وداد



ايمان محمد
2014 / 12 / 13

(1)
أبدأ قصتي ببسم الله الرحمن الرحيم، ﻷ-;-نني اريدها رسالة لكل نساء العالم ...انا وداد
كنت طالبة مجتهدة في المدرسة، احيا مع عائلة كبيرة (والداي وستة ابناء)، كنت البنت الكبرى و لدي ثلاثة اخوات واخوين والدي يعمل نجارا، كنا اسرة بسيطة جدا لا نملك الا ما يكفينا ....
ذات ظهيرة وانا في طريق العودة من المدرسة سيارة تسير بمحاذاة الرصيف الذي امشي عليه، تلك السيارة السوداء وذلك الرجل الذي يقودها ويمحلق إلي ويبتسم يخيفني، ما الذي يريد هذا الغريب وهل يعرفني؟
بعد اسبوعين اتت نسوة غريبات، احداهن تريدني ﻹ-;-بنها يعمل ضابطا في الجيش، عائلة غنية ميسورة الحال، والدتي تحكي لي وعيونها تتلأﻷ-;- وتتبسم قائلة
-وداد ما رأيك، رغم أنه اكبر منك بعشرة اعوام إلا إنني أنصحك بالموافقة
-و دراستي يا امي؟
-أشرطي عليه مواصلة الدراسة، لا تفوت هكذا فرصة يا ابنتي (هاي خوش قسمة )
-ولماذا؟
-ﻷ-;-نهم اغنياء، لا اريدك ان تعيش الفقر الذي عشته واعيشه مع والدك، فكما ترين انا اعمل خياطة كي اساعده، اريد لك حياة رغيدة يا وداد والقرار لك في النهايه
( هاي خوش قسمة) جملة كررتها امي مرات ومرات لي ولصديقتها المقربة وأخواتها، جملة ظلت كلماتها ترن في أذني (هاي خوش قسمة ) وتعني بالعراقية هذه زواجة حسنة او مناسبة تشجيعا لي كي اوافق
و وافقت على مقابلة الخاطب وإذ به ذلك الرجل الذي لاحقني بسيارته ألسوداء، نفس الإبتسامة وذلك الشارب الكثيف يهتز فوق شفتيه، ونفس الشعور ينتابني حين شاهدته وهو في سيارته، شعور بالخوف او الريبة ...
وافقت على الزواج منه بعد ان وافق على شرطي بإنهاء دراستي ودخول الجامعة التي ارغب، سمعته يعطي وعدا لوالدي بذلك ...
(2)
كنت في الاعدادية حين تزوجت، في الصف الخامس الادبي لاطالما استهوتني الروايات والقصص ودواوين الشعر التي كنت استعيرها من مكتبة المدرسة ومن مدّرسة اللغة العربية في المدرسة الست سعاد، كانت بمثابة الصديقة لي، هي وحدها التي نصحتني بترك فكرة الزواج ولكنني للأسف لم اعمل بنصيحتها ...
دخلت بيت ذلك الغريب، سأعيش مع عائلته المكونة من والداه وأخ وأختين، زوجي عدنان الابن البكر لوالديه
اخوه سرمد يكبرني بعام واحد ...
وبدأت معاناتي حين اجبرت على ترك الدراسة، و وجدت نفسي خادمة في ذلك البيت الكبير
-لقد وعدتني يا عدنان
-اووه ليس لدي امرأة تخرج من بيتي
بكيت واشتكيت لكن لا فائدة، واستسلمت للواقع وفي نفسي غصة..كان يغيب عني اياما وليالي بسبب عمله كضابط، وهنا امرته والدته ان ابقى معهم في ايام غيابه واستجاب لذلك ولم اجد لنفسي سبيلا غير الطاعة ..
اخوه سرمد الابن الاصغر مدلل والديه، يخرج للسينما مع اصدقاءه يحصل على ما يريد، ذات يوم وانا انظف حجرته وجدت عقب سيكارة تحت الطاولة، انحنيت كي التقطه وحين التفت وجدته في الحجرة
-سرمد تدخن وانت لا زلت طالبا!
-ما شأنك انت، انا حر ثم ان ابي و عدنان يدخنان ايضا
-ولكنك صغير
-و انت ألست صغيرة كي تتزوجي؟ سمعت والدتي تقول انك وافقت على اخي ﻷ-;-نك فقيرة
-كيف تجرأ على قول ذلك؟
-أوليست الحقيقة ؟
لم تكن نظرات سرمد لي لطيفة، كان فيها خبث وكأنه يشعرني بالدونية، لكن هل انا اقل منه؟
(3)
مرت الايام و الاسابيع، وذات يوم بعد الشهر السابع من دخولي هذا البيت الكبير، وكما اعتدت عدنان غائب عني في عمله، عاد سرمد متأخرا تلك الليلة كان الجميع نيام إلا أنا يسهدني الحزن وعدم الرضا وإذ بوقع خطى متعثرة تيقظني من غيبوبة همي، نزلت السلالم واضئت المصباح
-إشششش، أطفئي الضوء يا وداد آه ..
انه سرمد يترنح، اسرعت اليه، رائحة الخمر تفوح منه
-ما هذا يا سرمد، اين كنت؟
-أشششش، أسكتِ
-تعال الى المطبخ كي تغسل وجهك وتفيق
بينما الماء البارد يبلل رأسه، تقيء وجلس على الاريكة، اخذ نفسا عميقا وزفره وهز رأسه في الهواء ثم رفع رأسه نحوي قائلا
-هههههه، وداد انت حنونة وجميلة، اتساءل كم مرة يفعلها معك عدنان حين ينام
-وقح قليل ادب، لكن ماذا اقول فأنت سكران
تركته وعدت لحجرتي، بينما اغلق الباب وإذ به يدفعه ويدخل ويحيطني بذراعيه، تصارعت معه كي اخلص نفسي، مزق فستاني وجرحني بأظافره من اسفل رقبتي، دفعته بكل ما لدي من قوة وطرحته ارضا عند اعتاب حجرتي واغلقت الباب وادرت المفتاح
يطرق على الباب طرقا خفيفا
-وداد وداد، افتحِ دعيني اؤناس وحدتك يا غبية
ولى بعد دقائق من التوسلات الحقيرة التي لم ينل بعدها شيء سوى باب مؤصد...
لم انم الليلة بطولها، جسدي يرتعش فزعا وألما...
بيدي المرتجفتين الباردتين اتحسس الخدش وفتحة الفستان الممزقة، آه لحظك يا وداد
(4)
عند حلول الفجر بدأت بحزم ملابسي في الحقيبة، وغيرت ملابسي وجلست انتظر الصباح كي اترك هذا السجن، كانت الساعة السادسة والنصف صباحا حين سمعت صوت والدة زوجي تناديني وانا أهمُ بالخروج من باب المطبخ
-إلى أين يا حلوة في هذا الوقت؟
-لبيت اهلي ما ابقى هنا ولا لحظة
تضحك بسخرية
-هيجي بلا احم ولا دستور، حتى ما تكولين العمج ولعمتج مع السلامة، خير حلمانة وفازة من النوم، وهاي الجنطة الي وياج شنو ماخذتها، شكلج طالعة وما راجعة
-اي اطلع وبعد ما ارجع
استيقظ الوالد على صوت زوجته
-ابو عدنان، يا ابو عدنان تعال شوف جنتنا، مرت ابنك الجبير راح تفضحنا، اكعد يا رجال شوف شدا يصير ببيتك
واجهتهم بما بدر من ابنهم الليلة المنصرمة، كشفت عن الخدش واخرجت لهم الفستان الممزق
صفعتني والدة عدنان
-كيف تجرأين على ضربي
-اضربك واضرب اهلك يا بنت الفقر
وانهال عليّ والد زوجي ضربا بيده الجبارة، حتى سال الدم من فمي وانفي وطرحني ارضا وداس على يدي فإنكسرت الساعة حول معصمي
طردوني من البيت بالملابس التي على جسدي، خرجت مهرولة مذعورة، وشعري متناثر كالمجنونة، عند الشارع الرئيسي استأجرت سيارة اجرة
-سأدفع لك عندما توصلني لبيت اهلي
-نعم يا اختي، اصعدي
(5)
والدي العزيز، امي اخواتي اخواي، بيتي الصغير الخالي من الحديقة، لكنه مليء بالدفئ والحب رغم بساطته وتواضع اثاثه، اشعر بالامان بينكم ..
ذهب والدي بعد ايام للقاء عدنان وعاد يصفق يدا بيد ويقول
-سيقلب الله الدنيا بنا من افعالنا..
اخبرتني امي بأن والديّ زوجي قد قالوا لعدنان انني لم اصنه في غيبته وانني كنت اخرج وادخل من دون عذر ولم اكن الزوجة المخلصة، ما كان منه الا ان طلقني من دون حتى ان يتحقق في الامر، انه حتى لم يمنحن الفرصة كي ادافع عن نفسي...
عدت لمدرستي في بداية العام الجديد، وواصلت الاجتهاد حتى حصلت على معدل ادخلني كلية الآداب- قسم اللغة العربية وانهيت الجامعة وحصلت على وظيفة مدّرسة للغة العربية في اعدادية للبنات، وتقدّم لخطبتي احد زملاء الجامعة، احبني واحب ثقتي بنفسي وصدقي معه،تزوجنا وانجبت منه ثلاثة اطفال وانا احيا معه الآن حياة مليئة بالاحترام والحب...النهاية