الامتياز والتمييز



عائشة خليل
2015 / 1 / 8

يمنح المجتمع البطريركي امتيازات لأفراد بعينهم، بينما يمنعها عن البعض الآخر فيكونون عرضة للتمييز ضدهم داخل المجتمع. ومفهوم الامتياز يعني الحصول على ميزة (أو ميزات) إضافية بدون جهد يذكر أو لمجرد كون الشخص من نوع معين أو طبقة معينة، وكذا التمييز فهو يقع على أفراد لكونهم جزءا من المجموعة المضطهدة داخل المجتمع، مثل الأفارقة في المجتمعات العنصرية.

وبعض العوامل التي تحدد ثنائي الامتياز أو التمييز هي : النوع الاجتماعي، الطبقة، الفئة العمرية، سلامة الجسد (أو تحدي الإعاقة)، والعرق، وغيرها. فمثلا يمنح المجتمع للذكور امتياز فقط لمجرد أنهم ذكور، وبالطبع لا يتمتع كل الذكور بالامتيازات على ذات المستوى طوال الوقت، فقد تتقاطع عوامل أخرى مثل الطبقة الاجتماعية (أو الفئة العمرية) لتحدد أو تُحد من مكانة الذكور مقارنة ببعضهم البعض، ولكن في المجمل يعطي المجتمع البطريركي مكانة أعلى في المجتمع لمجمل ذكوره فوق مجمل إناثه. انظري مثلا احتفاء الوالدين بالمولود الذكر في مقابل المولودة من الإناث، وتسلط الأخ الأصغر على أخواته الأكبر سنًا. ومثال آخر: عندما يرشح ذكر لمقعد قيادي (سواء كان سياسيا أم تجاريًا) لا يشك أحد بقدراته على إدارة دفة الأمور، بينما يتعين على المرأة المرشحة أن تثبت كفاءتها وتفوقها على أقرانها من الذكور.

ولعل امتيازات الطبقة الاجتماعية هي الأكثر وضوحًا بين هذه الامتيازات، فلقد قامت عاصفة في مصر مؤخرًا نظرًا لإقصاء بعض المعينين في النيابة العامة لأنهم مولودون لأبوين غير حاصلين على شهادات جامعية. فهذا تمييز على أساس الطبقة، ليس له علاقة بالقوة الشرائية للمال الذي عادة ما يؤخذ على أنه مؤشر للطبقة الاجتماعية. ويميز المجتمع أيضًا ضد متحدي الإعاقة حيث إن معظم المباني العامة والخاصة غير مجهزة لذوي الإعاقة البدنية بحيث تمنع تواجدهم بها، وهذا تمييز صارخ ضد حقوقهم الإنسانية المشروعة. وهو تمييز مبني على فكرة أن كل الأشخاص أصحاء البدن، وبدون نظر إلى القدرات البدنية المختلفة لأفراد المجتمع.

ويتمتع الرجال (وبعض النساء) من ذوي الفئة العمرية المتوسطة بميزات مقارنة بالشريحة الأصغر سنًّا. ففي عمر الخمسين تكون الأمور المادية قد استقرت لدى الكثيرين، وأصبح لديهم فائض مالي يمكنهم من فرض إرادتهم على من هم أصغر سنًّا. كما أن أصحاب هذه الفئة العمرية هم من يتبوؤون مراكز صنع القرارات في جميع المجالات، مما يمنحهم امتيازات إضافية مقارنة بالشباب حديثي التخرج. ويحرص أفراد هذه الفئة العمرية على حماية مكتسباتهم، فيعملون على ترسيخ مفهوم الخبرة كأهم عامل في الوظائف القيادية بحيث يستمرون على رؤوس أعمالهم، ولا يتركون المجال للإبداعات الشبابية، تماما كما يحمي الذكور مكتسباتهم في المجتمعات البطريركية بالتواطؤ على تهميش النساء.

تعمل النسويات على ترسيخ مفاهيم الامتياز والتمييز لدى طلاب الجامعات، فتدرس هذه الأفكار حتى لا يعتقد شخصٌ ما أن حياته نشأت من فراغ وبدون امتيازات (أو تمييز) من المجتمع الذي يعيش فيه. فتشكك النسويات في فكرة العصامية التي قد يدعيها البعض، فتلك العصامية تستند على بعض الامتيازات الغير واردة في حالات أخرى. فمثلا الرجل العصامي، اعتمد بشكل ما على امتياز الذكورة ، وهو امتياز غير مطروح بالنسبة للإناث، فبإمكان الرجل مثلا أن يسافر من بلدة إلى أخرى متتبعًا تجارته الناشئة مقارنة بمحدودية الحركة المتاحة للمرأة في المجتمعات البطريركية. ولذا فإن مفهومي الامتياز والتمييز من أهم المفاهيم التي يجب أخذها في الاعتبار عند تحليل الحالات المجتمعية المختلفة.

في المقال القادم أتحدث عن تقاطع الامتياز والتمييز في الحياة الاجتماعية.