا الجنسين؟ أم هي مجرد إستكمال لهياكل إدارية والتمظهر بمناصرة قضايا وحقوق النساء؟ والدهشه والإستغراب أن هناك دوائر للمرأة يقف على رأسها رجال، فهل هذه ظاهرة صحية أم إستخفاف بالقضية عموماً؟.
هذا التحقيق يستعرض المسألة من جميع جوانبها على ضوء توجه وزارة شئون المرأة القاضي يإستبدال دوائر المرأة بوحدات تعمل من منظور جندري وليس مجرد تأدية أدوار تقليدية أو هامشية، خاصة وان هناك إنتقادات شديدة وجهت لدوائر المرأة كونها إختزلت قضايا ومشكلات النساء في نطاقات ضيقة ومحصورة لا تلبي الحد الأدنى من إحتياجاتهن.
دوائر حسب الطلب
هيفاء أسعد الخبيرة في تطوير المؤسسات والتي تعمل بممثلية الإتحاد الأوروبي في رام الله أوضحت أنه ليس مهماً قياس مدى قيام تلك الدوائر بمسؤولياتها أم لا، ولكن الأهم معرفة مدى جدوى تلك المسئوليات بتحقيق ما تطمح له من أهداف وتطوير يتعلق بواقع ودور المرأة الفلسطينية على المستوى الوطني، مشيرةً إلى أن أهم ما يمكن مراجعته وقياسه هو مدى توفر الرؤى لدى تلك الدوائر حول ما تريد إنجازه بشكل حقيقي وفعلي أولا، ومدى إدراكها لما يلزم تطويره من خطط وأليات لإنجازها، وعلى الرغم من أن ما تعانيه تلك الدوائر من ضعف ليس بمعزل عن ما تعانيه المؤسسات الحكومية بشكل عام من غياب للبناء والتفعيل المؤسساتي، وعدم شمولية وتوحيد للسياسات والإستراتجيات الوطنية، إلا أن ما تعاني منه دوائر المرأة على ذلك الصعيد يفوق ما تعاني منه المؤسسات الحكومية بحكم ما تحتاجه تلك الدوائر والفئة التي تستهدفها من خصوصية وتركيز أكبر في الخدمات والخطط من حيث النوعية والكمية.
وعبرت أسعد عن أسفها لعدم إيلاء أهمية كافية لتلك الدوائر، كونها لا تعطي لها الخصوصية ضمن أولويات المؤسسات الحكومية، بل على العكس من ذلك، فهي إن لم تكن من الدوائر الأكثر حظا داخل الوزارات وتستقطب التمويل الدولي بعنوانها، والذي هو واحد من أهداف تشكيلها أصلا، فإن تلك
بأقل الإمكانيات، سواء البشرية منها أو المادية، إضافة إلى أن إناطة مسؤولية الطفولة بتلك الدوائر بالضرورة، يضع رؤيا الجهة الحكومية والمرأة ضمن الأدوار التقليدية المنوطة بها على مستوى الأسرة والمجتمع بشكل عام، وهذا بحد ذاته يعتبر مؤشرا لغياب رؤيا حقيقية على المستوى الوطني للدور المتوقع أن تقوم به تلك الدوائر من جهة، ولربما غياب رؤيا حول موقع المرأة ودورها على الصعيد الوطني بشكل عام من جهة أخرى، لذلك فإن المرأة ودوائرها لا تكون أجندة أولويات تلك الوزارات والدوائر الحكومية، إلا لمتابعة في حالة استقطبت التمويل أو لدعم الاستقطاب للتمويل بشكل عام، كجزء من شروط الممولين الدولية، ألا وهو توفر مفهوم النوع الاجتماعي في البناء المؤسساتي الحكومي، كسياسات، وكهيكلية وآليات وبرامج.
وعرجت أسعد في تقييمها لدوائر المرأة وإتجهت إلى دوائر المرأة على صعيد المؤسسات الأهلية وأوضحت انه على الرغم من وجود ملاحظات عديدة على الدور الذي تقوم به تلك المؤسسات على صعيد واقع وحقوق المرأة، والتي تتعلق بغياب تمثيلها للقاعدة العريضة من النساء الفلسطينيات، إلا أن لها جهود هي بحد ذاتها جزء من جهود المجتمع المدني ككل، حيث استطاعت تلك المؤسسات أن تحقق بعض الإنجازات، على الرغم من ضعف إمكانياتها، والعراقيل العديدة التي توضع أمامها، وخاصة ما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية، والدفاع عن بعض القضايا النسوية المصيرية. ولكن تلك المؤسسات بدورها هي أيضا، تحتاج إلى مراجعة لرؤيتها، ولأهدافها، حيث يحكم أجندتها وأولوياتها التمويل، والتفرد وعدم التواصل مع المرأة واحتياجاتها الشاملة محليا، وجدوى التعامل مع تلك الاحتياجات بمعزل عن احتياجات المجتمع بشكل متكامل.
وفيما إذا كان إنشاء تلك الدوائر تعزل المرأة عن محيطها قالت الخبيرة أسعد انه على الرغم من قناعتها التامة بحاجة المرأة الفلسطينية للخصوصية لإحداث التوازن مع الرجل على المستويات المختلفة، وتعبئة الفجوات التي تعاني منها المرأة على الأصعدة المختلفة، ومشاركتها الرأي القائل أن هذه الدوائر ليس فقط لا تخدم الأهداف التي أقيمت من أجلها، بل إنها كذلك وبواقعها الحالي، تساهم في شل الطاقات النسوية العاملة في تلك الوزارات. ففي الوقت الذي من الممكن أن تقود تلك النساء، واللواتي يعتبرن كفاءات، تفعيل أولويات واحتياجات المرأة كجزء من احتياجات المجتمع بشقيه المرأة والرجل على مستوى الوزارات بشكل عام، إلا أن طاقات تلك النساء تهدر، وتعزل في دوائر لا تعتبر من الدوائر الفاعلة ضمن الهيئات الحكومية من ناحية، ويحرمن من التنافس والتطور في الدوائر الأخرى والتأثير بالتوجه الذكوري للمؤسسة، وأخذ فرص للوصول إلى مواقع قيادية على صعيد المؤسسة العامة.
وأنحت أسعد باللائمة على النساء اللواتي يقدن المؤسسات النسوية المتخصصة من القطاع الأهلي، وإعتبرت أن جهدهن وكفاءاتهن مجرد مضيعة للوقت في معارك جانبية، مؤكدة في نفس الوقت أنه من الممكن أن ترتقي بعضهن إلى مواقع صنع القرار لخدمة قضايا المرأة وإحداث التغيير في مؤسسات يجب أن يكون التأثير فيها مباشر ويومي مكثف، هذا بالإضافة إلى أن تلك النساء وإنجازاتهن، لا تحسب ضمن إنجازات المجتمع بتركيبته الذكورية، حيث لا ينظر إليهن من قبل الأغلبية في المجتمع، وخاصة الأجيال الجديدة، على أنهن رموز نجاح للإقتداء والقيادة، لهذا فإن القاعدة النسوية بطروحاتها للتغيير تفقد قنواتها الواسعة والعريضة للتأثير الحقيقي بهذا المجتمع، ضمن المنابر الأوسع والأكثر تأثيرا، مشيرة في نفس السياق إلى أنها لا تقلل من أهمية الدور الذي تحاول تلك المؤسسات القيام به، إلا أنه يبقى محدودا، ويناسب مرحلة سابقة، كانت فرص المرأة في التعليم والعمل والتطور والدخول إلى المنافسة في مؤسسات الرجال نادرة، ولربما معدومة للأغلبية.
بناء مؤسساتي
وأشارت أسعد إلى أن تطوير أداء وعمل تلك الدوائر، ليس بمعزل عن تطوير عمل وأداء المؤسسة الفلسطينية بشكل عام، وخاصة الحكومية. فمن الواضح أن الواقع الفلسطيني يعاني من غياب البناء المؤسساتي والذي يترافق مع غياب التخطيط الإستراتيجي، وواقع دوائر المرأة ليست بمعزل عن ذلك. فتطوير أداء تلك الدوائر والمؤسسات يرتبط بإيجاد البناء المؤسساتي على المستويين الحكومي والأهلي، والأهم تفعيل ذلك البناء، والذي يعتمد على وضع الهيكليات الواضحة، واللوائح الداخلية، والوصف الوظيفي وتوضيح تقسيم العمل والمسئوليات، والأهم ضمان الشفافية وسيادة القانون. كما أن التخطيط الإستراتيجي الوطني القطاعي منه، والعام لا يقل أهمية عن البناء المؤسساتي، والذي بالضرورة يجب أن يضع المرأة باحتياجاتها ضمن الأولويات الوطنية، والذي يجب أن ينعكس في السياسات والخطط الوطنية، ودعم وزارة شؤون المرأة دوائر المرأة بالكادر والموازنات وتفعيل دورها ضمن رؤية شاملة للمؤسسة أو القطاع.
ورفضت الخبيرة أسعد تعميم إجابتها حول سؤال ما إذا كانت دوائر المرأة تعمل بشكل منهجي أم عشوائي وأكدت أن بعض تلك الدوائر في المؤسسات الحكومية تعمل وفقا لإستراتيجيات وخطط عمل محددة والبعض الأخر يعمل بشكل عشوائي كيفما توفر التمويل والموازنات. ولكن تبقى المرأة ضمن تلك الخطط والإستراتيجيات لا تأخذ حقها ضمن الأولويات، ولربما يبقى الاهتمام بها من منطلق تكميلي وليس من منطلق اعتبارها بمن تستهدف، على رأس الأولويات. كما أن الرؤيا لدور الدوائر والمرأة التي تنبثق عنها تلك الإستراتيجيات والخطط بحاجة لمراجعة وتصحيح ضمن رؤيا تضع الدوائر والمرأة في إطار التخطيط الفعلي لتغيير واقع المرأة بشكل يتناسب ودورها، وإمكانياتها وتأثيرها في البناء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وليس كشكل تكميلي للبناء الهيكلي. أما اللجان العاملة في حقوق المرأة، فقد تكون لها أجندة ورؤيا خاصة بها والتي تحاول بعضها تحقيقها، ولو جزئيا، ولكن تبقى تلك الأجندة، للآسف محكومة بالتمويل من جهة، وأطر عمل يتم تطويرها بشكل غير شامل، لغياب التكامل والتعاون الحقيقي ما بين تلك اللجان ولعدم ربطها بالرؤيا التنموية الشاملة للمجتمع من جهة أخرى.
وحدات من منظور جندري
من جهتها أوضحت عزة أحمد رزق مدير دائرة التنسيق والإتصال بوزارة شئون المرأة أن الوزارة ستعمل بمقتضى الإعلان الصادر عن مجلس الوزراء بضرورة إنشاء وحدات لشؤون المرأة في الوزارات، والتي سيكون هدفها العام بلورة و تطوير رؤية شاملة وإطار عام لتقوية و تمكين المرأة الفلسطينية ضمن منظور جندري و بالتالي التأكيد على إدماج موضوعات و مسائل النوع الاجتماعي، واحتياجات وأوليات المرأة الفلسطينية في كافة السياسات و الإجراءات التي تقوم الوزارة.
وأشارت رزق إلى تحول نوعي سيحدث في عمل دوائر المرأة في الوزارات توافقاً وإنسجاماً مع النظرة التنموية لدور المرأة ( عالميا ) الذي أدى إلى تغيير في دور المرأة في عملية التنمية حيث تحول من التركيز على إدارة برامج و مشاريع تعنى بالمرأة (مثل التدريب المهني ، والنشاطات المدرة للدخل ) والذي تبين انه لا يأخذ أسباب تدني وضع المرأة و إنما يتعامل مع النتائج فقط الأمر الذي يبقي على هذه الأسباب و يجعل من تدني وضعية المرأة في المجتمعات وهذا أدى إلى هامشية دورها في التنمية ، فكانت فكرة التحول إلى التركيز على السياسات و مسار التخطيط في الوزارات المعنية و مدى أخذ قضايا النوع الاجتماعي و ذلك من اجل تعميم و استدامة الأثر مشيرةً إلى أن أهمية وجود وزارة تعنى بشؤون المرأة لتهتم بمعالجة أسباب تدني وضع المرأة في المجتمع و هامشية دورها في التنمية جاءت من هذه المنطلقات والضرورات الملحة.
وعرضتت رزق مهام عمل وحدات المرأة المزمع إنشاؤها في الوزارات والمتمثلة في الاشتراك النشط و الفعال من قبل طاقم الوحدة في بلورة و تطوير السياسات العامة للوزارة وإجراءاتها المختلفة و التأكد من تضمين النوع الاجتماعي لهذه السياسات و الإجراءات والعمل على متابعة و مراقبة تطوير الموازنة العامة للوزارة لضمان ملاءمتها لاحتياجات أولويات المرآة الفلسطينية والتأكد من إدماج النوع الاجتماعي في تصميمها لخططها و تنفيذها و متابعتها و تقييمها والاشتراك المباشر والفاعل من قبل طاقم الوحدة في تخطيط و متابعة و تقييم البرامج و النشاطات المختلفة للوزارة و ذلك من منظور النوع الاجتماعي و بما ينسجم و يتفق مع الإستراتيجية الوطنية للنهوض بالمرأة، كذلك العمل على تحديد قضايا النوع الاجتماعي القطاعية الذي تعمل به الوزارة بهدف تطوير مؤشرات كمية و نوعية يمكن الاستفادة منها في مراجعة مدى إدماج مسائل النوع الاجتماعي في سياسات و برامج الوزارة المختلفة.
وأشارت رزق إلى أن علاقة وحدة شؤون المرأة في الوزارات المختلفة بوزارة شؤون المرأة كمرجعية وطنية لقضايا النوع الاجتماعي هي علاقة تنسيقية تقوم على التنسيق و التعاون والتكامل في سبيل وضع و تنفيذ الخطة الوطنية للنهوض بالمرأة، معبرة في نفس الوقت عن أملها أن يلقى النظام الجديد الهادف لتغيير طبيعة عمل دوائر المرأة أو ما اتفق على تسميته وحدات المرأة أن تعود بالفائدة المرجوة على المرآة الفلسطينية وأن تعم المساواه والعدالة جميع فئات المجتمع الفلسطيني.
ضرورة ملحة
وترى السيدة أسيل شرورو مدير دائرة المرأة وشئون الطفل في محافظة غزة أن لكل مؤسسة حكومية أو غير حكومية جسم أو بناء إداري ولكي يكون هذا البناء كامل لابد من تواجد وتكامل هياكله الأساسية ، والمرأة هنا جزء هام من هذا البناء إن غابت فإنه سيكون ناقصاً ولذلك لابد من تواجدها ، وهنا قد يكون تمثيل المرأة بدائرة أو قسم أو لجنة حسب حجم هذه المؤسسة وطبيعة عملها، مشيرة في نفس الوقت إلى أن هناك بالفعل مؤسسات أنشئت بها دوائر للمرأة لإستكمال هيكلة البناء الإداري فيها وليس إنطلاقاً من حرصها على قضايا المرأة، في حين توجد مؤسسات لها ثقلها ودورها الحيوي أنشأت دوائر للمرأة تأكيداً منها على أهمية تواجد المرأة في دائرة تكون هي سيدة نفسها في عملية البناء والتنمية والتطوير.
وأضافت شرورو أن دائرة المرأة التي تقف على رأسها قامت بالعديد من الانشطة والفعاليات لصالح الشرائح النسوية ضمن نطاق مسئولياتها وتلقى كل الدعم والمؤازرة من محافظ غزة، لذلك نظمت دورات تثقيفية، وورشات عمل ومعارض ندوات و أيام طبية، منوهةً إلى أن دائرتها ركزت بشكل أساسي على شريحة النساء في المناطق المهمشة و النائية والتي تقع ضمن المساحة الجغرافية لمحافظة غزة .
وأكدت شرورو أن دائرتها تعمل وفقاً لخطط مدروسة ومنهجية أداء واضحة وبتوجيهات مباشرة من المحافظ ، فالدائرة بصفة سنوية تعد خطة لسير عملها من فعاليات وأنشطة مختلفة تتنوع ما بين الدورات التثقيفية الإرشادية في مجالات متعددة "صحية، قانونية، اجتماعية، وحتى ترفيهية، و إقامة معارض للمنتجات النسوية وطرق تسويقها ، ورشات عمل، واسترعت الانتباه إلى طبيعة وظروف المجتمع الفلسطيني ومعاناته تحت الاحتلال مما دعا الأمر لوضع خطط طوارئ باستمرار لمجابهة ما ينتج عن ممارسات الاحتلال لاسيما أعماله العدوانية من إجتياحات للمدن والقرى والمخيمات فكانت خطة العمل تتغير باستمرار وتصبح أكثر مرونة لتتماشى مع تلك الظروف.
ودحضت شرورو فكرة أن إنشاء دوائر المرأة في الوزارات والمؤسسات تعتبر عزل للمرأة وحشرها في نطاقات ضيقة، فخصوصية المرأة تقتضي وجود دائرة خاصة بها تعمل من أجل رفعة النساء وخدمة قضاياهن بشكل أكثر تركيزاً وتعزيز دورهن في المجتمع بموازاة مشاركتها في كافة دوائر وأقسام الوزارة أو المؤسسة، مبينةً أن هناك تطلعات كبيرة لدوائر المرأة العاملة في المؤسسات لتكثيف التعاون والتنسيق فيما بينها وتحاشي تكرار الأنشطة والفعاليات، مع الأخذ بعين الاعتبار إستهداف المرأة في المناطق النائية ودمجها في العمل المجتمعي وتقديم كل الدعم والمؤازرة لها.
ونوهت شرورو إلى أن عمل الدائرة لديها يتأثر كثيراً بمجمل أوضاع المؤسسة كونها حكومية، ووجه الأثر هنا يتمثل بالموازنات فهي ليست ثابته وبالتالي ينعكس الأمر سلباً على مجريات العمل وجودة الأداء.