فتاه وسط الزحام



سامح محمد
2014 / 11 / 27

أكثر ما ميزنا الله به هو الاختلاف، فالأختلاف نعمة و ليس نقمة و إن أفضل شكر على هذه النعمة هو إستغلالها لصالح المجتمع و إظهار أن التباين ما هو إلا محرك أساسى لأستمرار الحياه، فالفكرة خلقت لتتطور و تؤل من جيل لأخر فلا يوجد جمود لأى فكرة أو نص على الإطلاق و إن كان مقدساً ومن يرى ذلك فالعيب عنده لا عند الأخرين، فقد خلقنا شعوب مختلفة و متباينة لنتعارف .

أثناء صراعى اليومى فى محاولتى المستميتة لركوب "المكروباص" و خاصة بعد المغرب حيث أذهب لمكتبى ليلاً كفترة مسائية بعد عناء عمل و شد و جذب بالمحاكم و المصالح الحكومية طبقاً لما أجرته علي مهنتى العزيزة جداً !! وقعت عيناى عليها و هى تقف وسط الجموع المتضربة التى تتحرك كقطعان الماشية فى وقت الطعام، ثابتة لا تفعل مثلهم بجسدها المتناسق و حجابها الأحمر خاطف الأبصار، و اظن أن هذا ما لفت نظرى و هو اللون بالطبع .

للوهلة الأولى تراها فتاه عادية لا تختلف عن مثيلاتها لا من حيث الشكل ولا الأنوثة، فملابسها مثلهن "الجينز الأزرق و السويت شيرت الحريمى و الطرحة" . إلا أن سلوكها مختلف تماماً ليس فقد عنهن و لكن عن جميع الواقفين فى انتظار وصول صكوك غفران المواصلات، فلا تزاحم و إن كانت تحاول اكتناز الفرصة المناسبة للركوب ليس لضعفها و إنما للأستشعارها بحماقة الأخرين دون تكبر منها أو إستعلاء .

كان ذلك واضحاً فى صرامة نظرات أعينها و انفراجة شفتيها مظهرة راسمة بذلك بسمة متعجبة و فى نفس الوقت مستنكرة لما يحدث و رغبة هؤلاء فى اذلال انفسهم لسائق لا يعرف سبيل للسعادة الا المخدرات و التحرش بالفتايات ليلاً نهاراً خاصة و إن كانت ممن يقودون "الملاكى" الفخمة، كما كانت تحوى أيضاً فى ابتسامتها على الإصرار انها لن تكون يوماً من هؤلاء فهى المجتهدة لا الذليلة الخاضعة .

كان من الممكن أن يكون ذلك مجرد وهم بالنسبة لى و لكن ما جعلنى أتأكد من أنه حقيقة هو رفضها للسلوكيات الهمجية التى تحدث، فإن اصطدم بها أحد نزرت له نظرتان الأولى مستنكرة فعله و الثانية ساخرة لسلوكه الهمجى المشين .
و حين حانت إحدى لحظات ركوبها و التى للأسف باءت بالفشل تعرضت للتحرش من سائق قد يصنف بأنه من أشباه البشر الذين عاشوا منذ ثمانية ملايين سنة كما يقول علماء الداروينية، فما كان رد فعلها على دعوته للركوب سوى الايما برأسها و الالتفاف للخلف و النطق بكلمات ساخرة أو "شتيمة ما" على سلوك ذلك الأحمق و هى لا تفارقها ابتسامتها المعتادة .

ما جعلنى أتأكد من عدم تكبرها هو أنها فعلت ما فعله أى مواطن يرغب فى الوصول فى المعاد المحدد، فقد أرتأت ركوب أتوبيس نقل عام شبه فارغ بسرعة و خفة و دون مزاحمة أحد .

أنا لا أعلم حقيقة مقالى هذه و لماذا أكتبها هل أعجبت بالفتاه و رأيتها بعين مختلفة ليس كتلك التى أرى بها من فتايات أخريات هن ببساطة عناوين للهيافة و التسلط الإجتماعى على الفرد، فيومياً لا أرى سوى ثلاث صور من الفتايات، المستسلمة لهاتفها الخلوى و المتحدثة مع زميلتها فى الزواج و أن "فلانة أتخطبت" و تلك الأخيرة التى لا حول ولا قوة تعيش دور الفتاه المكسورة بأعتبار أن ذلك هو صورة من صور البنت المحترمة !

كل ما أرغبه أن ينتشر فى المجتمع ثقافة المشاركة فليس من العيب أن تشارك الفتاه الشاب و أن الحب ليس بجريمة و أن المختلفون عنا ليسوا كوحوش "الزومبى" فالأختلاف هو عنوان تقدم الأمم .