التمكين السياسي للمرأة



فريده غلام إسماعيل
2005 / 9 / 11

لقد تغيرت مفاهيم تنمية المرأة منذ الخمسينات, وتبلورت في مفهوم التمكين في عقد التسعينات, وتلاقت مع مفهوم التنمية, وعليه كما تحتاج عملية إنجاح التنمية إلى التمكين وتقوية أفراد المجتمع بصفة عامة من أجل تحقيقها, تحتاج المرأة بصورة خاصة لتقويتها وتمكينها من أجل تحقيق التنمية.

ولعل السبب الرئيسي في بقاء المشكلات العديدة المزمنة في مجتمعاتنا ومؤسساته ، هو التهميش المتعمد أو البرىء تجاه شرائح محددة من الناس وأخصهم المرأة والشباب.

وقد كثر الحديث مؤخرا عن التمكين السياسي والتجديد الديمقراطي كحجري الزاوية في معالجة الاختلالات في مجالات التربية وقضايا المجتمع ، وبتنا نسمع مصطلحات مثل التمكين السياسي و التمكين الاقتصادي و التمكين الاجتماعي والثقافي و الإعلامي و الحقوقي وغيرها من مجالات التمكين ، فماذا نقصد بالتمكين وبالتمكين السياسي على وجه التحديد.



ماذا نقصد بالتمكين السياسي



التمكين في معناه العام هو ازالة كافة العمليات و الاتجاهات والسلوكات النمطية في المجتمع والمؤسسات التي تنمط النساء والفئات المهمشة وتضعهن في مراتب أدنى.

والتمكين السياسي عملية مركبة تتطلب تبني سياسات وإجراءات وهياكل مؤسساتية وقانونية بهدف التغلب على أشكال عدم المساواة وضمان الفرص المتكافئة للأفراد في استخدام موارد المجتمع وفي المشاركة السياسية تحديدا. ليس القصد من التمكين المشاركة في النظم القائمة كما هي عليه ، بل العمل الحثيث لتغييرها واستبدالها بنظم إنسانية تسمح بمشاركة الغالبية في الشأن العام وادارة البلاد وفي كل مؤسسات صنع القرار ضد هيمنة الأقلية المتنفذة .

ان التغيرات العالمية أصبحت ضاغطة نحو إعادة تعريف التمكين من منظور القدرة على التواصل والتنظيم وليس فقط فرض التشريعات والإجراءات كما تتجه لإحلال المفاهيم السلبية لتوزيع الأدوار بمفاهيم ايجابية مبنية على المساواة وتكافؤ الفرص ويعتبر النموذج المثالي للإجراءات هو ذلك الذي يأخذ بإدماج المجموعات أو الفئات المهمشة أو الأقل حظا في الإدارة العامة.

ان السياسات التمكينية تصاغ لمنع التفرقة على أساس النوع أو الفكر ولتعزيز حرية الاختيار في أمور تتعلق بحياة الفرد وزيادة فرصه في الاختيار. ويشمل التمكين أيضا تزويد الفرد بالمعرفة والمهارات اللازمة لبناء القدرات تحت مشروعات متنوعة لمختلف الفئات المحتاجة لمواجهة التناقضات المحيطة.

وعن طريق التجديد الديمقراطي يمكننا خلق نظم انتخابية جديدة ، تجعل الناس في المركز ونقضي على تلك النظم الانتخابية التي يتم هندستها لخدمة فئات معينة كالطائفة مثلا أو الأغنياء الذين يمتلكون الأموال كما حدث في أمريكا في فترة سابقة.



مركزية مفهوم المساواة في التمكين



إن فكرة المساواة ذات بعدين ، البعد الأول يتمثل في المعاملة الرسمية المتماثلة أو المساواة الاجرائية بين الأفراد، والبعد الثاني في المساواة الحقيقية ، وحيث أن البعد الأول يخرق على الدوام ، على الرغم من وجوده في كافة القوانين والاجراءات ، فان مفهوم المساواة الفعلية أو الحقيقية قد برز مؤخرا عبر مناهج متمايزة ومتداخلة .

واقتنعت العديد من الدول بأنه حتى تتحقق النتائج المتساوية فعلا ، فلابد لها من تطبيق تدابير ايجابية أو فرض حماية أو تقديم مساعدات معينة لتحقيق العدالة وتعويض المجموعات الأقل حظا عن الاختلالات المجتمعية ، وبالتالي تمهيد فرص الاختيار أمامهم للوصول للموارد المجتمعية كالآخرين دون تمييز. انه مفهوم المشاركة العادلة أو الفرص العادلة .



ثلاثة أوجه لتحقيق المساواة الفعلية



وهنا نسرد أوجها ثلاثة لتحقيق المساواة الفعلية أو المادية : الأول المساواة في النتائج ، بمعنى هل تنطبق النتائج بنفس الدرجة على الأفراد ،وكيف تستفيد المجموعات ، النساء والمجموعات الاثنية والفئات ذوي الاحتياجات الخاصة ، وهل هناك مساواة حقيقية في التمثيلية ، على مستوى الأعداد بين النساء والرجال في نفس المستوى والكفاءة.

و الوجه الثاني يتمثل في المساواة في الفرص فكما نعلم لا يمكن للعدائين في السباق الحصول على فرصة عادلة إذا بدؤا السباق من مواقع مختلفة. إن الفرص المتساوية تهدف إلى تماثل وتساوي مواقع الانطلاق، ولضمان الفرص المتساوية ينبغي إزالة المعوقات والممارسات التفضيلية بمعايير غير الكفاءة ، كالقرابة وغيرها. إن المنظمات الواعية لهذه الأفكار ستكون فرصها مفتوحة ولكنها لا تضمن استفادة النساء منها.إن هذا البعد يشمل برامج التدريب وبناء المهارات والخبرات الاجتماعية وانفاذ سياسات المراقبة والتخطيط. أما الوجه الثالث فيستند على القيم النبيلة مثل الكرامة الإنسانية وقيمة الفرد وحق المصير.



كيف ينفذ التمكين



إن النظريات الحديثة في التقنين تبين أن النماذج الخاصة في الضبط الاجتماعي و برامج توعية الفئات ذات المصلحة أجدى في تغيير السلوك عن قوانين الدولة ، وتركز النظريات أيضا على أهمية تضمين السياسات وجهة نظر وخبرات الفئات المتضررة مثل أصحاب القضية ومؤسسات المجتمع المدني الراعية لتلك القضايا.

المطلوب هنا بناء أنظمة تعزز المشاركة الفعلية العادلة وتقضي على مظاهر الإقصاء والتهميش . أ حد هذه الأنظمة يركز على المطالبات الفردية الحقوقية عندما تنتهك حقوق الفرد ويلجأ للقضاء والنموذج الآخر يعتمد الضبط والتسيير بواسطة الحكومة أو سلطة أهلية مستقلة تضع المعايير المطلوبة وأنظمة التحقق ليعمل بها الجميع. أما النموذج الثالث فهو يعتمد التدابير الذاتية الطوعية ، والرابع يعتمد اتخاذ العقوبات القضائية ضد من لا يلتزم بالنظام ، والأخير يعتمد التشجيع المعنوي والمكافآت لمن يلتزم بتطبيق الأنظمة وهكذا ، وربما نحتاج في فترة من الفترات تركيبة من هذه النماذج وفق مستويات الوعي والالتزام السائدة لدينا.



النظام السياسي الصالح أهم متطلب لعملية التمكين السياسي



من أهم متطلبات عملية التمكين السياسي هو وجود نظام سياسي صالح بحيث : يعطي الشعب بأكمله الحقوق المدنية والسياسية الكاملة كما نصت عليه الوثيقة العالمية لحقوق الإنسان‏.‏ وكما هو معلوم فانه في بعض الأحيان عندما تحصل النساء علي مناصب سياسية هامة في الدول غير الديمقراطية‏,‏ فإنهن يفشلن في التقدم نحو الديمقراطية وذلك لحرصهن علي الحفاظ علي مناصبهن والإبقاء علي الوضع القائم من أجل البقاء في السلطة‏ ، ولذلك فإنه من الوهم القول بأن إعطاء المرأة نفس الحقوق المحدودة مثل الرجل في مناخ أوتوقراطي‏,‏ سيعزز تحقيق الديمقراطية في تلك الدول‏.‏

يجب البدء في الحديث عن حقوق كل المواطنين بمن فيهم النساء‏، فإن معركة الإصلاح والديمقراطية والحكم الجيد تبقي بالأساس معركة حقوق إنسان ويبقى التحدي الحقيقي هو عودة الأغلبية للحياة السياسية وهي معركة النساء والرجال معا‏.‏ إلا انه يجب أن يكون لدور المرأة في الحياة العامة والسياسية الأولوية الفائقة‏ ,‏ لأن المجتمع لا يمكن أن يحقق أي تقدم يذكر إلا إذا اتسعت المشاركة في الحياة العامة لكل المواطنين دون تفرقة بين الرجل والمرأة‏.‏



إدماج مفهوم النوع الاجتماعي



يعتبر إدماج النوع الاجتماعي أداةً وعمليةً للتغير الاجتماعي فهو استراتيجية تجعل اهتمامات النساء والرجال وتوقعاتهم بعداً أساسياً في تصميم السياسات والبرامج وتطبيقها ومراقبتها في كل المضامير السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، بحيث يستفيد النساء والرجال على قدم المساواة، ويوضع حدّ لعدم التكافؤ .

ان معظم تقارير التنمية التي تقيّم التقدم تستخدم أداة إدماج النوع الاجتماعي وتحليل تأثير النوع الاجتماعي، وقد ذكر تقرير التنمية الإنسانية العربية 2002 ، تحديات تنموية ثلاث في نواقص ثلاث: المعرفة، والحرية وتمكين النساء.



معوقات التمكين السياسي



الثقافة السائدة من المعوقات ، ويتمثل دورها في منظومة القيم والمعتقدات والممارسات والاتجاهات المشتركة لمجموعة من الناس والتي تؤثر في سلوكهم وطرق تفكيرهم، فالثقافات المختلفة تتفاوت في تحديدها للأدوار الجندرية التي يقبلها المجتمع للمرأة والرجل كل حسب جنسه. كذلك التنشئة الاجتماعية يمكن أن تكون معيقا ، حيث تؤثر الموروثات الاجتماعية التي تنتقل من جيل إلى آخر عن طريق التنشئة الاجتماعية على تكوين النظرة للمجتمع لموقع المرأة في الحياة السياسية

ويكتسب دور الحكومات أهمية خاصة في إقرار السياسات المتعلقة بخصوص المرأة، والمشاركة بين الرجال والنساء، وإزالة العقبات القانونية التي تميز ضد المرأة، والحكومات إذا أرادت فهي التي تدفع بالمرأة إلى مراكز القيادات، إلا إن الحكومات ما زال دورها ضعيفا في إيصال المرأة إلى السلطة التشريعية.

وللأحزاب السياسية أيضا دورا هاما ، حيث تعتبر نسبة مشاركة المرأة في الأحزاب السياسية متدنية جدًا، فالنساء عازفات عن الانتساب إلى الأحزاب السياسية، كما إن الأحزاب لا تتوجه للنساء.

وكذلك تتحمل التنظيمات النسائية ضعف أدوارها في التمكين السياسي للمرأة من حيث التخطيط والبرامج ، وتبقى في النهاية وبقدر هام جدا القدرات الشخصية للقيادات النسائية فالقدرات الشخصية للمرأة واستعداداتها للقيادة وخبراتها في الحياة السياسية من المعوقات الأساسية ، ومع ذلك فقد برز عدد من النساء لهن تأثير كبير في نجاح المرأة في الحياة السياسية.



أثر التشريعات على التمكين السياسي



التشريعات العربية تأخرت في اعطاء المرأة حقوقها السياسية فلم تحصل المرأة الأردنية مثلا على حقوقها السياسية الا مؤخرا وتحديدا في العام 1974م ، وكلنا تابع مأساة المرأة الكويتية مع التيار السلفي المحافظ. كما أن نظام الصوت الواحد وآليات توزيع الدوائر الانتخابية تضع عراقيل إضافية على المرأة كما على الرجل ، والمطلوب صوغ قوانين انتخابية يعتمدها الشعب مع الأخذ بعين الاعتبار واقع المرأة الاجتماعي الذي يستوجب ادماج تدابير ايجابية مؤقتة كرافعة نحو تحقيق المساواة الفعلية.