ناقصات عقل ودين - (الثالثة) ... أليست إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟!



هبة عبده حسن
2015 / 1 / 5

يعج فضاء الإنترنت بالمواقع الإسلامية التي تحوي أسئلة وإجابات فقهية، حيث يمكن للقراء الأعزاء كتابة أي جملة استفسارية أو تساؤل يدور بخلدهم على أحد محركات البحث على الشبكة العنكبوتية ليجدوا ما يفوق رغبتهم في المعرفة في كل مجالات الحياة... ولأن فقه النساء في الفكر الديني الإسلامي موضوع هذه السلسلة، فأنا أعدكم بكم هائل من المعلومات المحملة بكل التفاصيل المتصورة عنّا نحن النساء بدءًا من سن الوطء والاستمتاع بالرضيعة، مروراً بحيضنا ونفاسنا وسن يأسنا وانتهاءًا بحكم الدين في مسألة هل للنساء عقول تفكر بها، وما حجم هذا العقول؟ وهل تشبه عقول الرجال؟ وهل تفكر النساء كالرجال... وهكذا... فقط تكبدوا عناء البحث والقراءة على شبكة الإنترنت. ورغم السخرية التي قد تحملها هذه الكلمات (وهي غير مقصودة بالتأكيد، فالموضوع محزن بقدر ما هو مخيف ولا يحتمل السخرية) أرى لزام عليّ أن آتي بدليل حتى لا يكون ادعائي افتئاتاً... وكدليل سأسوق مثالين: الأول هو رأي الشيخ الكويتي جاسم المطوع في كيفية عمل عقل الرجل مقابل عقل المرأة في فيديو شهير يمكنكم الاطلاع عليه في موقع ميمري (معهد أبحاث الشرق الأوسط) على الشبكة العنكبوتية، وفيه يزعم المطوع أن "العلم الحديث!!!" أثبت أن لسان المرأة يسبق تفكيرها بينما يعمل عقل الرجل سابقاً للسانه... اي أننا معشر النساء لدينا دافع بيولوجي للكلام دون استخدام العقل (والعلم أثبت العلم هذا الادعاء على عهدة جاسم المطوع!!!)، أمّا المثال الثاني فهو هذه الإجابة المطولة للشيخ عبد العزيز بن الباز (الملقب لدى الوهابيون بالشيخ الإمام) عن أهم قضية تؤصل لفقه النساء: نقصان العقل والدين.

سئل الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله عن معنى حديث (( النساء ناقصات عقل ودين )) ؟ فأجاب قائلا
توضيح حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، من إكمال بقيته حيث قال : ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب للب الرجل الحازم من إحداكن، فقيل يا رسول الله ما نقصان عقلها؟ قال: أليست شهادة المرأتين بشهادة رجل؟ قيل يا رسول الله ما نقصان دينها؟ قال : أليست إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟!)) فقد بين ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن نقصان عقلها من جهة ضعف حفظها وأن شهادتها تجبر بشهادة امرأة أخرى. وذلك لضبط الشهادة بسبب أنها قد تنسى أو قد تزيد في الشهادة، وأما نقصان دينها فلأنها في حال الحيض والنفاس تدع الصلاة وتدع الصوم ولا تقضي الصلاة، فهذا من نقصان الدين.

ولكن هذا النقص ليست مؤاخذة عليه، وإنما هو نقص حاصل بشرع الله ـ عز وجل ـ هو الذي شرعه ـ سبحانه وتعالى ـ رفقاً بها وتيسيراً عليها لأنها إذا صامت مع وجود الحيض والنفاس يضرها ذلك . فمن رحمة الله أن شرع لها ترك الصيام ثم تقضي.. وأما الصلاة، فلأنها حال الحيض قد وجد منها ما يمنع الطهارة. فمن رحمة الله ـ عز وعلا أن شرع لها ترك الصلاة وهكذا في النفاس ثم شرع لها ألا تقضي الصلاة، لأن في القضاء مشقة كبيرة، لأن الصلاة تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات. والحيض قد تكثر أيامه. تبلغ سبعة أيام أو ثمانية أيام، وأكثر النفاس قد يبلغ أربعين يوماً. فكان من رحمة الله عليها وإحسانه إليها أن أسقط عنها الصلاة أداءً وقضاءً، ولا يلزم من هذا أن يكون نقص عقلها في كل شيء ونقص دينها في كل شيء، وإنما بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن نقصان عقلها من جهة ما يحصل لها من ترك الصلاة والصوم في حال الحيض والنفاس.

ولا يلزم من هذا أن تكون أيضاً دون الرجال في كل شيء، وأن الرجل أفضل منها في كل شيء، نعم جنس الرجال أفضل من جنس النساء في الجملة، لأسباب كثيرة كما قال الله ـ سبحانه وتعالى ـ : {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} سورة النساء. لكن قد تفوقه في بعض الأحيان في أشياء كثيرة، فكم من امرأة فاقت كثيراً من الرجال في عقلها ودينها وضبطها. وقد تكثر منها الأعمال الصالحات فتربو على كثير من الرجال في عملها الصالح وفي تقواها لله ـ عز وجل ـ وفي منزلتها في الآخرة، وقد تكون لها عناية في بعض الأمور، فتضبط ضبطاً كثيراً أكثر من ضبط بعض الرجال في كثير من المسائل التي تعنى بها وتجتهد في حفظها وضبطها، فتكون مرجعاً في التاريخ الإسلامي وفي أمور كثيرة، وهذا وأضح لمن تأمل أحوال النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعد ذلك، وبهذا يعلم أن هذا النقص لا يمنع من الاعتماد عليها في الرواية، وهكذا في الشهادة إذا انجبرت بامرأة أخرى، ولا يمنع أيضاً تقواها لله وكونها من خيرة إماء الله، إذا استقامت في دينها، فلا ينبغي للمؤمن أن يرميها بالنقص في كل شيء، وضعف الدين في كل شيء، وإنما هو ضعف خاص في دينها، وضعف في عقلها فيما يتعلق بضبط الشهادة ونحو ذلك. فينبغي إنصافها وحمل كلام النبي صلى الله عليه وسلم على خير المحامل وأحسنه. والله تعالى أعلم...

ليس صعباً على الإطلاق إثبات خطأ – بل وسذاجة - الأطروحات السابقة باستخدام العلوم البحتة والتطبيقية (كعلم الأحياء والتشريح والآركيولوجي وعلم النفس السلوكي... الخ)، وهناك نتائج تلك الأبحاث وغيرها مما تعج به المكتبات العلمية والجامعات حول العالم... ولكن هذا الأمر لا يعنيني على الإطلاق كما لا تعنيني كذلك دراسة العنعنات والإسنادات والتواتر وعلم الرجال وما إليها من مناهج دراسة الأحاديث النبوية ورواتها... ليس مجرد تعظيماً لقدر الأولي والعلم طبعاً قدره عظيم، وبالتأكيد ليس استهانة بالأخيرة ولكن لأن تلك الأخيرة لها أهلها الخبراء بها وهم ملزمون – وخاصة التنويريون منهم - كأصحاب معرفة دينية تعليم شعوبهم صحيح دينهم وكيفية مزاوجة المنطقي بالإيماني.

لقد وصلت البشرية إلى مكانة لا يصح معها على الإطلاق أن نظل نراوح مكاننا في هذه الدائرة الجهنمية من محاولة إثبات أن النساء هن كائنات بشرية لها عقول تفكر... هذا لا يصح في الألفية الثالثة (السابعة حسب التقويم المصري الساري) ولكن يبدو أننا سنظل محكومين (إلى حين) بتلك الجملة المقصية القبيحة "جنس الرجال أفضل من جنس النساء في الجملة"... تلك العبارة التي لم تجد حتى الآن من يقف أمامها ليقول أن هذا هراء على المستوى الإنساني وحسب، فجنس الرجال ليس أفضل من جنس النساء، لا في الجملة ولا في التفصيل... ولدرء أن ينحى الحوار منحى غير المقصود منه أقر طبعاً ولزاماً وعلماً ومنطقاً كذلك أن جنس النساء ليس أفضل من جنس الرجال، لا في الجملة ولا في التفصيل...

(يتبع!)