سيمون دي بوفوار والجنس الآخر يا نساء العالم ، أنتن مدينات بكل شيء لسيمون



سيدة عشتار بن علي
2014 / 11 / 29

سيمون دي بوفوار ...امرأة لا تشبه النّساء ...شخصية اثارت الكثير من الجدل وأسالت الكثير من الحبر للكتابة عنها ...الجدل حول حياتها ,كتبها , آراءها , الأسلوب المتمرد الذي اختارته لحياتها ,علاقتها بسارتر التي لم يفهم الكثيرون ما هويتها اهي علاقة حب حقيقي ام هي علاقة انسجام فكري ورفقة درب فقد ارتبطت دي بوفوار بعلاقة أثارت الكثير من الجدل مع الفيلسوف سارتر الذي اعتبرت لقاءها به «الحدث الرئيس في حياتها »... معاً كونا فريق عمل متفاهم ومتجانس في كل مجالات الفكر والأدب والسياسة ولقاؤها به كان «الحدث الرئيس في حياتها »
من هي سيمون دي بوفوار ?
ولدت سيمون دي بوفوار بباريس يوم 9 جانفي سنة 1908، من أم كاثوليكية وأب ينتمي لطبقة النبلاء ترددت مثل رفيق دربها جان بول سارتر على الأوساط الدينية في بداية حياتها لتعلن سريعا تمردها وانسلاخها عن هذه الأجواء والدخول الى عالم الفلسفة،مسكونة بهاجس الحرية، حرية المرأة والإنسان بصفة عامة ....سيمون التي اخترقت الصمت واعلنت ثورتها على وضعية المرأة الفرنسية مما جعل إليزابيث بادنتر تقول مقولتها الشهيرة: يا نساء العالم، أنتن مدينات بكل شيء لسيمون
كتبت سيمون دي بوفوار الكثير فهي صاحبة " فتاة رصينة , المدعوة , والمثقفون لكن يبقى مؤلفها " الجنس الآخر" 1949 من أهم وأشهر مؤلفاتها داخل فرنسا وخارج نشرته في مجلدين وقد وضع هذا الكتاب مسبقاً في الفاتيكان على قائمة الكتب المحرّمة قبل ان يتم الغاء هذه القائمة عام 1966
في هذا الكتاب اخترقت سيمون الصمت وقالت ما لم يجرؤ احد قبلها على قوله ففيه تحدثت عن تاريخ اضطهاد المرأة "....كيف وصل الحال بالمرأة إلى ماهو عليه اليوم (أي أن تكون "الاخر"؟) هكذا تساءلت سيمون داعية النساء الى التكتل والثورة على اوضاعهن

عبّرت سيمون عن تردّدها قبل اقدامها على تأليف كتاب حول المرأة حيث قالت:" ترددت طويلا قبل أن أقدم على تأليف كتاب حول المرأة"....ربّما هو الخوف من ردود فعل الاخرين هو الذي جعل سيمون تتردد فالمجتمع الفرنسي آنذلك هو مجتمع ذكوري بامتياز والصوت العالي للأنثى كما ارادوا لها أن تكون هو صوت نشاز منبوذ كيف لا وهو يهدد مكانةوألوهية الذكر وليس معنى هذا أنه كان ممنوعا على المرأة أن تعاقر الكتابة ...فقط كان المطلوب منها أن تهمس حين تكتب أو أن تكون حروفها صامتىة ولا تتجاوز الحدودالتي رسمت لها ....ربّما لهذا تردّدت سيمون قبل الاقدام على كتابة كتابها "الجنس الآخر"فالكتابة في مجتمع لم تنضج فيه الحرية هو عمل فدائي او فعل انتحاري فالحرية التي يتمتع بها الذكر في مجتمعها أتاحت له الفرصة ليكون كائنا مبدعا وهو ما لم يتوفر لامرأة المجتمع الفرنسي آنذاك وهي تلتقي في رايها هذا القائل بان الحرية شرط من شروط الابداع تلتقي مع رامبو القائل :" عندما تتكسر عبودية المرأة الدائمة، ويمنحها الرجل البغيض حتّى ذلك الحين حريتها، آنذاك ستغدو شاعرة هي الأخرى .....

تردد سيمون قبل الاقدام على كتابها الخطير لم يأت من فراغ فقد ووجه بعنف وتم وضعه في قائمة الكتب المحظورة اما النخبة فقد انقسمت بين مؤيد ورافض تقول سيمون : تعرّضت للهجوم خصوصاً بسبب فصل الأمومة. وصرح رجال كثيرون بأنه لم يكن يحق لي التحدث عن النساء لكوني لم أنجب أولاداً، ترى، هل أنجبوا هم؟ إنهم يعارضونني بأفكار ليست حاسمة ولا قطعية، أتراني قد رفضت كل قيمة لشعور الأمومة والحب؟ كلا، لقد طلبت من المرأة أن تعايش هاتين القيمتين وبشكل حرّ. في حين أنهما غالباً ما يخدمانها كحجة، وأنها تخضع لهما إلى درجة أن الخضوع يبقى، إذ يكون القلب قد جف
تساءلت من هي المرأة؟وكيف بنى العقل البشري فكرة النوع؟
حاولت دي بوفوار تفسيركيفية تحول العالم ليصبح ذكورياً ....كيف بسط الذكر نفوذه وهيمنته على المرأة الى هذه الدّرجة ؟ هل انتزع منها ذلك أم أنها استسلمت طوعا ؟ كيف أصبحت المرأة هي “الآخر”؟ وكيف رضيت بكذلك؟
تعرضت الى الجانب البيولوجي والتركيبة البيولوجية للمراة والذي على أساسه وقع ترسيخ مكانتها كجنس كآخر.... وناقشت الادعاءات التي بسببها صنّفت المرأةككائن ادنى مرتبة من الرجل ...استشهدت بوجهة نظر التحليل النفسي و بوجهة نظر المادية التاريخية التي ترجع اسباب تدني وضع المرأة الى الصراع الطبقي
بحثت في كتابها ما اسمته بالهزائم الكبرى للمرأة في تاريخ البشرية ابتداءاً من تاريخ الافكار التناسلية الفظة التي قطعها ارسطو و انتهاءاً لمجموع الموروث الثقافي الذي شكل مفهوم الانثى في العقل الاوربي الكلاسيكي متعرضة بالنقد لاطروحات الكتاب المقدس حول المرأة وما ورد في النص التوراتي الذي ينص على التفوق الذكوري كمسلّمة نسفتها دي بوفوار بالاستناد العلمي على مرتكزات علم التاريخ و كتابات انجلز حول قضية المرأة التي ذكر فيها أن ظروف الحياة في العصر الحجري كانت تقوم على تكليف المرأة بالأعمال المنزلية وبعض أعمال البستنة والزراعة مما ضمن لها مساهمة معقولة في الحياة الاقتصادية، بينما كان الرجل يقوم بالصيد وبعض الأعمال في الخارج مما ضمن نوعاً من التقسيم المتساوي للأعمال بين الرجل والمرأة وبالتالي نوعاً من المناصفة المجتمعية فيما بينهما لكن، بعد ظهور المحراث وأدوات الزراعة وفكرة الملكية الفردية أصبح الرجل قادراً على السيادة في أرضه والاستعانة بتلك الأدوات وتملّك الإقطاعات والعبيد، وأصبح أيضاً مالكاً للمرأة و أولى هزائم المرأة جاءت عندما اسقط عنها حق الامومة اي الحق في نسبة ابناءها لها
ناقشت دي بوفوارايضا في كتابهااوضاع المراة التاريخية والاجتماعية والنفسية والثقافية في العصر الحديث معتبرة أن المرأة الفرنسية مضطهدة بسبب سطوة الرجل العاطفية عليها فهي تنظر اليه بنوع من التّأليه مما جعل منها كائنا دونيا او مجرد «آخر" و تحرر ها رهين ارادتها قدرتها على تغيير الصورة الدونية التي أرادها لها فلا يمكن لها ان تنتزع حريتها ما لم تحرر عقلها من الموروث الثقافي الذي صنعه واقع ذكوري متسلّط تشكلت ملامحه انطلاقا من مفهوم السلطة التي وضعت ملامحها وحدودها السلطة الاقتصادية عبر العصورو تشكّلت خلاله صورة المرأة بما يخدم مصالحه ...هذه الصورة التي رضيت بها المراة واقتنعت انها الصورة المناسبة لها بوصفها كائن أدنى مرتبة من الكائن الذكر ...انها أنثى ...تقول سيمون يقال لنا: الأنوثة في خطر، ويحثوننا قائلين: "كن نساء... ابقين نساء". فكأنما كل كائن إنساني مؤنث ليس امرأة بالضرروة، بل ينبغي له أن يساهم بهذا الواقع الخفي الذي هو الأنوثة فتمردك يا امرأة ورفضك اضهاد الرّجل لك هو تمرّد على نوعك وأنوثتك كما أرادتها لك الطّبيعة وطبعا اغلب النساء في المجتمع الفرنسي وقتها مقتنعات بهذا القدر وهذا الوضع الدون الذي هو من اختيار الطبيعة ولا شرعية غيره وما على الضحية الا ان تقبّل يد سيدها وجلادها

هنا تتساءل سيمون باستنكار :أليست النساء اللواتي يؤلفن الحريم أسعد من النساء العصريات اللواتي يمارسن حق الانتخاب?
سؤالها هذا يحيلنا على موضوع هام هو موضوع العنف الرمزي وهو عنف غير ظاهر او معلن ومعناه باختصار ان ينجح المهيمن في فرض طريقته وأسلوبه في التفكير بوصفها الطريقة الشرعية الوحيدة مما يجعل الطرف المسيطر عليه يقبل بها فاذا بالضحية تعشق جلادها بل وتعشق اضهاده لها ف" الشخص لا يولد امرأة، بل يصبح امرأة "حسب سيمون دي بوفوار »
فالمرأة يقع اعدادها منذ طفولتها على انها كائن ضعيف و البقاء في المنزل هو الأنسب لها فتُقدَّم لها الدمى لتعتني بها وتمارس عليها دور الأمومة وتلقينها واقناعها ان مهامها في الحياة تتمحور حول شؤون المنزل والانجاب فتقتنع وتسلم أنها إنسان بدرجة أقل من جنس الذكر ....هو الجنس الاصل وهي المكمل ....انها الجنس الآخر أمّا الذكر فيقع على انه الكائن
الاهم والاقوى واليه توكل الاعمال المهمة
تقول سيمون
إن الإنسانية في عرف الرجل شيء مذكر فهو يعتبر نفسه يمثل الجنس الإنساني الحقيقي… أما المرأة فهي في عرفه تمثل “الجنس الآخر”
والجانب الأكثر اثارة في هذا الكتاب يتمثل في الظلم والاضطهاد الذي تسلطه المرأة على المرأة يبرز ذلك من خلال علاقة الفتاة بأمها التي لا تسعى الى تغيير واقع ابنتها ورفع الاضطهاد عنها بل تزيد في ترسيخه باعتبار ان هذا هو حكم الطبيعة والشرع
هذه نبذة مختصرة عن الفيلسوفة الوجودية سيمون دي بوفوار المرأة لم تشبه مثيلاتها ونبذة عن اهم واخطر اصداراتها وهو كتاب الجنس الآخر الذي اصبح فيما بعد الاإنجيل المؤسس للحركة النسوية عبر العالم وبه تكون سيمون دي بوفوار هي المؤسسة الأولى لما يسمى بالفيمنيزم