تقاطع الامتياز والتمييز



عائشة خليل
2015 / 1 / 19

تحدثت في المقال السابق عن الامتياز والتمييز، وهي المكاسب التي يحصل عليها شخص ما لمجرد كونه (ذكرا مثلا)، أو التمييز ضد أشخاص نظرًا لانتماءاتهم (العرقية مثلا). والعوامل المحددة
لمكانة الإنسان في مجتمع ما كثيرة منها النوع الاجتماعي، الطبقة، الفئة العمرية، سلامة الجسد (أو تحدي الإعاقة)، والعرق، وغيرها الكثير. وقد طرحت بعض الأمثلة للامتياز والتمييز في المجتمعات كما نوهت إلى أن هذه العوامل قد تتقاطع فتنتج تمييزًا أو امتيازًا مركبًا أو حتى امتيازًا في بعض الجوانب وتمييزًا في غيرها. فماذا يعني هذا؟

فقد تتقاطع الامتيازات أو تتراكم بحسب موقع كل إنسان فيخبر الحياة بشكل مختلف عن غيره. فمثلا المرأة متحدية الإعاقة تخبر الحياة بشكل مختلف عن الرجل متحدي الإعاقة، فالمجتمع التقليدي الذي يرى قليلا من الفائدة في تعليم الفتاة مقارنة بإخوتها الذكور، تتكاثف لديه هذه الفكرة إذا كانت الفتاة متحدية للإعاقة، وخاصة إذا كانت من طبقة معينة. وفي مثل هذا المثال تتقاطع الطبقة، مع السن، مع النوع الاجتماعي، مع تحدي الإعاقة، لتكون حالة رباعية من التمييز ضد مثل تلك الفتاة والتهميش لها.

بينما قد تحصل فتاة متحدية للإعاقة من الطبقة المتوسطة على قدر مناسب من التعليم، وفي هذه الحالة يوصف التمييز ضدها بأنه على أساس النوع الاجتماعي، وتحدي الإعاقة، والفئة العمرية، بينما توصف بأنها متميزة من حيث الطبقة. وفي المقابل إذا أردنا تحليل حالة والد مثل هذه الفتاة، فقد يوصف والدها بأنه متميز على أساس النوع الاجتماعي، والطبقة الاجتماعية، والفئة العمرية، والسلامة الجسدية.

تقاطع الامتياز والتمييز في حياة أي إنسان يعطي لنا صورة أفضل عن العوامل التي شكلت حياته لتصل إلى ما وصلت إليه. ولقد اهتمت النسويات من ذوات الأصول الإفريقية بالولايات المتحدة بتقاطعات التمييز في حياة النساء. فمن بال هوكس، إلى بتراشيا هيل-كولنز، إلى كمبرلي كِرينشو، وغيرهن، اهتمت المفكرات بالنظر إلى العوامل المختلفة التي تشكل الظروف الموضوعية لحياة النساء. فمثلا قد توصم الأمهات العائلات لأطفالهن بأنهن كسولات تعتمدن على الإعانات الحكومية، ولكن تحليل وضعهن على أساس تقاطع النوع الاجتماعي، والعرق تعطينا صورة أكثر حيوية عن مسببات الفقر الذي يرزحن تحته، ويفصح عن العوامل الاجتماعية
التي شكلت حياتهن إلى ما آلت إليه.

ولتقاطع الامتياز والتمييز نتائج متعددة استخدمتها مثلا الأكاديميات المهتمات بدراسات ما بعد الاستعمار. فما الذي يشكل مثلا حياة سيدة هندية في بلد يرزح تحت الاستعمار: تقاطع النوع الاجتماعي، والعرق، والاستعمار. إنه إذا التهميش الْمُركب لتلك السيدة التي لا يستمع إليها المجتمع، كما لا يصل صوتها إلى الحاكم المستعمر، ويتحدث الآخرون دوما باسمها، ويمثلون رغباتها، بينما تبقى هي بلا صوت، وهذا ما أوضحته المفكرة هندية الأصل جياتري سبيفاك.

تصر الحكومات في النصف الجنوني من الكرة الأرضية على فكرة المركزية في الإدارة، وتتحدث دومًا باسم الطبقة الحضرية المتوسطة، مما ينتج عنه إهمال وتمييز ضد الريف وللطبقات الأخرى بالمجتمع ، حيث تتركز جل الخدمات في التجمعات الحضرية. فماذا لو وعت تلك الحكومات ازدواجية الامتياز والتمييز؟ بالتأكيد سينتج عن هذا تحليل أدق للمواقع الاجتماعية المختلفة، وبالتالي الالتفات لمتطلباتها الحيوية على ضوء تلك التحليلات.

وماذا عن النسويات؟ دأبت بعض النسويات على التركيز على التجمعات الحضرية، وتحليل المشاكل، وبالتالي طرح الحلول من منظور حضري بحت. فماذا لو التفتن إلى تقاطعات الامتياز والتمييز في التجمعات الريفية؟ إن مثل هذا التحليل سوف ينتج حلول واعية بالزمان والمكان، حلول تأخذ في الحسبان الإمكانات المتاحة وتنطلق منها. هذا ما وعته الحركة النسوية متأخرًا فبدأت تنظر إلى المشكلات التي تواجهها النساء من منظور ريفي (وليس حضريا). ولقد تحدثت في مقال سابق عن نجاح تجربة ”راديو مينا“ بالهند والنابع من دقة التحليل للمشاكل وطرح الحلول الملائمة. فالأداة المستخدمة في التوعية (الراديو) متاحة بشكل أكبر من الإنترنت في الريف الهندي، كما أن الموضوعات (مثل الزواج المبكر للفتاة) أكثر إلحاحًا في الريف الهندي منها بالمدن، والأسلوب المتبع حيال تلك المشكلة والتحليل المناسب للفئة المستهدفة ساهما في نجاح التجربة. فنجاح أي تجرية رهين بخصوصية التحليل الاجتماعي الذي يأخذ ثنائية التمييز والامتياز وتقاطعاتهما المتعددة في الحسبان.