المرأة و الحب..الزهرة و الشذى



نزار جاف
2005 / 9 / 1

يقول العلامة الايراني"مرتضى المطهري"في کتابه"نظام حقوق المرأة في الاسلام"، (المرأة قد تنسى کل شئ لکنها لن تنس کلمة أحبک التي يهمسها زوجها في أذنها لأول مرة). أما الناقد الکوردي الراحل أوميد ئاشنا فله رأي جدير بالالتفات إليه حين يقول: ( الحب الرابطة الانسانية الوحيدة التي تجسد المحتوى الانساني للرجل أمام المرأة). فيما ترى الشاعرة"فينوس فائق" المسألة من زاوية أخرى حين تقول: (الحب هوالمرج الوحيد الذي يصبح فيه الرجل رقيقا و حساسا و يسمع ويتحمل عن طيب خاطر کل ماتقوله الانثى). وقد حاول البعض الخلط بين الحب و الجنس، ونحن نرى أن لکل منهما عالمه الخاص، ورغم أن الحب لابد من أن يقود في النهاية الى ممارسة الجنس، لکنه لايعني أنهما عين الشئ. ولعل الکاتب الفرنسي"أميل زولا" في رائعته"الوحل"، قد کان يعني هذا الامر تحديدا، وذلک حين جسد زوجين لايربطهما شئ ببعضهما سوى الجنس، حتى إن کل خلافاتهما تنتهي في الفراش و تبدأ بعد الإنتهاء منه، بل وأن زولا قد أنهى قصته بنهاية جميلة و معبرة حين قررا الزوجان أن ينفصلان نهائيا عن بعضيهما و يضعان حدا لجحيم حياتهما الزوجية، ويکون الوداع في النهر حيث يبتغي الزوج أن يرکب قاربا و يغادر المکان، بيد أنه ماأن يبصر ثوب زوجته وقد إلتصق بسيقانها و طفقت مفاتنها تتجسد لناظره، سرعان ما يقفل راجعا إليها و يتشابکان في ضرام تلک الآصرة الوحيدة التي تربطهما معا حتى إنهما يغوصان في الوحل ولايشعران بذلک من جراء اللذة. ورغم أهمية الجنس بالنسبة للجنسين، فإن الرجل يکاد يکون هو القائد في تلک العملية والمبادر إليها دوما، وقد لاتکون المرأة بذلک المستوى من الاندفاع الذي يکون عليه الرجل، وحتى أن "أميل زولا" في القصة الساردة الذکر و في قصة"تيريزا و راکان" وکذلک بالنسبة لألبترو مورافيا في قصتي"إمرأتان" و"أنا وهو" يجسدان حقيقة أن مبادرة الرجل و شروعه دوما للهجوم والمباغتة. غير أن ذلک لايعني أن المرأة لاترغب في الجنس أو ترفضه، بل إنها تريد الجنس بذلک المفهوم المطروح في القرآن الکريم(فلما تغشاها...)، أي أنها تريد جنسا مکملا لذلک الفيض العاطفي الذي تنثره على من تحب من الرجال، والتغشية بالمعنى الذي تعنيه تلک الاية الکريمة"کما يورده الدکتور مصطفى محمود" هو أن يتداخل شيئان أو مادتان في بعضيهما من دون أن يفقدا خواصيهما کما هو الحال في تداخل غيمتان في بعضيهما. إلا أن القاصة"شارلوت برونتي" في تحفتها الرومانسية"مرتفعات وذرنج"، تظهر إحساسات الشخصية الرئيسية"هيتشموث" بصورة مغايرة تماما، فهو العائد للانتقام لکن الحب کإحساس شفاف بعيد کل البعد عن المسائل الجسدية يکون عالم آخر منفصل تماما عن عالم الانتقام. هيتشموث وإن کان يستطيع أن يحظى بکل شئ، غير أن الحب بمعناه الحقيقي"وهو أن يهب إنسانين روحيهما و جسديهما لبعضيهما"، يمنعه من تجاوز الحدود المثالية التي تعکس ذلک المعنى. وفيما يوحي شاعر الکورد الکبير"عبدالله کوران"الى مضامين في غاية الرقة و الجمال حين يقول:
"کنت أبتغي أن تظهر مکنونات النفس کالسجل
لتظهر الدنيا الاجمل من الربيع
لتظهر الاماني، الامال، الاحلام
المشعات أکثر من نجمة القبة الزرقاء"
ولاريب أن کوران يرمي في هذه الابيات الشعرية المعبرة الى الحب، ذلک أن تلک المعاني السامية و النبيلة التي يشير إليها والتي هي کالزهور المتفتحة لتوها، لن تتواجد من دون أن يکون هناک المرج الاخضر اليانع الذي يمنحه أسباب البقاء و الحياة، وذلک المرج لن يکون قطعا سوى الانثى صانعة الحب و واهبة الوجود معناه الحقيقي و کنهه الواقعي. إن الحب کأسمى عاطفة إنسانية لاترقى إليها أية قيم إنسانية أخرى مهما بلغت من الشأن و القوة، بل أن الدين ذاته قد يکون معناه و غايته الحقيقية في الحب ذاته سيما حين يقول رسول الاسلام: (الدين هو الحب، والحب هو الدين). أما منظر الرومانسية الرقيقة الراحل"جبران خليل جبران"، فيلمح الى معنى قد يکون من البداعة و الروعة بحيث قلما نجد له نظيرا وذلک عندما يقول: (لاتقل أن الله في قلب العاشقين، بل قل أن العاشقين في قلب الله)، والحق أن مايشير إليه الحديث النبوي الآنف مع المقولة البديعة لجبران خليل جبران، هو کنه الحقيقة و معنى الوجود الانساني، إلا أننا نرى أن الحب وإن کان وجود الرجل شرطا أساسيا لإنبثاقه للوجود، غير أن القوة التي تمنح للرجل مثل هذا الشرط هي المرأة تحديدا. إن الرجل ببنيته و هيکله الخشن الحاوي على عقلية إستعلائية تظن أن مجرد إرتماء المرأة في أحضانه"أو تحته کما يحبذ معظمهم!"، تعني أن المرأة تأتي في المرتبة الثانية من بعده. هذا الکائن الخشن المشبع قساوة و جنوحا لممارسة کل أنواع التسلط و الجبروت، هو في حاجة ماسة في مقاطع مهمة من حياته کي يبعد عن نفسه غول القساوة و الوحشية الساکن في أغواره، وهذا الامر لن يکون إلا عن طريق الانثى وعن طريق ذلک الرذاذ الحالم الذي يملأ وجدان و روح الرجل بهجة و يدعه يخلد الى الدعة و الطمأنينة لفترة رومانسية من زمن يصبح فيه الرجل کائنا محبا للوجود و الاشياء. إن المرأة حين تنثر لآلئ فيض إحساساتها من خلال آجم الحب، فإنها تدعو الرجل لترک محاکاته لقسوة الواقع الموضوعي و العودة الى ذاته کإنسان، وأننا نرى الدکتورة نوال السعداوي حين تقول أن"الانثى هي الاصل"، فإنها محقة بهذا المعنى الذي نلمح إليه، إذ أن أصل الوجود الانساني مبني على الحب وليس على أي شئ آخر. وأن الکاتبة"غادة السمان" حين تکتب قصتها"أعلنت عليک الحب"، فإنها تعلن الاصل على زيف الرجل فيذهب الزيف جفاءا ليبقى الاصل خالدا! أن المرأة کانت في کتاباتها تميل الى التأکيد على خصوصية نظرتها لمسألة العواطف و الاحاسيس الانسانية وترى فيها الضمانة الوحيدة لإستمرار الحياة ولولا ذلک لما رحبت القاصة الفرنسية الراحلة"فرانسواز ساغان" بالحزن ورأت في فيض إحساس الحزن تجليا و إنعکاسا للحب الذي يريد الرجل من خلال الحضارة التي بنيت على فکره الرجولي أن يقصيها من دائرة الوجود الانساني ليحل محله أشياءا و مفردات اخرى منها تلک الاباحية التي يظن"مرضى العصر من رجال حضارة تتجه للجنون"إنها تجسد غاية ماتريده المرأة من الوجود! وقد تکون"سيمون دو بوفوار" مقتربة أکثر من تشريح واقع و ماهية هذه الحضارة حين تحاول في رائعتها"قليل من الشمس في وعاء ماء بارد"، أن تقول للعالم أن فيض الاحساس الانثوي المتمثل في تلک العاطفة الجياشة هو الاخر آيل للإنخماد ذلک أن الرجل"أو وعاء ماء بارد کما تصوره دوبوفوار"لم يعد تنفعه تلک الحزمة الضئيلة من شعاع شمس بات يبتعد عن کوکبنا المثقل بالاحزان و الهموم، وإن دو بوفوار تريد أن تقول أن هذا القليل من الشمس"أو الانثى ذاتها"، ليس بوسع ذلک الوعاء من الماء البارد أن يخزنه في جوانحه المتخمة و المشبعة بردا، وبذلک فإن الفناء سيکون مصير ذلک القليل من الشمس! إن صاحبة سارتر تحاول أن توصل رسالة خطيرة في معناها الرومانسي حين تلمح من خلال عدم الجدوى الى حقيقة أن الانثى تشعر بالاختناق و الموت البطئ إذا ما فتحت عينيها ذات يوم على عالم لاتجد فيه من يستأنس و يقبل بحبها.