لاتتركوا طالبات العراق وحدهن!



فارس محمود
2014 / 10 / 19

طالبات كلية البنات في جامعة بغداد في تظاهرات وحركات احتجاجية مستمرة ومتواصلة نوعاً ما. تاتي هذه الحركات احتجاجاً على قيام وزير التعليم العالي سيء الصيت بإصدار قرارا بفصل كلية البنات عن جامعة بغداد. ان حركة "الطالبات" هي مبعث احترام وتقدير ودعم كل انسان لديه ذرة شعور بانسانية الانسان وحقوقه.
تاتي هذه الخطوة امتداداً لمسلسل اسلمة المجتمع. من الواضح ان السادة في الحكومة العراقية هم في مسعى حثيث لاسلمة المجتمع ودفعه للوراء صوب قرون التحجر والتخلف والعنصرية. لم تصدر هذه السلطات المليشياتية قراراً في مجتمع يتطلع لعشرات ومئات القرارات التي ترد على حاجات الناس ومتطلباتها سوى تلك القرارات المعادية للجماهير قاطبة وبالأخص المراة. ان هذا امر اكثر من متوقع من هكذا سلطة متقيحة أتت للحكم على أساس الطائفة والدين والعشيرة وغيرها.
لكن ماهو غير متوقع هو انك ترى هذه التظاهرات، ولاترى هناك طالب او أستاذ او أي امرء من خارج وسط "البنات"! أ هي هجمة على "الفتيات"؟ أ هي هجمة على طيف من الطلبة؟! اذن لماذا هم وحدهم في حركتهم هذه؟ اين طلبة (بنات واولاد) الكليات الأخرى والجامعات الأخرى؟! اين بقية الأساتذة والتدريسيين؟! أ لايعنيهم الموضوع؟! اليس هم طرف في هذه القضية؟! اذن كيف يفسروا موقفهم وسكوتهم هذا؟! كيف يفسروا وقوفهم مكتوفي الايدي وكان الامر يتعلق بكائنات وكوكب اخر؟ّ على إنسانية الانسان ان لاتقبل هذا. على الطالب بالاخص ان لايقبل ان يرى زميلته التي يقضي اكثر ساعات يومه في الدراسة والرفقة معها (حتى اكثر من اهله!) ان يقبل بهذا الغبن ويلزم الصمت. على الطالب ان يعي هذا الخطر جيداً ويعلم ان الهجمة على الطالبات هو مقدمة للهجمة عليه وعلى مجمل الحياة التعليمية التي يقضي أعوام في ظلها.
ليست هذه هجمة على الفتيات! انها هجمة منظمة ومدروسة ومبرمجة على المجتمع بالأساس، على مدنيته، على معالمه الحضارية والثقافية والاجتماعية. انها هجمة على كل القيم المتقدمة والايجابية للمجتمع. لايستطيع احد ان يقول: "ان هذا لايعنيني!"، "انه يتعلق بفتيات في الجامعة!"، و"ما علاقتي بالامر؟!" لان النار، نار هذه السياسات يشمل الكل ويخص الكل. لايستطيع احد ان يقول: "وما علي، عليّ ان احافظ على قبعتي من ان تهوي بها الريح!" لا، ان استمرار هذه السياسات لن يبقي لحصيفنا هذا راس ليضع عليه قبعة يوما ما. ليكن هذا الامر واضحاً للجميع.
يجب ركن ثقافة "انا ومن بعدي الطوفان" جانباً! انها ثقافة موغلة في الانانية والانحطاط. ثقافة لاترى في بقية الناس الذين هم معنا أناس مثلنا ذوي إحساس ومشاعر وامال من الأساس، اناس يستحقون الدفاع والتضامن والوقوف معهم. ثقافة ترى في المجتمع الذات والنفس فقط، ولاترى المجتمع نفسه، قيمه، مثله، حياته الاجتماعية، ومدى تحقق الرفاه والسعادة فيه للجميع. انها نظرة ضيقة الى ابعد الحدود ولاترى ابعد من اللحظة والذات. ثقافة لاتدرك ان هذا المجتمع يجب ان يعاش بأفضل الاشكال وأكثرها تقدما وإنسانية، يجب ان يطمئن الانسان الى ان حياة لائقة لما هو حولي، لابنائي وبناتي، لاحفادي، للأجيال اللاحقة.
فيما يخص الطلبة، انها هجمة على الطلاب، على حقوق الطلاب وحرياتهم، على مكاسبهم، على أجواء علمية ودراسية رصينة، على تاريخهم وتاريخ المسيرة العلمية والدراسية في المجتمع، على حياتهم الطبيعية والإنسانية المتعارف عليها. ان تعابير وقرارات من مثل "كلية بنات" او "جامعة بنات" هو ردة كبيرة للوراء، هو سياسة تمييز وفصل عنصري استناداً الى جنس الانسان. الانسان انسان. وليس في التعليم والحياة أي مكان للجنس في التمييز بين الناس. ان التمييز الجنسي هو سياسة عنصرية وفاشية الى ابعد الحدود. ان الفاشيين الجدد هم حملة دق اسفين بين افراد المجتمع استناداً على تمايز بايولوجي بسيط جدا. يوماً بالقومية والدين والطائفة والعشيرة ويوما اخرا بالنساء والرجال. الماهية هي ماهية إنسانية قبل أي تعابير أيديولوجية وعقائدية سخيفة وتحقيرية للبشر.
يقول وزير التعليم العالي ان هذا القرار قد جاء بناء على ضغط الأهالي! يجب ان يعرف الجميع انه كذاب! هذا المجتمع، شهد تعليما جامعيا مختلطاً منذ بدء المجتمع العراقي الحديث. ولم تكن مسالة احد ان الجامعات مختلطة. بل ان ماهو معروف بداهة هو ان الجامعات مختلطة، وارسلت ملايين الفتيات طوال هذا العقود المديدة وفي أحيان كثيرة من ابعد القرى النائية في العراق الى هذه الجامعات المختلطة!. وان مايقارب من 70 دفعة قد تخرجت وهي مختلطة. لماذا "ضغط الأهالي الان"؟!!! ياليت كان الوزير يتحلى بالشجاعة قليلا ويقول: "ان لدي أيديولوجية اريد فرض مفرداتها على الاخرين"! انا اعلم ان كليات البنات مفصولة من حيث الجنسين منذ سنوات. بيد ان السياسة التي تقف خلف هذا هو الدفع بقنونة الفصل الجنسي في التعليم الجامعي وتثبيت مفرداته. وبعدها تفرض قرارات في هذه الكليات "البناتية" بصورة تمييزية وبالضد من المراة. وأول "خيرات" هذا الفصل هو ان يضيع حق الطالبة في الدراسات العليا مثل الماجستير والدكتوراه لمالايقل عن عشرة أعوام مقبلة. وان هذه خطوة، من باب اخر، لضرب المراة وفرصها في الارتقاء العلمي والدراسي وبالتالي ضربة لمكانة المراة في العملية العلمية والدراسية وفي المجتمع اجمالاً.
ينبغي ان ترد الهجمة بصاعات، بالايادي والإرادة الموحدة لطالبات وطلاب العراق جميعاً.