احتكار الثقافة وقهر النساء



توفيق أبو شومر
2014 / 12 / 12

نشر مركز البحوث التابع لجامعة القاهرة، إحصاءً عن ظاهرة المنتحرات والمنتحرين، ومما جاء في الإحصاء:
"يبلغ عدد الفتيات المنتحرات سنويا في مصر 2700 فتاة، بسبب العنوسة، وتبلغ نسبة النساء المنتحرات 68% من إجمالي نسبة المنتحرين.
وتتراوح أعمار المنتحرين والمنتحرات، ما بين اثنتين وعشرين سنة، واثنتين وثلاثين."
فهل هذه النسبة صحيحة؟ أم أنها أقل من الحقيقة؟
إن قهر النساء في المجتمعات الذكورية جريمة ووصمة عار في جبين البشرية كلها، وفي كتاب نصف القمر ، لمؤلِّفَيْه، نيكولاس كرستوف، وزوجته شيرلي وادن، ينقل إحصاءً صادما:
" إن عدد النساء المقتولات في عشرة أعوام يفوق عدد القتلى في الحروب من الرجال، في القرن العشرين كله.
وفي الباكستان جرى قتل خمسة ألاف امرأة ، وحرقهن بالنار، بعد صب الوقود عليهن، بسبب خروجهن عن التقاليد الأسرية، والقاتلون هم من أفراد عائلاتهن!!"
إن مسلسل قهر النساء ما يزال جاريا حتى اليوم، بخاصة في البلدان الفقيرة، لأن الذكور المقهورين يُحاولون التنفيس عن قهرهم باستعباد العنصر الأضعف(المرأة)، فيمارسون عليهن طقوس عُنف رجولة!!
وفي كثيرٍ من المجتمعات تتحول المرأة إلى صيغٍ عديدة، منها:
صيغة المرأة الخادمة، فهي التي تؤدي واجبات البيت وحدها فقط، وتُعاقَب إذا قصَّرت!! ومنها صيغة المرأة العاملة، وهي المرأة التي تُجبرها قساوة الحياة، وكسل الرجل، وتحوله إلى عالة اجتماعية، إلى الخروج إلى سوق العمل، فهي تُربي وتُنفق، وتدفع ثمن مكانة الرجولة، وحقارة الأنوثة!
أما صيغة المرأة الثالثة فهي صيغة المرأة(الدُّمية)،وهي الأكثر شيوعا في عالم اليوم، عندما تتحول المرأة إلى دمية لتسلية الرجل فقط، وهذا ما عالجه الكاتب النرويجي الكبير ، هنريك إبسن، المولود 1828 ، صاحب أروع المسرحيات العالمية، (بيت الدمية) ، وهذا المسرحية مُثِّلت على معظم مسارح العالم!
ولكن السؤال الأزلي الكبير، وهو كيف يمكننا أن نُخرج المرأة من هذا القهر؟
كان الاعتقادُ السائدُ، هو أن حياة الإنسان القبلي الذكوري كانت السبب في هذا القهر، وأن العصر الراهن، عصر التكنلوجيا كفيلٌ بتحرير المرأة من قهرها وذلها، غير أن متابعي عصر التكنلوجيا صُدموا بحقيقة جديدة، وهي أن قهر المرأة واستعبادها قد تضاعف في صور وأشكالٍ عديدة، فقد انتشر رقيق الجنس والمتعة، ودخلت تجارة الجنس ضمن أولويات عصر العولمة، فظهرتْ أسواق بيع القاصرات، وازدهار المنشطات الجنسية ووسائل الإثارة، مما ساهم في أن تصبح أبرز سلع التجارة في دول عديدة ، هي تجارة رقيق القاصرات!
إن تكنلوجيا الألفية الثالثة، لم تحمل معها ثقافة ووعيا يُناسب هذا التطور المتسارع الرهيب، بل إن عصر التكنلوجيا حظر الثقافات والفنون الراقية المؤثرة القادرة على التغيير، وأدخلها ضمن السلع، واحتكرها، وأصبحت الفنون والثقافات قشرية سطحية، لا تُعالج مشاكل الحياة، بل تُعزز الاستهلاك، استهلاك المأكولات غير الصحية، وازدهار صناعة الدواء والطب، ونشر عادات الإدمان، وكلها بدائل عن التثقيف ونشر الوعي الصحيح كتغيير أنماط العادات والتقاليد، وعدم اعتبار النساء في منزلة بشرية أدنى من الذكور!!
وأصبح نشر الوعي والثقافة عدوا لدودا للعولمة، يَحُدُّ من سرعة تجارة العولمة المتسارعة، كذلك فإن الوعي والثقافة سيكشف زيف بضائع العولمة وخطورتها على الصحة والنفس.
وأخير فإن الكاتب، فيديريكو ماير ،يُشير إلى خطورة ما يجري في عصر العولمة، ويطلق على هذا العصر، عصر(تلوُّث العقول)،ويُرجع التلوث إلى أن أباطرة العالم في الدول القوية وضعوا خطةً للانفراد بالسلطة، ولا يمكن أن ينفردوا بالسلطة إلا بأمرين، الأول ، احتكار الثقافة، والثاني تلويث الثقافة،
وأخير فإن الكاتب يدعو إلى عملٍ ثوري لكسر احتكار القِلَّة للثقافة والوعي، واستعادة ثقافة التغيير، تغيير السائد، بخاصة في المجتمعات الذكورية، لتحرير النساء من العبودية والقهر !!