النظرة الذكورية المتفحصة



عائشة خليل
2014 / 11 / 7

هناك مستويات من النظرات: منها نظرة عابرة، وأخرى متفحصة. والنظرة المتفحصة تتأمل وقد تشتهي، لا فرق هناك بين من ينظر إلى الشاشة أو على الطبيعة. وفي الشاشة كما في الطبيعة يكون الفاعل أو الناظر عادة ذكرًا (إذ تدرب الثقافة البطريركية النساء على خفض مستوى النظر باستمرار)، ويكون المفعول به أو المنظور إليه أنثى (إذ تدربها الثقافة البطريركية على أن تبدو دائما متعة للناظرين من خلال حسن الهندام والتجمل).

وفي مجال السينما، عندما تدور الكاميرا لتلتقط مشهدا معينًا تأخذ في الحسبان أن المشاهد ذكر حصرًا وتحديدًا. فعلى سبيل المثال، مشهد دخول البطلة لأول مرة في معظم الأفلام يصور ببطء شديد وبمرور الكاميرا على كامل جسد البطلة الرشيق والمنمق من ساقيها إلى وجهها. وفي مثل تلك اللقطة (المتكررة كثيرًا بالأفلام) يفترض صناع الفيلم أن المشاهد ذكر يتفحص جسد البطلة وزينتها. وهذا ما التفتت إليه النسوية لورا مولفي، ونعتته بالنظرة الذكورية المتفحصة. فالمتحكم في الكاميرا يمنح المشاهد (الذي يفترض سلفًا أنه ذكر) متعة بصرية تُشيَّأُ من خلالها النساء.

وفي الإعلانات كما في الأفلام توضع صور نساء جميلات متأنقات من أجل التسويق لمنتجات لا تمت بأي صلة للجسد المعروض، تضاف فقط كمتعة بصرية. بحيث تصبح فتاة الإعلانات هي المنتج المعروض. والترابط النفسي يكون كالتالي:« اشتر السلع من أجل أن تحصل على الفتاة» أو «عليكِ أن تشتري السلعة لتكوني كفتاة الإعلان وبالتالي تحصلين على رجل». أي أن الآلة الرأسمالية الضخمة التي تنتج السلع وتسوقها هي المستفيد الأول من تشيئ المرأة.

ومن أجل ذلك كان عمل النساء في مجالات الإخراج من الأهمية بمكان واحتفت بهن النسويات وخصصن الأبحاث المساندة لأعمالهن. كما نشأت شركة لتسويق أعمال المخرجات باسم «النساء يصنعن الأفلام» تسوق أفلاما لا تكون فيها النساء عرضة للنظرة الذكورية المتفحصة. كما اقتحمت النساء مجال النقد الفني فبحثن في الأعمال الفنية التي تشيئ المرأة وكتبن عنها. وبما أن المسئولية في تشيئ المرأة تقع جزئيًا على الفنانات والعارضات والمغنيات اللواتي يخضعن لطلبات المخرجين والمصورين فيقبلن أن يكن عرضة لنظرات ذكورية متفحصة، فقد التفتت الدراسات إلى أدائهن. وخصصن بالذكر من ارتقت منهن سلم المجد بحيث صار بإمكانها أن تفرض رؤيتها على المصور أو المخرج، فالممثلات الأقل رسوخًا في المهنة قد يكن عرضة لضغوط السوق من عرض وطلب، وهي أمور قد تتحرر منها من اكتسبت بعض الشهرة في مجالها. وضغوط النسويات على المجال الفني بكل أبعاده يأتي ثماره ولو بعد حين، وبذا تنحسر ولو جزئيًا النظرة الذكورية المتفحصة التي تفترض في المشاهد أن يكون ذكرًا وتعمل على إمتاع ناظريه بلقطات تصوب على أجساد النساء.

وعندما منع فيلم «حلاوة روح» من العرض في دور السينما، تباكى الكثيرون على الأخلاق وضياعها، وتحدثوا عن الصورة السيئة التي تلحق برجال مصر ونساءها من جراء عرض فيلم تنتهك فيه حرمة امرأة بلا رجل يحميها. لم تدقق تلك النقاشات في تشيئ المرأة من خلال النظرة الذكورية المتفحصة التي التقطتها الكاميرا. ولم يعاتب أحد البطلة لأنها سمحت بذلك، بل ألمحوا إلى عكس ذلك. ولم يقارن أحد بين ما تتعرض له نساء القاهرة من تحرش وما تعرضت له البطلة من ملاحقة وصلت حد الإكراه. وإنما تركزت الانتقادات على المظهر الخارجي «عِيب، الناس تقول علينا إيه؟»

ولعل تمادي صانعي الفيلم في النظرة الذكورية الفاحصة هو ما ضغط على الحكومة كي تمنع عرض الفيلم بعدما أجازته الرقابة. وربما لو خفف المخرج الجرعة قليلا لاستمر عرض الفيلم، ولم يلق العاصفة التي جوبه بها. ولكان لدينا الآن مادة خصبة للنقاش عن النظرة الذكورية المتفحصة، وعن الدور الذي يتحتم على الممثلات لعبه في ذلك الشأن، وعن العنف على أجساد النساء (من التحرش إلى الإكراه) وعن تواطؤ النساء ضد بعضن البعض في المجتمعات الذكورية من أجل الفتات الذي يُمنح للمتواطئات من النساء.