ردا على القارئ طارق مقدادي ...هل لا يجوز زواج المسلمة من أهل الكتاب لأنهم كفار؟



دينا عبد الحميد
2005 / 9 / 11

شكرا جدا أستاذي العزيز طارق المقدادي على اهتمامك بمقالي والرد عليه ولو أنى كنت أفضل أن يكون ردك من خلال مقال ينشر في موقع الحوار المتمدن حتى يستطيع غالبية القراء الإطلاع عليه . لأن من المهم جدا أن يكون هناك أراء كثيرة متنوعة في موضوع واحد حتى يستطيع الباحث أن يكون رأي من بين اختلاف الآراء وبهذا نقترب أكثر وأكثر من الحقيقة ونتفق جميعا على المقولة التي تقول الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية بل انه يفيد الموضوع قيد البحث لان كل طرف يأتي بدليله عن رأيه مما يقربنا إلى الحقيقة . أولا اعتذر لك ولكل القراء أن مقالي لم يكن شموليا بالقدر المطلوب وعدم التعرض للآية القرآنية الكريمة في سورة الممتحنة رقم (10) " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ". وفي هذه الآية تحريم زواج المؤمنات من الكفار ونجد أنفسنا أمام سؤال مهم جدا هل أهل الكتاب كفارا ؟ وقمت حضرتك بالاستشهاد بالآية (17) سورة المائدة " لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" والآية القرآنية في سورة المائدة (73) "لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " .ولن أخوض في أسباب النزول للآية الأولى ولكن الأهم من ذلك هو هل أهل الكتاب كفارا ومن أجل هذا لا يجوز زواج المسلمة من أهل الكتاب.للأسف أننا قد سيطر علينا الفكر الوهابي السلفي الذي لا يقبل الأخر ويكفره بل يستبيح دمه وأمواله . وضمنا لهذا الفكر فإن كل من يخالف هذا الفكر فهو كافر ويستوجب عليه الحد وهو القتل . ولأننا نقرأ القرآن على طريقة " لا تقربوا الصلاة" فإننا نأخذ بعض آيات القران ونترك باقي الآيات وهنا لا يسعنى إلا أن استشهد بمقال" التسامح الإسلام بين مصر وامريكا" للدكتور أحمد صبحي منصور .
الاسلام في معناه القلبي الاعتقادي هو التسليم والانقياد لله تعالي وحده . والاسلام بهذ المعني نزل في كل الرسالات السماوية علي جميع الانبياء وبكل اللغات القديمة ،الي ان نزل اخيرا باللغة العربية ،وصار ينطق بكلمة "الاسلام"التي تعني الاعتقاد والتسليم والانقياد والطاعة المطلقة لله تعالى وحده فيما يخص التعامل مع الله تعالى (الانعام 161:163)وهذا هو معني الاسلام في الاعتقاد ،والذي سيحكم الله تعالي عليه وحده يوم القيامة ،لأن الله تعالي لن يقبل يوم القيامة دينا آخر غير الخضوع أو الاستسلام له وحده ،وذلك معني قوله تعالي (ان الدين عند الله الاسلام ). (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين :آل عمران 19،54)فالاسلام هو الخضوع لله تعالي بكل اللغات وفي كل زمان ومكان وفي كل الرسالات السماوية , الا انه عندنا وللاسف قد تحول الى وصف باللغة العربية لقوم معينين في عصور معينة .
والله تعالي لا يهتم بما يطلقه البشر علي انفسهم من القاب وتقسيمات مثل (الذين آمنوا ) والذين هادوا (اليهود ) والنصاري والصابئين (أي الخارجين علي دين اقوامهم )لذلك فان القرآن يؤكد في آيتين ان الذين يؤمنون ايمانا باطنيا وظاهريا (بالامن والامان مع البشر وبالاعتقاد في الله وحده )ويعملون الصالحات فى التعامل مع الناس ويؤمنون باليوم الاخر ويعملون له فهم من اولياء الله تعالي سواء كانوا من اتباع القرآن ،أو من الذين هادوا ،أو من النصاري او من الصابئين (البقرة 62 المائدة 69 )أي ان من يؤمن بالله واليوم الاخر ويعمل صالحا فهو عند الله قد ارتضي الاسلام أو الانقياد لله عز وجل، سواء كان من المسلمين او اليهود او النصارى او الصابئين في كل زمان او مكان او بكل لسان وذلك ما سنعرفه يوم القيامة.
ليس لأحد من البشر فى هذه الدنيا ان يحكم علي انسان بشأن عقيدته ،والا كان مدعيا للالوهية، هذا هو معني الاسلام الباطني القلبي الاعتقادي ، هو فى التعامل مع اللة تعالي استسلام وخضوع له بلغة القلوب ،وهي لغة عالمية يتفق فيها البشر جميعا، وعلي اساسها سيكون حسابهم جميعا امام الله تعالي يوم القيامة. وكل انسان له حريته المطلقة فى التمسك بهذا الاسلام العقيدى او الخروج عليه ، وكل انسان مسئول عن اختياره امام الله نعالى وحده يوم القيامة.
اما الاسلام في التعامل الظاهري فهو السلم والسلام بين البشر مهما اختلفت عقائدهم يقول تعالي (يا ايها الذين أمنوا ادخلوا في السلم كافة )البقرة 208 .أي يأمرهم الله تعالي بايثار السلم . ونتذكر هنا تحية الاسلام الا وهي السلام وان السلام من اسماء الله تعالي، كل ذلك مما يعبر عن تأكيد الاسلام علي وجهه السلمى ، فالانسان الذي يحقق الاسلام السلوكى في تعامله مع الناس فيكون مسالما لا يعتدي علي احد هو مسلم بغض النظر عن عقيدته ، فذلك هو معيار المسلم فى القرآن ، وكونه مسلما نتعرف عليه بحسب سلوكه السلمى ونتعامل معه كمسلم سواء كان فى عقيدته وعبادته مسيحيا يذهب للكنيسة، أو كان يهوديا يؤم الالكنيس اليهودى أو كان بوذيا او حتى ملحدا. المهم أن يكون مسالما ليكون اخا لنا فى الاسلام بمعناه السلوكى الظاهرى وهو السلام. أما عقيدته وعقائدنا فمرجعها لله تعالى وحده يوم القيامة ليحكم علينا جميعا بعدله وعلمه جل وعلا. وحتى يأتى يوم القيامة علينا أن نعيش فى هذه الدنيا فى سلام وفق معنى الاسلام بمعناه السلمى الظاهرى.
وعلى العكس فان الشرك والكفر هما معا ـ طبقا لمصطلحات القرآن الكريم ـ يعنيان الظلم و الاعتداء العقيدى والسلوكى.
الظلم لله تعالى فى التعامل معه جل وعلا أو فى العقيدة بمعنى اتخاذ اولياء وآلهة مع الله تعالى بتقديس البشر من الانبياء والأئمة والقديسين والأحبار والرهبان والشيوخ . وهذه عادة سيئة يقع فيها أغلب البشر وفى مقدمتهم المسلمون من سنة وشيعة وصوفية. وهذا ظلم عظيم لله تعالى القائل " ان الشرك لظلم عظيم "وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ"لقمان13 ". والله تعالى شاء أن يكون البشر أحرارا فى الايمان وفى الكفر لذا كان الحساب على العقائد مؤجلا الى يوم القيامة ، وكان التأكيد القرآنى على الحرية الانسانية المطلقة فى الايمان او الشرك والكفر مرتبطا بمسئولية البشر الكبرى على هذا الاختيار وما يترتب عليه من خلود فى العذاب او خلود فى النعيم. ولكن الى أن يأتى يوم الحساب فليس لأحد أن يحاسب أحدا على معتقده ودينه حيث أن ذلك هو حق الله وحده ، ولابد من ترك الدين خالصا له وحده جل وعلا فى تقرير حرية البشر فيه فى الدنيا وفى حسابهم امام خالقهم فى الدين يوم الدين. ليس فى الاسلام كهنوت أو واسطة بين الناس ورب الناس ولا يجوزفى تشريع الاسلام الاكراه فى العقائد ومن يفعل ذلك فقد اغتصب حق الله تعالى وادعى الالوهية دون أن يدرى أو وهو يدرى.
واذا كان الشرك والكفر اعتداءا على حق الله تعالى فان الشرك والكفر يعنيان معا وفق مصطلحات القرآن الكريم الآعتداء على حقوق البشر أيضا ، تلك الحقوق التى نزلت تشريعات الرحمن فى تأكيدها وتوجب على البشر حفظها فى هذه الدنيا ليستقيم العدل والأمن والسلام فى الأرض وفى هذا العالم، وفى مقدمتها حق الانسان فى الحياة وفى حريته فى اختيار عقيدته وسائر حقوقه السياسية والاجتماعية. المعتدى على هذه الحقوق البشرية مستحق للوصف بالكفروالشرك طالما ظل قائما بهذا الاعتداء مصرا عليه ولا بد من مواجهته وردعه ليكف عن اجرامه. واذا اقترن هذا الاعتداء على حقوق الناس بتبرير دينى يفترى على الله تعالى كذبا فهنا اقتران بالاعتداء على الله ودينه وهو الفساد فى الأرض الذى يجب الجهاد الاسلامى ضده بالقلم والسلاح اذا أمكن. وهذا بالضبط ما يجب على المؤ منين فعله فى مواجهة الطاغوت السلفى الوهابى الذى يظلم الله تعالى قبل أن يظلم البشر ويسفك الدماء ويستحل الحرمات بتزييف الاسلام وفقا لتلك الاحاديث السامة المسماة بالسنة النبوية . والرسول سيبرأ منهم يوم القيامة كما نبأ الله تعالى عما سيقوله الرسول يوم القيامة عن اعدائه الذين هجروا القرآن تمسكا بتلك الأكاذيب المفتراة" وقال الرسول يارب ان قومى اتخذوا هذا القرآن مهجورا ، وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا ". الفرقان 30,31" وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا" ," وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا"
2- طبقا للقرآن الكريم فانه يجوز للمسلمة أن تتزوج مسيحيا أو يهوديا أوبوذيا..الخ طالما كان مسالما . المحرم هو الزواج من المشرك الكافر او المشركة الكافرة بمعنى الأجرام والتعدى على المسالمين بالحرب. وسيأتى تفصيل ذلك فيما بعد ان شاء الله تعالى ،كما أن بيوت العبادة لكل المؤمنين من المسلمين وأهل الكتاب يجب احترامها وحمايتها وحصانتها من كل اعتداء ، وهذا من مقاصد الجهاد فى الاسلام طبقا للقرآن الكريم." الحج 40"الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ"