أوراق المرأة في رواية ( منعطف الصابونجية )



بروين زين العابدين
2014 / 11 / 10

عندما نلقي نظرة متفحصة على أي جانب من جوانب الحياة فهذا يعني بطبيعة الحال إلقاء تلك النظرة على المرأة ، حيث هي تمثل وبجدارة محور الحياة بكل مستوياتها وأبعادها المادية والمعنوية الملموسة منها والروحية ، فعندما تكون المرأة هي الأُم والزوجة والاخت والإبنة والحبيبة فليست هناك مفردات أغنى من هذه المفردات في كل قواميس اللغة وليست هناك في الحياة بكل منعطفاتها وضفافها معاني تتكامل في غياب هذه المصطلحات ، والعالم الذي نحن بصدده ليس عالمان عالم المرأة وعالم الرجل إنما في كل السياقات هو عالم واحد متحد متكامل من ألفه إلى يائه منذ فترة الزواج والحمل والمخاض والولادة والتربية والمعاناة وكل ارهاصات الحياة لتكون هناك دورة اخرى واخرى ودواليك بزواج الأولاد والبنات .
عندما يتصفح القاريء الكريم أوراق حياة المرأة في رواية ( منعطف الصابونجية ) للكاتبة المبدعة نيران العبيدي وفي فترة معينة ومحددة من تاريخ العراق وفي بدايات الحرب الكونية الاولى سيكون على دراية بعالم كانت المراة فيه الضحية والمظلومة والمغلوبة على أمرها والفاقدة لارادتها على طول الخط والحظ على أيدي مؤذية هي أيدي الرجل ومع نفوس ملؤها المكابرة والعناد والشراسة هي نفوس الرجال ، أمام مشاهد هذا الواقع المؤلم يكون القاريء وجها لوجه امام عائلة عراقية لها مكانتها الاجتماعية في تلك البيئة ، الوالد مصطاف يمتلك الاراضي والبساتين ويمتلك النفوس حيث يكون في عائلته الآمر والناهي ، الاول والاخر ، الحاضر والمستقبل ، ولا كلمة إلا كلمته إن كانت سلبا او ايجابا سواء بقناعة او بغير قناعة .
هذه العائلة في شخصية الاب تأبى إلا ان تعيش في غفلة من الزمن الاتي ليبقى يراوح في مكانها وتكون ثمن هذه المراوحة هي المراة اولا واخيرا .
عندما نستعرض ونقف امام نماذج للمراة في هذه الرواية نندهش بل ونلعن حظ المراة في حياة هي أبعد ما تكون من الحياة :
1 ـ العمة ستة عياطة وكانت الضحية لتقاليد هذه العائلة والمجتمع لتبقى عانسة في بيت والدها ثم بيت أخيها بسبب الزواج الطبقي ، فإذا لم يكن للمرأة في هذه العوائل ما يساوى ويوازي عائلتها من حيث المكانة الإجتماعية والمواصفات المعنية تبقى  دون زواج وعانسة في المحطة ولو مر بها العديد من القاطرات لتبقى في العائلة مع الكبت والشعور بالنقص واليأس القاتل من المستقبل المعتم .
2 ـ ونموزج آخر للمرأة المضحية والمغلوبة على أمرها هي حسيبة زوجة مصطاف التي تقدم كل ما تستطيع تقديمه من أجل أولادها وتبيع ذهبها من أجل سمعة زوجها وعائلتها للصرف على ضيوف العائلة ، المرأة التي تحملت الكثير من الآلام والمعاناة ما لا يستطيع كائن ما كان تحمله وكيف لا حيث يتعرض فلذة كبدها ابنها عادل الى قتل غامض وكل الظنون تحوم حول مكيدة دبرها والده لكي يبقى اسم العائلة ومنزلتها بعيدة عن الشبهات والاقاويل فما كان من حسيبة إلا أن فصلت منامها عن منام زوجها ، حسيبة الوالدة تحملت بالحسرة هروب إبنتها بدرية من كل قيود العائلة والمجتمع ليختم نهايتها بالشمع الأحمر ، هكذا كانت أيام هذه المرأة التضحية والمعاناة والدموع والدماء .
3 . والنموذج الثالث للإنسانة المظلومة في هذه العائلة بدرية التي تخفق قلبها بالحب بين قيود وجدران بيتها ولكن كان حظها أن الحبيب ( كرجي ) اليهودي من ديانة اخرى ليس له الارادة والقابلية لحسم الموقف بما يضمن صيانة هذا الحب البريء مثل وردة تنبت بين جمر النار وشضاياها وبراءتها تدفعها لترك بيت العائلة متأملة بالحبيب كل الخير والتضحية والخلاص ولكنه لم يكن أهل لهذه المسؤولية ولا يُقدر الحب والوفاء والإخلاص حق قدرهه فيسلمها إلى المنعطف الخطير حيث أزقة الصابونجية والأيام والبيوت العاهرة حيث يسلم الضحية الى الجلاد لتكون نهايتها القتل على يد إبن عمها مرهون بدعوى غسل العار والحفاظ على شرف العائلة ، حتى في واحة الحب والوفاء والاخلاص يتعرض الحب إلى الإغتيال والمرأة إلى القتل والوأد .
4 . والخادمة كتيتي هى الاخرى ضحية الظلم الذي كان واقعاً على المراة حيث ان أحد اصدقاء مصطاف يهدي له هذه العبدة التي إشتراها ، المرأة تباع وتشترى وتهدى كأية حاجة اخرى ، أهناك نموذج للظلم والعبودية أبشع من هذا ؟  
5 . ولا يفوتنا الشخصية الرواية مديحة في رواية ( منعطف الصابونجية ) ، الشخصية التي هى الاخرى تكتوي بظلم المجتمع ونيران العائلة لتقضي كل شبابها مع الحرمان المعنوي داخل جدران البيت وتشهد بعينيها افول نجم العائلة وغروب الشمس عنها وضياع أعز الناس عليها لكي ترفض ذلك الواقع بكل ما يعنيه الرفض ولتعيش أيامها الاخيرة في بيت العائلة بعد أن جاء إبن عمها مرهون ووالدته للسكن فيه ، مرهون الذي تعلم من السجن الكثير بعد إنتمائه للحزب الشيوعي ، وموافقتها على ان يسكن مرهون في بيت اهلها وهو والذي قتل اختها بدرية ما هو إلا دليل لرفض مرحلة من حياة مجتمع لتبدأ مرحلة اخرى بعد أن يشرق الشمس من الغرب .
هذه الرواية قالت الكثير عن المجتمع العراقي في مرحلة دقيقة وحاسمة من مراحل التأريخ المعاصر ، حيث كانت هذه المرحلة إنعطافة على مرحلة جديدة لتعيد المرأة في شخصية مديحة حساباتها في مجمل الحياة المعاصرة لتستمد قوتها من الثقافة والعلم بعد تبدأ بالدخول الى المدرسة ليكون القلم والكتاب والوعي هو الفيصل بين مجتمع عاش في عصور التخلف والمرض والامية ومجتمع آخر يخطو نحو الآفاق الرحبة والمستقبل المشرق .