التحرش فكر وفعل



ميلاد سليمان
2014 / 10 / 21



التحرش، في اللغة، من تحريش الشيء أي الإحتكاك الخشن به، وتحرّش بالمرأة أي اغواها إليه بخشونة وعدم لياقة. ولكن الآن أصبح التحرش لفظة واهية مهذبة جدًا للتعبير عن هذا الكابوس الذي تعيشه الأنثى في واقعنا الشرقي العربي المتدين بطبعه!! أعتقد أن (الافتراس) هو أدق لفظة ممكنة، والأسباب تتنوّع وتتعدد وتختلف وتتبدل حول أسباب ودوافع الشباب لهذه الجريمة، والتي تعد انتهاك للسلامة الجسدية والنفسية للأنثى، بل تهدد حياتها أيضًا.

تلجأ بعض الإناث للانتحار بعد حادث الافتراس أو تنطوي على نفسها ولا تغادر شقتها إلا إلى القبر!! إنها جريمة تجاوز حدود المساحة الشخصية الآمنة للتواصل الآمن، وتدخل في بند الإعتداء على الغير. خاصة وإن ٩-;-٨-;-% من حالات التحرش في مصر، هي حالات تحرش الذكر بالانثى، ونادرًا ما رأينا العكس.

وعن أسباب التحرش والافتراس الجنسي، فقد أرجعها البعض إلى الجهل باحترام الآخر وفهم طريقة التعامل معه، وتوفير المساحة الشخصية المطلوبة، فالبعض ترسم له مخيلته أن ما يحدث في الأفلام السينمائية هي طريقة التعارف الوحيدة والصحيحة بين الرجل والمرأة “نظرة.. فإبتسامة.. فكلمة.. فلقاء ». وبناء عليه، يفرضون نفسهم فرضًا على أي انثى ويطاردونها بالأعين والأيدي طوال الطريق، كل هذا في ظل غياب التعليم والتربية التي توصل صورة صحيحة للمرأة في المجتمع.

وبعضهم من أرجع السبب إلى النص الدين وخطابه في دُور العبادة، سواء الكنيسة أو المسجد، وحديث بعض رجال الدين عن عدم المساواة بين الجنسين، ومكانة المرأة ووضاعتها في الوجود باعتبارها متِاع وعالة على الرجل الذكر، ومصدر الشهوة والنجاسة والذنوب، فهي التي أخرجت آدم من الجنة حسب الرواية الإبراهيمية.

وبعضهم أرجع ذلك للبطالة والفساد وقلة المال المتوفر للحصول على حياة كريمة إنسانية مع الآخر، خاصة مع تأخر سن الزواج، وقلة وجود بيوت للمتعة الجنسية، فيلجأ الشخص المتعطل إلى سرقة اللذة واختلاسها دون أن يضع في حسبانه أن هناك طرف مشارك معه جبرًا، بل يختلس المتعة وحده دون أي مراعاة ليقدم للآخر مثلها، بل يبرر فعلته أن المتُحرش بها تسعد بهذه الانتهاكات!!

وبعضهم أرجع ذلك إلى ملابس المرأة وطريقة سيرها وزينتها، وإنها هي من تبادر بالتلميح والتشجيع للشباب، وأتباع هذا الرأي ممّن يلومون الضحية ويجعلونها دائمًا من تحمل ثقل كل عقدهم النفسية، والمسبب لكافة المشكلات.

وبعضهم أرجع ذلك إلى إعتباره سلاح في يد السلطة السياسية، لتهين فصيل آخر بالتنكيل في نسائه، تمامًا كما حدث مع القبائل الهمجية الجاهلية، حينما تغتصب نساء القبيلة المهزومة، للتنكيل برجالها ومعايرتهم بما حدث في نسائهم. فتجد فصيل سياسي يتحرش ويرمي نساء الفصيل الآخر بما ليس فيهنّ، طمعًا في إلصاق الإهانة به حسب وجهة نظرهم.

والملاحظ أن حالات التحرش والافتراس، تكون جماعية، فلا يقوم مغتصب أو متحرش بالحصول على فتاة وحده، بل بتشجيع آخرين معه لتعضيد قوته وتعزيز همته، لأنه لا يقوى على القيام بهذه الجريمة البشعة فرديًا، وكأنه نوع من تفريق دم الضحية بين القبائل.

التشخيص سابق على العلاج، ورؤية عيوبنا يجعلنا قادرين على إبراز المميزات، بالتالي نحتاج إلى تشكيل ورشة عمل

متخصصة، تضم خبراء متخصصين، في مجال الصحة النفسية وعلم الإجتماع والتربية والتعليم، وغيرهم من الفنانين ورجال الفكر والأدب، ليتم مناقشة ما يمكن فعله لعمل نهضة إنسانية تنويرية تعيد الإنسان، ذكرًا وانثى، لمكانته الراقية.