الأسلام السياسي، الفكر والعقيدة.. معاديين للمرأة



فارس محمود
2015 / 1 / 4

ثمة حقيقة اجتماعية مسلم بها ان التيارات الإسلامية، الإسلام السياسي، الفكر والعقيدة الإسلاميين معاديين للمراة الى ابعد الحدود. المسالة ليست تجني او تشهير او امر عقائدي مناهض لهذه التيارات والافكار. انها حقيقة ومسلم بها، وتعيد انتاج نفسها بعشرات الاشكال يومياً.
ان تصريحات وزير الصحة التركي، ومن قبله رئيس الوزراء التركي اوردغان، باعتباره "الامومة هي المهنة الوحيدة للنساء" هي تبدي واضحة لهذا التصور، ولهذا السعي لاسلمة المجتمع التركي. اذ قدم نصائحه للامهات في مستشفى الولادة بان "على الأمهات الا يضعن مهنا أخرى غير الامومة هدفاً لحياتهن، فتربية الأجيال الجديدة يجب ان يكون مركز اهتمامهن". وحين جوبهت هذه التصريحات بشدة من قبل الحركة النسوية في تركيا، رد ان "الامومة ليست مهنة مفتوحة للجميع، اذ انها مقدسة"!
ان إيراد كلمات مثل "المقدسة" لايتعدى سوى ملجأ لدغدغة مشاعر النساء. لا يقصده طبعاً. ان الامومة شعور انساني رائع واحساس سامي وجميل الى ابعد الحدود. بيد ان هذا ما لايقصده وزير الصحة. ان مايقصده هو تحديداً هو ارسال النساء للبيت، ابعاد المراة عن الحياة العامة.
ولكن ينبغي ان لايغيب عن بالنا حقيقة: ان المجتمع طبقات، وان ردود وحركات اهل السلطة والحكم هو الرد على متطلبات وتبعات هذا الصراع. ان تركيا، وحالها حال بلدان العالم، تمر بأزمة اقتصادية خانقة، ويمسك بخناق الطبقات الحاكمة معضلة بطالة مليونية بالاخص اثر هذه الازمة، ازمة وبطالة لاتستطيع الفكاك منها بسهولة. ولهذا، فان احد الحلول المناسبة هو الدعاية لـ"الامومة هي المهنة الوحيدة للنساء"! يعني ابعاد النساء من العمل العام واعادتهن الى عبودية العمل المنزلي كي يتخلصوا من قسم من العاطلين الذين يحلوا مكان النساء. ان هذه ليست نداء ودعوة. انها هجمة. انها تجييش فكري للمجتمع لفرض التراجع على عمل النساء، إعادة احياء قيم وأفكار معادية للمراة، أفكار سخرت منها البشرية منذ عقود مديدة.
الإسلام السياسي والأفكار الإسلامية والتقاليد الإسلامية تعيد احيائها اليوم من أمثال اردوغان لمصالح سياسية وطبقية واضحة. أي ترى البرجوازية في هذه الرؤية سبيل حل لمعضلاتها، ولهذا اعادت دعمها والترويج لها واوهمت الجماهير بها بابواقها ومنابرها الإعلامية ومفكريها وكتابها، لتاتي بها للسلطة كي ترد على معضلات الطبقة البرجوازية الحاكمة. ولهذا ان تاتي الطبقات الحاكمة بمثل هذه التيارات، لا "من اجل عيون" هذه التيارات وافكارها البالية، لا بسبب "الصحوة الاسلامية" للمجتمع ولا بسبب "النهضة الإسلامية"! بل بسبب هذه المصلحة الطبقية المحددة المعادية للاغلبية الساحقة من الجماهير في تركيا.
ان اعمال المنزل من تنظيف واعداد الطعام وغيرها هي ضرورية لادامة الحياة اليومية، اعمال ينبغي ان يقوم بها احد ما، بيد ان ما اعترض عليه هو إحالة هذه المسالة والقائها على كاهل المراة بوصفها مهنة. اذ شتان هو الفرق ما بين الاثنين. ان "ربة البيت" و"العمل المنزلي" هو عبودية بكل معنى الكلمة. هو عمل غير مدفوع الاجر، وبالأخص اذا اخذنا بنظر الاعتبار التقارير التي تتحدث عن ان المراة "ربة البيت" وكل المنهمكين، وهم النساء بالدرجة الأساس، تنفق مايقارب 3-4 الاف ساعة سنوية في العمل المنزلي، أي مايعادل 30-40% من الثروة المنتجة، وقيمة تعادل ثلث مجمل الإنتاج غير السنوي في اقتصاد غير رسمين سيتبين لنا، حجم استفادة الطبقة الحاكمة من العمل غير المدفوع الاجر هذا، العمل الذي ينبغي ان يدفع "العامل" نفسه من اجره!
انه عمل قليل القيمة لان قيم الأشياء في المجتمع الراسمالي تقاس بقيمتها النقدية. ويتم النظر الى المراة فيه كشخص عديم القدرة الا على اعمال "هابطة"، اعداد الطعام، التنظيف، العناية بالأطفال وغيرها، عمل ليس فيه فن ولايحتاج الى دافع وحوافز وابداع خاص. "مهنة" تضع المراة من الناحية الاقتصادية، كتابع، كمستهلك، ولهذا فانها تابعة للرجل صاحب المورد الاقتصادي. يصعب تامين حياتها دون وجود "رب بيت" و"معيل"، وبحاجة ماسة الى حمايته. ولهذا، لايقفان، رغم أي نيات طيبة، على قدم مساواة واحدة، ويكون الرجل دوما كائن "اعلى" و"رئيس" والمراة كائن "اقل درجة" و"مرؤوس"! أي تبعد المراة عن الحياة الاجتماعية الاوسع، عن المجتمع، وعن ابراز طاقاتها وابداعاتها بوصفها عنصر واعي ومشارك في إرساء وارتقاء المجتمع.
ان اردوغان ووزير صحته على استعداد للمضي صوب هذه الخطوة ضاربين عرض الحائط بالنتائج والتبعات الاجتماعية المريرة التي تلقي بعاتقها على النساء والتي يعرفونها جيدا. ولكن يتغاضون عنها لمصالح طبقتهم التي يسهروا على تامينها.