المقاومة في كوباني وتحرر المرأة!



عادل احمد
2014 / 11 / 16

ان ما يحدث من الاستعداد والمقاومة والإرادة في كوباني يعكس الصفة الثورية لهذه الحركة ويعكس النضال الجماهيري وقوته. ان ممارسة الارادة الانسانية بشكل ما قد تؤدي الى تعميق الراديكالية وتطرح ارضا كل ما يتعلق بالتغيير الثوري في قضية معينة. هذا ما حصل لقضية المرأة في الكانتونات الشعبية في كل من كوباني والجزيرة والحسكة في سورية. ومن هنا يراقب العالم بنظرة الاعجاب واحتلت القضية كل صحف العالم، والحديث عنها في كل مكان وفي مستويات عديدة ليس فقط بوجود المقاومة بل بوجود الارادة نفسها.
ان المقاومة الجماهيرية في كوباني جذبت المرأة الى ميدان الصراع ضد الوحشية الداعشية ومن يقف ورائها وخلقت الاستعداد والبطولة للمرأة جنبا الى جنب مع الرجل ومن كافة الاعمار، بان تقاتل في اول خطوة من اجل حياتها وحياة الاخرين، ومن ثم تقاتل من اجل انسانيتها. ان هذا الاستعداد البطولي للمراة الكوبانية والذي قل نظيره في زمننا هذا، ادى الى قلب المعادلة اولا لصالح الانسانية جمعاء وثانية لصالح تحرر المرأة من العبودية والتمييز وعدم المساواة. ان شعور المرأة الكوبانية بأرادتها وبإنسانيتها وتجاوزها كل القوانين والعادات والتقاليد الذكورية، وأنها حتما تخطو خطوة راديكالية لتثبيت راديكالية حركتها من اجل تحرر نفسها اولا ومن ثم تحرر المجتمع من التقاليد الرجعية والقيم المتخلفة.
ان تشريع قانون المساواة والذي طرح من قبل حكام كانتون الجزيرة هو احد اهم انعكاسات مقاومة وارادة المرأة في كوباني. وعلى الرغم من المقاومة الشديدة من قبل عدد من اعضاء المجلس التشريعي في مقاطعة الجزيرة لبنود هذه القوانين، لكن في النهاية وبعد تمثيل المرأة في المجلس التشريعي 40% وكذلك تأثير مقاومة المرأة على عقول وذهنية المجتمع، صدر القانون المساواتي بالرغم من وجود عيوب ونواقص في عدد من فقراته. وبهذا الصدد قالت "نظيرة كوريا" الرئيس المشترك للمجلس التشريعي في مقاطعة الجزيرة بأن "القانون يحقق العدالة للمرأة التي كانت مضطهدة منذ الاف السنين، وحقوقها مهضومة والغاية الاساسية من القانون انصاف المرأة التي اثبتت وتثبت انه مساوية للرجل. وكذلك القضاء على العديد من العادات البالية التي تنشر في المنطقة..." ان اصدار قانون كهذا في هذا الزمان وهذا المكان بالرغم من انتشار الرجعية والتخلف.. وبوجود داعش والقاعدة والنصرة وأمثالهم من وحوش المقاتلين الاسلاميين والدول الداعمة لهم.. وكذلك التدخل الرجعي لامريكا والغرب في المنطقة، هي خطوة راديكالية، ومن واجب كل الشرفاء وكل انسان تقدمي واشتراكي الدفاع عن هذه القوانين وترسيخها ومحاولة اكمال نواقصها. ان هذه القوانين هي قوانين انسانية ونابعة من انسانية المرأة وقدرتها على تغيير المجتمع وكذلك تغيير معالم النظرة الذكورية للمرأة وعالمها.
ان استمرار الاستعداد والمقاومة للمرأة الكوبانية لن ينعكس فقط على نضال المرأة وحقوقها.. بل سيتوسع ويشمل نواحي اخرى في حياة المجتمع.. كما تقول نظيرة كوريا بأن لدى المجلس التشريعي اصدار قوانين اخرى متعلقة بنواحي اخرى من الحياة في وقت لاحق. ان الخطوة العملية للارادة نحو التغيير خير من عشرات الاطنان من الكتب والمسائل النظرية حول تحرر المرأة. في كل خطوة عملية راديكالية يقفز الانسان عشرات الاضعاف الى الامام مقارنة بالوضع الاعتيادي.. وكذلك العكس صحيح ايضا مع اشتداد الرجعية والتخلف يتقهقر المجتمع الى الوراء عشرات الاضعاف ويسير المجتمع نحو البربرية. اذ ان لولا وجود المقاومة والارادة الجماهيرية في كوباني لم تنهض وتقاتل المرأة في خضمها. ولولا وجود مقاومة المرأة في خضم هذه الاوضاع، لما تولد قوانين كهذه في المجتمع. من هنا يتبين لنا.. لن يتحرر الانسان الا بأرادته هو وتصميمه. لا الحكام ولا الشيوخ ولا السماء بأمكانهم ان يحرروا الانسانية.. بل بالتحرر من اوهام الحكماء والشيوخ والسماء بأمكاننا ان نحرر انفسنا. ان أرادتنا نحو التغيير تعني تحررنا من كل الاوهام والاساطير والرجوع الى مقدرتنا وقوتنا بتغيير المجتمع.
ان كل هذه القوانين المساواتية والانسانية صدرت، كون المراة استعادت أرادتها الى جانب المقاومة البطولية لعموم المجتمع في قتالهم ضد القوة الرجعية الداعشية. وتخيل اذا لجأت الطبقة العاملة لإرادتها ماذا يحصل للمجتمع؟ واذا استعدت الطبقة العاملة بكل قوتها وجبروتها وتنظيمها واستعادت ارادتها الانسانية ليس فقط الطبقة العاملة ستتحرر بل المجتمع بأسره سيتحرر من شر الرأسمال. اذا استعادت الطبقة العاملة ارادتها ستكون الراديكالية في اعمق معانيها.. وتتغير نظرة المجتمع في جميع نواحي الحياة من الحقوق الى المساواة والحرية.. ويتغير معنى الحياة ومتطلباتها وتكنس كل القوانين والعادات والتقاليد المتراكمة منذ الاف السنين في غضون اسابيع او اشهر وليس عشرات السنين. تخيل اذا استعدت الطبقة العاملة لاستلام السلطة السياسية وغيرت قوانين استغلال الانسان للإنسان عن طريق تغير وسائل الانتاج الاجتماعي وأنهاء عبودية العمل المأجور والرأسمال وألغاء الملكية الخاصة.. ماذا ستطرح من قوانين لصالح البشرية؟ كل هذا متعلق بأرادتنا واستعداداتنا من اجل التغير وكنس مخلفات القرون وبناء عالم يليق بالانسان والانسانية..