النساء والتجربة الليبيرية (2)



عائشة خليل
2014 / 10 / 25

وتتمتع ليبيريا حاليًا بمستوى عالٍ من التعافي الاقتصادي تحت رئاسة إلين جونسون سيرليف الاقتصادية المتميزة خريجة جامعة هارفارد العريقة، والحاصلة على جائزة نوبل للسلام لعام 2011 مشاركة مع زميلتها في الكفاح السلمي ليما غبووي. وقد وثقت تجربة رابطة نساء ليبيريا من أجل السلام في فيلم وثائقي بعنوان "فلندعو كي يعود الشيطان إلى الجحيم" إخراج جيني ريتيكر وإنتاج إيجابل ديزني لعام 2008، وحصد العديد من الجوائز في المهرجانات المختلفة.

وتساند منظمة الأمم المتحدة في جهود إحلال السلام والمصالحة التي دعت إليها الرئيسة سيرليف بعد عام من توليها منصب الرئاسة، وتعمل على ترسيخ السلام وسيادة القانون بالبلاد. فلقد تضرر المجتمع الليبري من انخراط شباب حديثي السن في النزاع المسلح الذي دام قرابة ثلاثة وعشرين عامًا، حيث نشأ جيل يتخذ من العنف والقوة عنوانًا، جيل يرى أن العنف الموجه ضد المرأة (وخاصة جرائم الاغتصاب التي عادة ما تنتشر أثناء النزاعات المسلحة) أمر مسلم به، جيل لا يحترم النساء وتتجذر في نفسيته إمكانية امتلاك أي فتاة، جيل مشوه نفسيًا من أثر ما عانى وعاين من مأسٍ. ومن ضمن الجهود المبذولة في هذا الإطار، يدعم برنامج المرأة في الأمم المتحدة بث برنامج إذاعي "حديث الرجال" لمناقشة المنظور الذكوري السائد عن علاقات الجندر. وتدعيم دور الرجال في إنهاء العنف ومساندة الجهود الرامية لتمكين المرأة.

إلا أن ليبيريا باتت تعاني مؤخرًا من أزمة وباء فيروس الإيبولا الذي اجتاح بعض الدول في غرب أفريقيا مثل كينيا وسيراليون ونيجيريا. وهكذا قامت إلين سيرليف بإجراءات استثنائية من أجل السيطرة على الوباء: غلق الحدود وتعليق الدراسة بالمدارس والجامعات، وبعض الإجراءات الوقائية الأخرى مثل منع إقامة مباريات كرة القدم من أجل الحد من انتشار الوباء القاتل. واستمرت الأمم المتحدة في مساندة الحكومة الليبرية في هذا الإطار أيضًا، حيث قام فريق من برنامج المرأة بالمشاركة مع وزارة المرأة والتنمية بتوعية 50 متطوع ومتطوعة (جلهم من النساء) بأساليب محاصرة الوباء، سيقمن بدورهم بتدريب آخرين ينشرون وعيًا صحيًا سليمًا على مستوى القواعد الشعبية من أجل أن يصل إلى الجميع في أرجاء البلاد: النساء وغير المتعلمين والقاطنين الأرياف والأماكن النائية. ويدعم برنامج المرأة في الأمم المتحدة أيضًا برنامجًا إذاعيًا ينشر الوعي الصحي وأساليب محاصرة الفيروس والتأكد من عدم انتشاره إلى أشخاص آخرين وذلك باستخدام أكياس بلاستيكية، والتأكد من غسيل اليدين عند ملامسة من يعتقد إصابتهم بالمرض. كما يدعم برنامج المرأة جهود الوزارة (وزارة المرأة والتنمية) بليبيريا للتقليل من معاناة النساء بشكل خاص من انتشار الوباء، فيقومان بمساندة المؤسسات المتواجدة على مستوى القاعدة الشعبية بدعم اقتصادي للمرأة بحيث تكون صمام الأمان للعائلات في مكافحة الوباء.

خاضت ليبيريا نزاعات عسكرية مريرة لقرابة ربع قرن من الزمان، أنهتها النساء بالضغط على القيادات المحلية من أجل الجلوس على طاولة المفاوضات، ودفعن باتجاه الوصول إلى حلول سلام ناجعة، ثم ساندن مرشحتهن الرئاسية، واليوم يدعمنها (بمساعدة مؤسسات دولية كثيرة منها الأمم المتحدة) من أجل محاصرة وباء الإيبولا. وأحرزت النساء في ليبريا نجاحات قيمة عندما عرفن قيمتهن كراعيات للأجيال القادمة: فمن أول رئيسة إفريقية إلى اعتراف دولي تمثل في جائزتين للسلام عام 2011، ووزارة المرأة والتنمية تعمل على تكثيف جهود تمكين النساء بليبيريا. ننظر في العالم العربي دومًا باتجاه دول الشمال من أجل نماذج نأمل أن نستخلصها، فلعل من المفيد أن ننظر إلى دول الجنوب وخبرات نساءه ونجاحاتهن، فالظروف الموضوعية بها أقرب إلى ظروفنا، كما أن العادات المجتمعية متشابهة أو متقاربة. فهل لنا أن نعي دورنا التاريخي ونستخلص التجارب الملائمة لنا؟