مؤتمر دراسات المرأة



عائشة خليل
2014 / 11 / 28

انعقد المؤتمر السنوي «للجمعية الوطنية لدراسات المرأة» في الفترة ما بين 13-16 نوفمبر الجاري بمدينة سان خوان ببورتوريكو. وجذب الاجتماع هذا العام ما يربو على ألفي مشاركة ومشارك، توزعوا ما بين أكاديميات، وناشطات، وعاملات بمجال حقوق المرأة.

وكان عنوان المؤتمر «تجاوزات نسوية » والعنوان متأثر بأحد كتب الأكاديمية والكاتبة الأمريكية ذات الأصول الأفريقية بال هوكس، والتي حلت ضيفة على المؤتمر وألقت كلمة أمام الحاضرات اللاواتي امتلأت بهن القاعة الرئيسية مساء يوم الجمعة. تحدثت بال هوكس عن ضرورة الاستمرار في التجاوزات النسوية من أجل فتح آفاق وحدود جديدة تخترق المجتمع الرأسمالي البطريركي الاستعماري الحديث. كما تحدثت عن ضرورة نقد الذات من أجل الوصول إلى ممارسات أفضل تجميع بين التنظير والحراك الاجتماعي على الأرض، فكان من ضمن ما شددت عليه ضرورة البحث في العنف الواقع من المرأة وليس فقط عليها.

وكان لحضور بال هوكس وكوكبة أخرى من المنظرات النسويات أثر في زيادة عدد المشاركة هذا العام. فمن ضمن المشاركات كانت أنجيلا ديفيز الأستاذة الفخرية بجامعة كاليفورنيا، وشاندرا موهانتي الأستاذة بجامعة كورنوال، وكمبيرالي كرينشوا أستاذة القانون بجامعتي كولومبيا ولوس أنجيلس. وبيفرلي جاي-شيفتال رئيسة قسم دراسات المرأة بكلية سبيلمان، وغيرهن الكثيرات.

ولعل بروز تلك الأسماء، وجلهن أمريكيات من أصول أفريقية، ماعدا شاندرا موهانتي ذات الأصول الهندية، والتي كانت منذ أكثر من عشرين عاما قد انتقدت نظرة الدراسات النسوية إلى ما كان يعرف بالعالم الثالث، فافتتحت مجال الدراسات النسوية العالمية. لعل تواجد مثل هذه الكوكبة اللامعة من المفكرات والناشطات والأكاديميات من أصول غير أوروبية يؤشر إلى التغيرات الجوهرية التي طرأت على مجال دراسات المرأة خلال العقود الأخيرة. فلم تصبح الرؤية الأوروبية هي المسيطرة على مجالات التحليل للنوع الاجتماعي، وإنما طرقت هذا المجال نسويات من دول الجنوب يطرحن رؤى مختلفة تجادل الرؤية الأوروبية الضيقة، وتضع في الحسبان الظروف الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية (مثل الاستعمار) وتطرح تفسيرات للثقافات المختلفة تضعها على قدم المساواة مع الثقافة الأوروبية الأصل، وتبتعد بها عن الشعور بالدونية الذي كرسه الاستعمار لدى شعوب الشطر الجنوبي من العالم. وكان من نتاج المؤتمر أن تبنت الجمعية العامة بالإجماع قرارًا يقضي بمقاطعة أكاديمية مع المؤسسات الإسرائيلية، وذلك للوعي بعدم تجزؤ النضال ضد أشكال القمع المختلفة من تصفية عرقية، إلى استعباد، إلى تحيز عرقي، وقمع على أساس الدين أو النوع الاجتماعي أو الديانة أو القدرات البدنية أو الطبقة أو السن، وغيرها الكثير من أشكال القمع المختلفة. والتي تتقاطع مع الاحتلال والقمع المستمرين في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي تؤثر بشكل سلبي على الحياة اليومية للطلبة والأكاديمين ومجمل الحياة الاجتماعية بها.

وبالإضافة إلى المحاضرات العامة التي عقد معظمها بالقاعة الرئيسية، عقدت العديد من المحاضرات في قاعات أصغر قدمت خلالها الباحثات أحدث أبحاثهن في مجال الدراسات النسوية، وتطرقن إلى العديد من الموضوعات في محاور تباينت ما بين التعليم، والحراك المجتمعي، والعنف، والأدب، والفنون، والحرب، والحب، وغيرها الكثير. كما عقدت ورشات عمل تقدمت فيها الأكاديميات الأكثر خبرة إلى حديثات التخرج من أجل الحصول على وظائف مناسبة، وتحسين السيرة الذاتية، ومهارات الاختبارات للوظائف، ومهارات الكتابة الأكاديمية الناجحة، وغيرها من المهارات الهامة بالنسبة للعمل الأكاديمي.

وعقد على هامش المؤتمر فاعليات عديدة، منها معرض للكتاب حضرت فيه أكثر من عشرين دار نشر خاصة أو ملحقة بجامعات، وعرضوا فيه كتب متخصصة في مجالات المرأة، واشتمل المعرض على عدد من المجلات الأكاديمية النسوية. وكذا معرض للدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه) عرضت فيه الجامعات المختلقة تخصصاتها المتباينة في مجالات دراسات النوع الاجتماعي. وشهد المؤتمر كذلك تسلم الراية من جيل إلى آخر. فتسلمت الرئيسة الجديدة للجمعية مهامها، وتم تكريم الرئيسة الحالية، كما كرمت الفائزات بأفضل أبحاث. وتسلمت راية أقدم مجلة أكاديمية «Signs» المحررة الجديدة من المحررة المنتهية ولايتها.

تزخر الحياة الأكاديمية بمؤتمرات تشكل جزءا من الحراك الأكاديمي حيث تتلاقح الأفكار، وتتعدد الأطروحات، ويشتد النقاش. ولكن لمؤتمر «الجمعية الوطنية لدراسات المرأة» مذاق مختلف وخاصة هذا العام. ففي خضم الأفكار والأطروحات والنقاشات الدائرة، هناك تتلاقى على مستوى أساسي. حيث تعمل النسويات بدأب على إرساء دعائم المساواة والعدالة والسلام والمحبة والإخاء لكل إنسان على وجه البسيطة، وليس فقط لكل النساء. وهذا الطرح الإنساني يجعل من هذا المؤتمر السنوي تظاهرة إنسانية تتجدد شعلتها كل عام. ولعل بروز الوجوه غير الأوروبية في المحاضرات العامة لهذا العام أكبر دليل على أن الدراسات النسوية تؤتي ثمارها على أرض الواقع فتغير العالم البائس إلى مكان تتبوأ فيه كل الأعراق مكانها في مقدمة الصفوف.